الجمعة اليتيمة: 3 ملايين مصل يشهدون الختمة في الحرمين الليلة

الجمعة اليتيمة: 3 ملايين مصل يشهدون الختمة في الحرمين الليلة

يشهد اليوم أكثر من ثلاثة ملايين مصل، دعاء وختم القرآن الكريم في كل من المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. وهي مناسبة يحرص عدد كبير من المسلمين من داخل السعودية وخارجها على حضورها متضرعين إلى الله عز وجل وسط أجواء إيمانية مفعمة بروحانية عظيمة أن يتقبل صيامهم وقيامهم.
وعلى صعيد متصل، يدور جدل فقهي بين طلبة العلم حول ما يسمى (بالختمة)، والتي يقصد بها قراءة القرآن في صلاة التراويح والقيام، ثم الدعاء المعروف عند إتمام القرآن الكريم فمن الناس من يقول: إن هذه بدعة، ولا يفصَّل ومنهم من يقول: إنها سنة، ويعمل بها دون تفصيل أيضًا الشيخ سلمان بن فهد العودة الداعية المعروف يرى من جانبه التفصيل ويصفه بالأحسن ويقول أولاً: إتمام القرآن الكريم - في صلاة التراويح والقيام - مشروع كما هو معروف.
ثانيًا: الدعاء عند ختم القرآن الكريم ـ أيضًا- مشروع، فقد ثبت من حديث جابر، رضي الله عنه، عند أحمد وأبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأوا القرآن، وابتغوا به الله من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القِدْح، يتعجلونه ولا يتأجلونه" أي يتعجلون أجره ومن حديث "من قرأ القرآن فليسأل الله به...".
ثالثًا: هذا الدعاء - الذي يقال عند ختم القرآن - إن كان في صلاة فينبغي أن يكون في صلاة الوِتْر، سواء في التراويح أو في القيام؛ وذلك لأن الوتر هو الموضع الذي ورد أنه مكان الدعاء، كما ثبت في غير ما حديث، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم الحسن - كما في سنن الترمذي - أن يقول في دعائه: (اللَّهُمَّ اهْدِنِى فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ).
فالسنة أن يكون الدعاء في الوتر، سواء كان ذلك قبل الركوع أو بعده.
أما الدعاء الشائع عند الناس، الذي يبدأ بقولهم: "صدق الله العظيم الذي لم يزل عليمًا قديرًا، صدق الله ومن أصدق من الله قيلاً، صدق الله العظيم، وبلَّغ رسولُه الكريم، ونحن على ما قال ربنا من الشاهدين، ولما أوجب وأنزل غير جاحدين.." إلخ؛ فهذا لا أصل له، والأولى تجنُّبه، وبخاصة أنه انتشر عند الناس، حتى ظنه بعضهم من السنن، فلو تركه أحد لأنكروا عليه، وقالوا: خالفْتَ السنة.
ولو قرأه إمام لم يحسن مخالفة المأمومين له، ولا أن يكون ذلك سبباً لإثارة الخلاف، والقيل والقال فالأمر يسير، والحرص على وحدة القلوب وسلامة النفوس أهم من مراعاة فرع أو جزئية من هذا القبيل.
العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين رفض من جانبه أن يكون لليلة الختم مزية أو شرف مجيزاً حضورها مع أكثر من إمام وذلك رداً على سؤال عن حكم الارتحال لحضور الختمة في أحد الحرمين، حيث إن كثيراً من الناس لا يصلي التراويح ولا القيام، فإذا جاء وقت الختمة توافدوا بأعداد هائلة مع ملاحظ أنه قد رسخ لدى بعض الناس أن ليلة الختمة ليلة مميزة، فيقعُ تعظيمها والتفرغ لها، والإكثار من العبادة فيها، حتى أن بعضهم ربما حَرِصَ بعد الانتهاء من ختمة القرآن مع الإمام أن يذهب إلى مسجد آخر ليشهد ختمة الإمام، الأخرى، فما موافقة ذلك للسنة؟ فأجاب فضيلته بقوله إذا عرف أن الدّعاء عند الختمة مشروع، وأنه كان معروفاً عند السّلف، وعلم أنهم كانوا يحضرون القارئ عند ختمه للقرآن، ويؤمّنون على دعائه فإن الحضور المذكور سنة وفضيلة، حيث كان الدَّاعي من أهل الفضل والدِّين، والصلاح، ممَّن يُرجى إجابة دعائه، وحيث إن الموضع له فضله وشرفه، ومضاعفة الأعمال فيه، وكونه مظنة القبول، وحيث يؤمّن عليه الجمع الغفير من المصلين، من رجال ونساء، وكبار وصغار، ولكن يكون القصد من السفر الصلاة في الحرمين، وأداء النسك، أو الاعتكاف، أو الإكثار من نوافل الصلاة فيهما، والمحافظة على صلاة الجماعة، ويكون حضور دعاء الختم تابعاً لذلك، فأمَّا من لا يصلي في رمضان التراويح، ولا يقوم ليالي العشر، وإنما يحضر دعاء الختم، أو يسافر لأجله فإنه قليل الحظ من حصول المغفرة، والعتق من النار.
وأما تخصيص ليلة معينة لختم القرآن فلا حاجة إلى ذلك، بل يختم القرآن متى أتمّ قراءته المعتادة، لكن ورد عن بعض السلف أنه ختم ليلة سبع وعشرين، ذكره ابن رجب في لطائف المعارف. ولعلّ ذلك من باب التحري، لكونها أرجى أن تكون ليلة القدر، ولما ورد فيها من الفضل، وإجابة الدعاء عن كثير من السلف، كما ذكر ابن رجب عن جماعة من العبَّاد دعوا الله في تلك الليلة، فأجيب دعاؤهم، ولعله اقترن به ما صار سبباً لقبوله، ويمكن أن ختمهم في تلك الليلة من باب المصادفة، ولم يكن عن قصدها لذاتها، وعلى كل حال يحسن تحرِّي الليالي اللاتي يُرجى فيهنَّ إجابة الدّعاء، بعد ختم القرآن أو غيره، كأوتار العشر الأواخر من رمضان.
فأمّا من اعتقد أن تلك الليلة - التي حصلت فيها الختمة - لها مزية أو شرف فليس كذلك، فإن الختم يختلف فيه الأئمة، حيث إن بعضهم يختم أول العشر، وبعضهم آخرها، فأمّا الحرص على حضور الختمة مع أكثر من إمام، فَيُسن ذلك كما نقل عن مجاهد وغيره! أن الدُّعاء يستجاب عند ختم القرآن، وأن الرَّحمة تنزل عنده، لكن إذا فوت على الإنسان وقت أو صلوات بعض الليالي لم يشرع ذلك، فإنَّ الذي يسافر إلى مكة، ثم إلى المدينة، ثم يرجع إلى بلده، يفوته في هذه المدة صلاة بعض الليالي، وإنْ كان قصده حسناً، لكن السفر ليس ضرورياً والأعمال بالنيّات، ولا ينبغي فعل ما ينكره عوام الناس وخواصهم، ولم يكن عليه عمل الأمة ولا دليل على مشروعيّته، سواء من هذه الأمور أو غيرها.

دعوات أم خطب
فضيلة الشيخ الدكتورعبد الوهاب بن ناصر الطريري نائب المشرف على موقع الإسلام اليوم، استنكر من ناحيته بعض المظاهر التي تقع سواء من الأئمة أو المأموين والتي تصدر على حد قوله بحسن نية من البعض وعدد لنا بعضها قائلاً:
(1) الإطالة المملة في الدعاء والتي تشق على الناس وتثقل عليهم العبادة، فيؤمنون وقلوبهم قد كلت وسئمت، وهذا من فتنة الناس عن العبادة وتثقيلها عليهم، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على معاذ إطالته قراءة القرآن في الصلاة، فكيف بإطالة الدعاء.
(2) ترتيل الدعاء كما ترتل آيات الكتاب مع أن الأصل في الدعاء الانكسار والإخبات، والخضوع بلا تكلف ولا تقصد لنغمة معينة أو أداء معين، ولم ينقل إلينا أداء الدعاء مرتلاً كما نقلت آيات الكتاب العزيز؛ فإثقال الدعاء بالمد اللازم والإدغام بغنة والقلقلة، تكلف يبعد عن لب الدعاء وهو الخشوع فيه.
(3) التفصيل عند الدعاء في أحوال البرزخ ويوم القيامة بطريقة تحول الدعاء إلى موعظة؛ ولذا أنكر سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ على ابنه لما سمعه يسأل الله الجنة ونعيمها واستبرقها ويستعيذ من النار وأغلالها وكذا وكذا وقال له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء" وإن بحسبك أن تقول: اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل".
وهذا التفصيل يخرج بالدعاء عن مقصوده وهو المسألة إلى باب آخر وهو الوعظ والتذكير والترقيق وهو مطلوب ولكن في غير هذا الموقف.
إن الاسترسال بهذه الطريقة يشعرك بأنك تستمع إلى خطيب قد ولاَّك ظهره وليس إلى قانت يسأل لك ربه.
نعم إن من أسباب هذا الانفعال كله الشعور بحرارة الظلم والبغي من الدول الكبرى والذي أمض القلوب، وأقض المضاجع، وعقد المرارات في أفواه المسلمين، ولكن المسلم يصدر في دعائه وسائر عباداته من الأدلة الشرعية وليس المشاعر النفسية.
(5) النواح والصياح في البكاء بطريقة مجيشة، وانفعال وتفاعل ربما تجاوز إلى الصراخ والعويل المزعج.
إن في جوامع الأدعية المأثورة غنى عن كثير من التفصيل المطنب، وفي الخشوع المخبت اقتفاء للهدي النبوي، وعصمة من الأحوال التي يكون لرؤية الناس حضور فيها، ومرادات النفوس غلابة، ومساربها خفية، والموفق من استعصم بما ورد، ومن اقتدى فقد اهتدى.

الجمعة اليتمية
يطلق بعض المسلمين أكثر من اسم على آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، فهناك من يسميها الجمعة اليتيمة، وهناك من يسميها الجمعة الحزينة نسبة إلى حدث مؤلم وقع فيها، وهناك من يسمي صلاتها بصلاة الكفارة.
وتأتي الأيام العشرة الأخيرة من رمضان للاعتكاف بالنسبة للبعض، وتأخذ أيضا طابعا احتفاليا لدى غيرهم بصيغة جماعية، ويبرز من هذه الأيام آخر يوم جمعة في رمضان وختم تلاوة القرآن وليلة القدر والغروب الأخير في رمضان.
وفي هذا الشأن قال أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ الدكتور صالح السدلان، إن هذه التسميات لا أصل لها في الشرع ولم يرد في ذلك حديث صحيح أو ضعيف، وما هذا إلا من قبل أشخاص يودون أن يتعلقوا بمثل هذه الأمور، فهذه الجمعة كباقي الجمع، الأولى والثانية والثالثة ولا تخص باسم أو عبادة أو احتفال أو نفقة".
والجمعة اليتيمة هي تسمية لدى البعض لآخر أيام الجمع في رمضان، في إشارة إلى أنه يوم لن يتكرر وقد تظهر فيه مشاعر الأسف على انقضاء الشهر الكريم.
ويطلق بعض المسلمين اسم جمعة القضاء على آخر جمعة من رمضان، ويرى كثير من الفقهاء أنه لا وجه لتسمية الناس لهذا اليوم بهذا الاسم لأنه لم يدل عليه دليل لا من اللغة ولا من الشرع ولا سيما مع وجود احتمال أن يوهم الجاهل ويظن أنه من الممكن أن يترك المسلم الصلاة أو إحدى الصلوات الخمس أو كلها على أساس أن يقضيها في هذا اليوم الذي قد سموه بيوم جمعة القضاء.
وهكذا لا يجوز لأحد أن يعتقد أن هذا الاسم اسم شرعي إسلامي، مثل يوم الأضحى أو يوم الفطر، أو يوم عرفة أو غير هذه الأيام التي جاءت أسماؤها في السنة النبوية الشريفة. لأنه لا دليل على تسمية جمعة القضاء في القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو إجماع المسلمين، ولا يجوز أيضا لأحد أن يترك الصلاة (أي صلاة من الصلوات الخمس) على أساس أنه سيقضيها في هذا اليوم.
وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي المتوفي سنة 973هـ عن هذه الصلاة التي كان بعض المصلين يصلونها في آخر جمعة من رمضان ويسمونها صلاة البراءة: هل تصح جماعة فأجاب بقوله في الفتاوى الكبرى: وأما صلاة البراءة فإن أعتقد أنها تكفر ما وقع في جملة السنة من تهاون في صلاتها فهي محرمة شديدة التحريم يجب منعهم منها لأنه يحرم إعادة الصلاة بعد خروج وقتها ولو في جماعة وكذا في وقتها بلا جماعة ولا سبب يقتضي ذلك ومنها أن ذلك صار سببا لتهاون العامة في أداء الفرائض لاعتقادهم أن قضاءهم على تلك الكيفية يكفي عنهم ذلك. ونص في شرحه على منهاج الإمام النووي، رحمه الله، المسمى (تحفة المحتاج في شرح كتاب المنهاج) على أن مسألة قضاء خمس صلوات في آخر جمعة من رمضان بدعة لا أصل لها في الدين.
من جهة أخرى، يسمي بعض المسلمين الجمعة الأخيرة من رمضان بالجمعة الحزينة إن وقع فيها مصاب جلل أو حدث كارثي مؤلم، ونرى كثيرا من الفلسطينيين يسمون يوم الجمعة 25/2/1994 م بالجمعة الحزينة وذلك لوقوع مجزرة الحرم الإبراهيمي ضد المصلين المسلمين في فجر آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك.

الأكثر قراءة