أدوات أبنائنا المدرسية.. وقفة للمراجعة

<a href="mailto:[email protected]">atrairy@ksu.edu.sa</a>

قرأت قبل فترة ليست بالبعيدة، وفي إحدى صحفنا المحلية، خبراً يفيد بأن محافظة الطائف قامت مشكورة بسحب كميات من الأدوات المدرسية الضارة بالأطفال، وقد استوقفني هذا الخبر وربما استوقف غيري ممن قرأوه.
ونظراً لقصر الخبر، فلم يتضمن تفصيلاً حول الأدوات المدرسية، في أنواعها، طبيعتها، واستخداماتها، هل هي أقلام؟ أم ألوان؟ أم أوراق؟ أم ماذا؟ كل هذا مجهول للقارئ، كما أن كميات هذه المواد المدرسية وأين تباع؟ وأسعارها وكيف تم ضبطها؟ كل هذه الأسئلة وغيرها لا يجد القارئ إجابة عنها.
وتكمن أهمية الإجابة عن هذه الأسئلة، في إسهامها في توعية المستهلك، من الطلاب، أو أولياء الأمور، الذين يضطرون إلى شراء هذه الاحتياجات نظراً لكونها من مستلزمات العملية التعليمية التي لا بد لهم من توفيرها.
ومع أن ما قامت به محافظة الطائف أمر تشكر عليه جزيل الشكر، إلا أن الأمر يقتضي معرفة كيف تم اكتشاف ضرر هذه الأشياء، هل أصيب طالب أو طلاب استدعى نقلهم للمستشفى؟ أم أن هذه المواد معروف ضررها من قبل وتسللت إلى السوق وتم اكتشافها بالمصادفة؟! لقد توقفت عند هذا الخبر طويلاً وتساءلت: كيف تم السماح لمثل هذه البضاعة أن توجد في السوق؟ وهل مرت من الجمارك دون اكتشاف ضررها؟ ومن التاجر الذي استوردها؟ ومن أين استوردها؟ ألا يوجد عقد بين التاجر والجهة التي تم استيراد هذه المواد منها يؤكد صحة وسلامة المواد من أي عناصر مضرة بصحة البشر؟ لا يمكن تصور أن تكون هذه المواد قد تم تهريبها والتعامل معها كما تتم المعاملة مع المخدرات، فهذه البضائع جاءت بصورة رسمية ويوجد فسح لدخولها، ولذا فالمسؤولية الرسمية تتحملها عدة جهات، ولا بد من أن توضح موقفها من هذا، إذ لا يمكن السكوت على بضائع تضر بصحة الناس. هل الجمارك لديها علم بهذه البضائع؟ وأنا أشك في ذلك, إذ لا أتصور أن تسمح بدخول هذه الأشياء المضرة بصورة رسمية، ولكن قد يكون حدث شيء من التجاوزات في المنافذ التي دخلت منها هذه البضائع. وما يقال عن الجمارك يقال عن إدارة حماية المستهلك فأين دورها سواء عند دخول البضاعة أم بعد دخولها ووجودها في الأسواق؟
وحيث إن هيئة المواصفات والمقاييس تقع عليها مسؤولية وضع الضوابط الفنية والمعايير اللازمة لتحقيق الجودة والسلامة فيما يرد إلينا من بضائع، لذا لا بد من التساؤل: من الذي يقوم بالتأكد من توافر المعايير والضوابط التي تصنعها الهيئة؟ هل الهيئة بأجهزتها ومختبراتها ومعاملها تختبر البضائع، ثم تعطي الإذن والإجازة للدخول أو الرفض؟ أم أن المعايير والضوابط مكتوبة على ورق وتعطى لجهات أخرى تقوم بالفحص والتدقيق ومن ثم إعطاء التصريح؟!.
البلدية هي أيضاً ذات علاقة بالموضوع، ولم يرد في الخبر المذكور آنفاً إن كانت هي التي اكتشفت هذه البضائع المغشوشة، وعليه لا بد من الاستفسار، ما دورها، وهل قامت بهذا الدور أم لا؟ إن ما أخشاه أن تكون كل هذه الجهات التي ورد ذكرها لم تعلم بالموضوع إلا بعد نشر الخبر في الجريدة، وربما بعضها لم يعلم به حتى الآن وقد لا يعلم به إلا بعد كتابة هذا المقال.
ومع انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية أحسست أن من واجبي أن أتساءل: هل أنظمة منظمة التجارة العالمية تسمح بهذا الغش؟ وماذا يترتب على الدول التي تصنع وتصدر مثل هذه البضائع؟! وماذا يمكن أن نعمل كدول مستهلكة حين نقع ضحية هذا الغش؛ سواء من خلال المنظمة كإجراءات تتخذ ضد هذه الدول أو من خلال العلاقات الثنائية؟! هل نحن مجبرون على الاستيراد من هكذا دول تمارس الغش وتصدر لنا بضائع مضرة بصحة فلذات أكبادنا وسادة المستقبل؟! لا أعتقد أننا مجبرون بل نحن ملزمون شرعاً ومنطقاً ونظاماً دولياً أن نحمي مصالحنا وأنفسنا من هذا العبث التجاري.
التاجر أو الجهة التي استوردت هذه البضائع تقع عليها مسؤولية كبيرة خاصة إن كانت غير متواطئة في هذا الأمر – وأنا أستبعد تواطؤها – ولذا فمسؤوليته إثارة الموضوع مع الجهة التي صنعت واستورد منها هذه البضاعة ومقاضاتها في بلدها بل وقطع العلاقة معها والبحث عن بديل آخر.
تشترك في هذا الموضوع عدة جهات كبرى، هي وزارة التجارة سواء بحكم تمثيلها المملكة في منظمة التجارة العالمية أو في إداراتها المعنية في الميدان، ووزارة المالية من خلال إدارة الجمارك، ووزارة الصحة، ذلك أنها معنية بهذا خاصة من خلال إدارة الصحة الوقائية، فدورها لا يقتصر على الاستنفار حين يكتشف وباء أو يحدث إشعاع، بل إن الأسواق وما فيها من بضائع تضر بالصحة تكون ضمن اهتمامات وزارة الصحة، سواء بالتنسيق مع الجهات الأخرى أو مزاولة هذا العمل بصورة مستقلة. أما وزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في الأمانات والبلديات فدورها الميداني ومراقبة الأسواق فلا يقتصر على المطاعم والبقالات فقط فدورها يمتد إلى كل ما يضر بصحة الإنسان.
أما وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي فهما معنيتان بالموضوع, فالمستهدفون هم الطلاب والطالبات الذين هم تحت رعاية ومسؤولية هاتين الوزارتين سواء في التعليم العام أو التعليم العالي فالمستلزمات التعليمية تستخدم من قبل الجميع، ومن ثم فدورهما يكمن في متابعة الموضوع، والاهتمام به لمعرفة لماذا حدث هذا الشيء؟ وماذا تم بشأنه من الجهات ذات العلاقة؟!.
المسؤولية الوطنية تقتضي من جميع الجهات ومن التجار وأصحاب الرساميل التفكير في مشاريع صناعية تنتج أدوات أبنائنا وبناتنا المدرسية، لنجعلها تتفق مع معايير الجودة والصحة التي نضعها لأنفسنا ووفق المعايير الدولية. ومن حسنات هذه المشاريع مراعاتها احتياجاتنا العملية، مع الأخذ في الاعتبار المقومات الثقافية للمجتمع، ذلك أن كثيراً من البضائع المستوردة سواء كانت بضائع تستخدم في المجال التعليمي أو خارج بيئة التعليم تحمل معها رسائل ثقافية، مما يؤثر في منظومة القيم التي يتشربها طلابنا, خاصة وهم في أعمار غضة ويفتقدون الكثير من النضج والخبرات، فهل نسعى لإنتاج احتياجات أبنائنا كي نجنبهم الأضرار الصحية، ونضمن في الوقت ذاته تنشئتهم بما يتسق وهوية مجتمعهم؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي