إعلامنا الاقتصادي مختلف أم متخلف؟

كم كنت واثقاً ومن خلال تعاملنا مع سوق الأسهم وعلى وجه الخصوص في آخر ثلاث سنوات أننا سوف نعيش حالة مأساوية بسبب ضبابية سوق الأسهم وهي لم تكتمل بنيتها التحتية وهياكلها بعد (أكتوبر 2005م، جريدة الرياض)، ولكن طبيعة الأمور وقَدر الإنسان أن يستمر في إعادة أخطائه وأخطاء من سبقوه ليتعلم من التجربة بنفسه وليستوعب الدروس. وقد كنت متيقناً أيضا أن هذه التجربة سيكون لها ثمن غال جداً قد نضطر لتقسيطه على سنوات طويلة، بسبب أننا لم نعط كثيراً من الاهتمام لأشياء نعتبرها صغيرة وغير ذات أهمية، حتى ولو كانت تلك الأشياء تعني قتل مستقبل عائلات بكاملها وطموحات شباب بحيويتها، إلا إذا وجدنا رموزنا تتحدث عنه، ليبدأ عندئذ الإعلام بالتطبيل.
لقد تطرق إعلامنا المجيد - والذي أكثر ما يعجبني فيه قدرته على قلب الأمور بين ليلة وضحاها حسب المزاج السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وهو الأمر الذي لا أتقنه ولا أرغب في معرفته- أقول تطرق خلال أزمة سوق الأسهم واتهم كل شيء يتحرك حول سوق الأسهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في التسبب فيما حدث، من جهات رسمية وقطاع بنكي ومستثمرين، ولكنه نسي نفسه (أقصد الإعلام). ولم أجد أحدا من هؤلاء الإعلاميين استطاع أن يقنعني بتحليل واحد عن سوق الأسهم كإعلامي اقتصادي كمثال. ورغم ذلك كانت التهم ترسل جزافا ودون حتى محاولة التحري ولو من باب ذر الرماد في العيون. وهي تهم موجودة في كل إعلامنا بكل أسف سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع، أما الصحافة الرياضية وفي كثير من الحالات فإني أسترخص أن أدفع فيها ريالا واحدا لقراءتها بسبب هذا الانحطاط والذي كان واضحا في قضية نور وقضية رفع سقف التوقعات للأخضر في كأس العالم ونحن نعلم النتيجة مسبقاً والتي كانت بالنسبة لهم أهم من قضايا رياضة محلية أكثر إلحاحاً وأهمية في تحديد مشاكلنا الرياضية ومناقشة القصور في النشاط الرياضي بشكل عام. وفي تصوري أن اللوم يقع على عاتق رؤساء التحرير قبل المحررين وأصحاب الأهداف الخاصة.
وبالعودة إلى تعاطي الإعلام مع أزمة سوق الأسهم ومواضيعنا الاقتصادية عموما، نقول إن اللوم يقع على عاتق الجميع بمن في ذلك الكتُاب أنفسهم ومحررو الصحف الاقتصادية، حيث نفتقد عنصر المعرفة والإحاطة بجوانب الأمور قبل الحديث عنها، وهو أمر يجعل الكثير من الاستنتاجات فيها مغالطة واضحة لحقائق الأمور على أرض الواقع. كما أن الإعلام يقاد كثيرا بمفهوم الإرضاء والاستعطاف والذي تسعى إليه إدارات الصحف والإعلام من خلال إسماع ما يحب (حسب ظنهم) سماعه مسؤولون معنيون، وللتدليل على ذلك أورد حالة تبعتها بشكل جيد خلال الفترة الماضية تعطي صورة كاملة عن إعلامنا الاقتصادي والإعلام بشكل كامل وهو أمر تجب معالجته إذا أردنا تطوير فكرة أن الإعلام هو السلطة الرابعة، ولكنها ليست السلطة الرابعة لمصلحة الصحافيين الشخصية ومصلحة الكُتاب الذاتية والذين يشنون هجوما شرسا على جهة أو مصلحة حكومية وعندما تتحقق الأهداف الشخصية ينقلب هذا الهجوم الذي كان شرسا بقدرة قادر إلى مديح يأخذ المسؤول إلى مستويات تقترب من سماء رب العالمين. وهناك حالات يعرفها أصحابها في العديد من الصحف المحلية تؤكد هذا.
أما التعاطي الذي يفتقد المهنية وقلة العلم فهي حالة أيضا يعيشها الإعلام الاقتصادي، فكم من خريج تخصصات جغرافيا وتاريخ ولغة عربية تحدثوا عن نظريات سوق الأوراق المالية وتأثيرات السيولة، وطبيعة أسواق المال وعلاقات المتغيرات الاقتصادية بسوق الأسهم، والمشكلة أن الجهات الإعلامية التي تتعاطى مع مدعي العلم والمعرفة تكون من السذاجة بحيث لا تكتشف ضحالة من أمامها في العلم والمعرفة في هذه المواضيع. وهي حالات نشاهدها بشكل متكرر في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة وكذلك فيمن يحاولون الكتابة وإعطاء تحليل عن سوق الأسهم.

كذلك لدينا إشكال كبير يزيد من تفاقم المشكلة وهي المسؤولين عن الصفحات الاقتصادية، ودون كثرة تحليل، أورد حالة حدثت وتحدث لدينا في كثير من الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكنها بالنسبة لي أوضح في الجانب الاقتصادي وسوف أتحدث عنها بشيء من التفصيل. نشرت الصحف المحلية والعديد من الصحف العالمية قبل منتصف العام الحالي تقريرا عن مؤسسة "ستاندارد & بور" حول توقعاتها لأسعار الخام في 2010م وأنها قد تتراجع إلى 40 دولارا للبرميل. وكانت محصلة التقرير الدولي وهو عناوين صحفنا المحلية لليوم التالي " دول الخليج نوعت اقتصادياتها ولن تتأثر بتراجع النفط" وكان معظم المحللين الذي أشير لهم في التغطية الصحافية للخبر يتفقون مع التقرير وأنه أصاب عين الحقيقة، وأن هذا يدل على متانة الاقتصاد السعودي. ولم يمضي زمن طويل حتى صدر تقرير آخر من مؤسسة دولية مشابهة وهي "موديز" حول النظام المصرفي في المنطقة وكان التقرير متشائماً في قدرة القطاع المصرفي في التعاطي مع التحديات الاقتصادية التي تواجهها منطقة الخليج وكذلك في إدارة السيولة المتراكمة في تلك المصارف. وحينها خرجت علينا الصفحات الاقتصادية في الصحف المحلية بعناوين التشكيك والتخوين للغرب وكل ما يأتينا من الغرب، ومما نشر "المؤسسات الغربية تواصل تشكيكها في اقتصاديات دول الخليج" وكذلك منها " المؤسسات الغربية تواصل ضغطها لإخراج السيولة من المنطقة" ومنها "التقرير هو بمثابة استكمال لتحذيرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي ترمي في نهاية المطاف إلى إخراج السيولة من المنطقة وشل اقتصاديات دول الخليج". يا مسؤولي صحفنا العزيزة ليكن لديكم خط واضح! هل تقارير المؤسسات الغربية هي مهنية وعلمية أم أنها يمكن شراؤها لنا أو علينا؟ لماذا عندما يكون التقرير مشيداً تبدؤون الاستشهاد بها وكأنها، أستغفر الله، حديث شريف، وعندما يكون غير ذلك تظهر نظريات المؤامرة والتخوين والتشكيك، وهي نفس المؤسسات المالية الدولية؟ هل نريد سماع ما يطرب فقط حتى ولو كانت الحقيقة مرة؟ أم أن المسألة انتقائية التزييف التي جعلت الجيوش العربية تخسر في أيام والجيش الإسرائيلي يدخل إلى الكيلو واحد في القاهرة، ومع ذلك الإعلام يرقص للنصر المجيد، ويطالبنا بالرقص معه.
إذن نحن نمجد من يكذب علينا ونقذف بالحصى كل من ينصحنا، وفي ظني أن العديد من صحف أو وسائل الإعلام المحلية ليست لديها رسالة أو خط واضح، ولكن كل صحيفة تحاول قراءة ما تطرب له أذن المسؤول السياسي حتى في الشأن الاقتصادي ومن ثم تضرب على ذلك الوتر. وكأن حال الصحف يقول "اللهم الرضاء علينا". هل يمكن أن تكون لدينا صحافة مهنية وهيئة صحافيين وهذه هي حال الصحافة وحال عناوينها وفحوى تقاريرها؟ ونريدها أن تكون سلطة رابعة! آمل ذلك، وأن لا تكون سلطة رابعة لمصالح بعض الكُتاب الشخصية وبعض الصحافيين والمحررين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي