أين الخلل في الدراسات الاقتصادية للثروة السمكية؟ (1/2)
<a href=[email protected]">[email protected]</a>
لقد حبا الله هذا الوطن بإطلالتين شرقية وغربية على البحر ما أكسبها موقعاً استراتيجياً وفتح أبواب الرزق سواء أكانت سياحيا أو ملاحيا أو باستغلال الثروة السمكية. وكما هو معروف فللأسماك فوائد جمة من ناحية غذائية حيث: (1) تمثل مصدرا مهما للبروتين والفوسفور الذي يعتبر منشطا للذاكرة لدى المصابين بضعفها. (2) تحتوي على نسبة عالية من الدهون تعالج الصمم، ومواد كيميائية تساعد على خفض الشحوم والكوليسترول الضار في الدم، كما تساعد على قلة احتمال انسداد شرايين القلب, في وجود وفرة من فيتامين (د) الذي يؤثر إيجابياً على قوقعة الأذن. (4) أن زيت السمك يحتوي على بعض العوامل التي تقاوم الجلطات الدموية التي تسد مجرى الأوعية الدموية، ما يخفف من الإصابة بأمراض القلب، حيث لوحظ أن زيوت الأسماك البحرية تخفض نسبة الكوليسترول بنسبة 33 في المائة، وهى نسبة تساعد على خفض ضغط الدم وتؤدي إلى زيادة سيولته. على صعيد الاستهلاك فإن الثروة السمكية تضمحل بازدياد الصيد غير المقنن أو حتى المكثف, لذلك فإن الحلول لا بد أن تكون الآن في أفضل حالاتها من حيث الالتزام بالتنظيمات الخاصة بأوقات ومواعيد الصيد على مدار العام. من ناحية أخرى تنمية هذه الثروة عبر الاستزراع السمكي الذي بأهدافه الأساسية سينمي حجم ونوع الثروة السمكية, ويحسن البيئة البحرية, ويعتبر أفضل الحلول لتوفير العضويات والأملاح المعدنية. كما يعتبر بعد ذلك من أحد أهم الاستثمارات المنمية لفرص العمل للشباب بمختلف مراحل تأهيلهم.
الغريب هو أن تأثير هذه الأنشطة الاستثمارية لم تعكس أثرها على السوق بإيجابية, فتسويقيا لم يلاحظ للآن, بالرغم من بداية البرنامج قبل أكثر من عشر سنوات, أن أسعار السمك بأنواعه المختلفة انخفضت أو أن التنافس خلق مستوى سعريا متناسبا وحجم ونوع الأسماك المتوفرة. كما أن نوعية الأسماك المستزرعة لم تشجع الكثير من المواطنين المقيمين في المدن الساحلية على شرائها لاختلاف الطعم أو المذاق عن ناتج الصيد الطبيعي. تجاريا حققنا مراحل متقدمة في زراعة الربيان، وإنتاج أسماك البلطي، وقد تم دعم المستثمرين فنيا ومدت لهم التسهيلات في هذا المجال. فبدأ الاستثمار في مجال الاستزراع السمكي في منطقة جازان وسهول تهامة, ومن ثم الليث إضافة إلى جدة والدمام. كما أوجدت العديد من المراكز والمحطات البحثية مثل مركز المزارع السمكية ومركز أبحاث الثروة السمكية في البحر الأحمر، حيث يقومان بتحديد أنواع الأسماك البحرية والمحلية ذات الاقتصادية العالية، وإجراء الأبحاث الاستزراعية عليها, ودراسة مدى ملاءمة استزراع الأنواع غير المحلية تحت ظروف البيئة المحلية. ودراسة وتقييم وسائل الاستزراع المختلفة, مع التركيز على إجراء دراسات وأبحاث على الأمراض السمكية أو البحرية المختلفة ومحاولة تفادي الإصابة بها في البيئات المستزرعة. من ناحية أخرى توجه بعض الأبحاث لدراسة خفض تكاليف الاستزراع على المدى الطويل. كما يوجد مركز أبحاث الثروة السمكية في المنطقة الشرقية، ومحطتان لأبحاث الأسماك في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. حيث نستزرع الآن تجاريا ما يربو على عشرة أطنان لكل هكتار في السنة من الربيان الأبيض والربيان العملاق، ولذلك أجريت وتجرى عدة دراسات أخرى في تأثير التربية المختلطة مع الأسماك على حجم الإنتاج. وللعلم بالشيء فقد بدأت دراسات استزراع القشريات البحرية في جامعاتنا قبل أكثر من 15 عاما وبالذات في جامعة الملك عبد العزيز في جدة.
الحقيقة أن صناعة الاستزراع السمكي تعد حديثة نسبياً على مستوى العالم، لذلك فهي تتطور بشكل سريع، وتقدم حلولا تقنية كثيرة تتطلب توطين هذه التقنيات محلياً، وتهيئة ما يناسب بيئة المملكة منها. ولقد نجح مركز جدة في استزراع البلطي البحري في مياه البحر مباشرة، الأمر الذي أدى إلى تشجيع تنمية مثل هذه المشاريع بعد اكتشاف تقنيات جديدة تساعد على خفض تكاليف التشغيل والإنتاج, على سواحل تقدر بـ 2400 كم طولي إجمالا. حيث يمتد غربا ساحل بطول 1800 كيلو متر وشرقا بطول 600 كيلو متر تقريبا. تتميز هذه الشواطئ بدفئها الذي يساعد على توالد وتكاثر الثروة السمكية ويسمح بدعم الصيد التقليدي, حيث يقدر الإنتاج السنوي للمزارع الحكومية السمكية الموجودة في المملكة التي يفوق عددها 40 مزرعة بنحو ألفي طن، ويمثل إنتاج مياه الخليج 28 في المائة من المصائد البحرية و72 في المائة من البحر الأحمر، ويأتي نحو 80 في المائة من الإنتاج من الصيد التقليدي والباقي من الصيد الصناعي. الإحصائيات المتوافرة ما زالت قديمة نوعا ما وتحتاج إلى تحديث فتطور إجمالي إنتاج المصائد البحرية ارتفع بنسبة 25 في المائة تقريبا خلال عامين (من 94 إلى 96م)، كما أن صيد البحر الأحمر نقص في مقارنة بصيد الخليج العربي في الفترة ذاتها بنسبة تتراوح بين 20 إلى 25 في المائة, وهي نسبة مقلقة, حيث قد يرجع ذلك إلى تراجع عدد الصيادين في البحر أو أسلوب تعامل الشركات الضخمة مع الصيادين في البحر أو أسباب أخرى ما زالت مجهولة. فحسب إحصائيات سنة 1993م فإن 70 في المائة من صيادي وعمال صيد يعملون في ساحل البحر الأحمر والباقي على ساحل الخليج, ولكن لا نعرف كم يستوعب السوق أصلا؟ وما الوضع القائم حاليا؟ كما أن أسطول المراكب بلغ 75 في المائة من إجمالي العدد في مياه البحر الأحمر و25 في مياه الخليج, وبالتالي ما هو توجه الوزارة حدود الاستيعاب؟ أما الأسطول الصناعي فيبلغ حجمه 126 مركباً في البحر الأحمر و45 في الخليج, ولكن لا توجد معلومات مؤكدة عن أعداد حصرية حديثة عن ذلك.
وبالحديث عن الصيد البحري في المياه الإقليمية في المملكة فهو يستخدم تقنيتي الصيد التقليدية والصناعية. وتعتمد تقنية الصيد التقليدية (وهي السائدة) على استخدام قوارب صغيرة نسبياً (من 5 إلى 15 مترا) لا تشتمل على أي من تقنيات الاتصالات وكشف مواقع الأسماك وأدوات الصيد الحديثة الأخرى. وتبلغ أعداد القوارب من هذا النوع ما يزيد على سبعة آلاف قارب، 71 في المائة منها تبحر في مياه البحر الأحمر والباقي في الخليج العربي. أما الكبيرة فيزيد طول القارب فيها على 15 متراً ويحتوي على التقنيات المذكورة ويمكن للقارب الخروج في رحلات صيد لأكثر من أسبوع في الرحلة الواحدة. وتعمل أغلب القوارب في نشاط صيد الربيان. ولكن إجمالا يتضح مما سبق أن الدراسات تكاد تكون في أطر لم ينتج عنها إفادة حقيقية من ثروتنا السمكية في المملكة, ولإيضاح ذلك فالحديث له بقية.