رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لم لم يتأثر الاقتصاد العالمي بارتفاع أسعار النفط؟!

رئيس "أوبك" عبر قبل أيام عن رضا المنظمة عن المستوى الحالي لأسعار النفط ورأى أنها لا يمكن أن تضر بنمو الاقتصاد العالمي. والحقيقة أن أبرز خصائص الارتفاع الحالي لأسعار النفط الخام هو تأثيره المحدود على معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات الفائدة والتضخم عالميا. فالاقتصاد العالمي حقق عام 2004 أعلى معدل نمو له خلال 30 عاما، بنموه بنسبة 5.3 في المائة. كما أنه في 2005، وهو العام الذي ارتفعت فيه أسعار النفط بشدة، نما بنسبة فاقت توقعات سابقة لصندوق النقد الدولي، وحقق معدل نمو بلغ 4.8 في المائة. ويتوقع الصندوق تحقيق الاقتصاد العالمي هذا العام نموا نسبته 4.9 في المائة، وأن ينمو بمعدل 4.7 في المائة في 2007.
تاريخيا ارتبط ارتفاع أسعار النفط الخام بتدني أداء الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات الفائدة والتضخم. لذا من المهم تفسير هذا التحول، وتحديد الأسباب التي أدت إلى محدودية تأثر الاقتصاد العالمي، رغم ارتفاع أسعار النفط الخام بما يزيد على الضعف خلال أقل من عامين، وانعكاسات كل ذلك على مستقبل سوق النفط العالمية خلال العقود القليلة المقبلة.
هناك في الواقع ستة أسباب رئيسة أدت إلى عدم تأثر الاقتصاد العالمي بالارتفاع الحالي لأسعار النفط:
1- إن هذا الارتفاع مدفوع أساسا بزيادة الطلب العالمي نتيجة تسارع وتيرة النمو الاقتصاد العالمي لا بسبب معوقات في جانب العرض تدفع الأسعار للارتفاع بصورة غير مبررة، كما حدث في السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي. ما زاد من قدرة الاقتصاد العالمي على التأقلم مع هذا الارتفاع، وحد من تأثيره في معدلات نموه، وجعل مواصلة أسعار النفط ارتفاعها دليلا على قوة ومتانة النمو الاقتصادي العالمي لا سببا في الحد منه.
2- ترتب على الارتفاعات السابقة في أسعار النفط الخام تحسن مستمر في كفاءة استخدام النفط في الدول المستهلكة، ويقصد بكفاءة استخدام الطاقة كم وحدة من الطاقة نحتاج إليها لإنتاج وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. فخلال الـ 30 عاما الماضية استطاعت الدول المستهلكة أن ترفع كفاءة استخدامها للنفط بصورة واضحة، ما حد من نصيب تكلفة الطاقة إلى إجمالي تكلفة السلع المنتجة، وبالتالي حد من التأثير التضخمي لارتفاع أسعار النفط الخام.
3- التغير الهيكلي في اقتصادات الدول المستهلكة والمتمثل في ارتفاع نصيب قطاع الخدمات على حساب القطاعات التقليدية كالقطاع الصناعي والزراعي، أسهم هو الآخر في رفع كفاءة استخدام الطاقة والحد من تأثر الاقتصاد العالمي بارتفاع أسعار النفط. فقطاع الخدمات يمتاز بشكل عام بقيم مضافة عالية واستخدام أكثف للتكنولوجيا واقتصاديات المعرفة، ما حد كثيرا من أهمية تكلفة الطاقة إلى إجمالي تكلفة الخدمات المنتجة، وجعل ارتفاع أسعار النفط هامشي التأثير في معظم أنشطة هذا القطاع متنامي الأهمية عالميا.
4- ارتفاع الضرائب المفروضة على استهلاك النفط في معظم الدول المستهلكة قلل من نصيب سعر النفط الخام من إجمالي السعر الذي يدفعه المستهلك النهائي، ما حد من تأثير ارتفاع أسعار النفط الخام على أسعار المستهلكين.
5- الانخفاض المستمر في سعر صرف الدولار حد من الارتفاع الحقيقي لأسعار النفط الخام في البلدان التي شهدت عملاتها ارتفاعا أمام الدولار، منطقة اليورو مثالا.
6- الدول المستهلكة اكتسبت خبرة أكبر في التعامل مع ارتفاع أسعار النفط الخام، ما زاد من ملاءمة سياساتها النقدية والمالية، ومكنها من تفادي اتخاذ سياسات يمكن أن تفاقم من أي تأثير سلبي لارتفاع أسعار النفط على أداء اقتصاداتها.
انعكاسات كل ذلك على مستقبل السوق النفطية يمكن استشرافها من آخر توقعات لوكالة الطاقة الدولية حول معدلات الطلب العالمي على النفط عام 2030. هذه التوقعات تشير إلى أنه على افتراض سعر للنفط يبلغ 57 دولارا للبرميل بالأسعار الثابتة لعام 2004 فإن الطلب العالمي على النفط سيصل عام 2030 إلى 118 مليون برميل يوميا، أي أن الطلب العالمي سينمو بنحو 32 مليون برميل يوميا مقارنة بمعدلاته الحالية. أما إذا تراجعت أسعار النفط الخام واستقرت عند سعر حقيقي لا يتجاوز 34 دولارا للبرميل، فإن الطلب العالمي سيقفز إلى 128 مليون برميل يوميا. وفي حال وصول السعر الحقيقي إلى 96 دولارا للبرميل، فإن الطلب العالمي عام 2030 لن يتجاوز 102 مليون برميل يوميا، وستكون دول "أوبك" مطالبة فقط بإنتاج 31 مليون برميل يوميا، وهو معدل لا يزيد كثيرا على معدل إنتاجها الحالي.
وحيث إنه من غير المتوقع إطلاقا أن تكون الدول المنتجة للنفط قادرة على رفع إنتاجها بما يلبي نموا كبيرا في الطلب، فإن سيناريو محافظة السعر الحقيقي للنفط الخام خلال العقود المقبلة على معدلات تقرب من 100 دولار للبرميل ليس متوقعا فقط وإنما خيار أوحد يضمن توازن العرض والطلب النفطي، من خلال تشجيع تحقيق كفاءة أعلى في استخدام النفط وتطوير بدائل للطاقة تسهم في تخفيض نسبة مساهمة النفط في مكونات الطاقة عالميا، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون ارتفاع مناسب في أسعار النفط الخام.

<p><a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي