رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الصحافة الاقتصادية... وما إلى ذلك

- آلو: السلام عليكم، الأستاذة ريــم أسـعد!
- وعليكم السلام، معاك ريم أسعد
- كيف الحال يا أستاذة؟
- الحمد لله شكراً. من معي!
- معاك فلان من جريدة كذا (أو) معاك فلان من قناة كذا
- حياك الله يا أخي
- الحقيقة أنا ودي إنك تفيدينّا بالإجابة عن بعض الاستفسارات الاقتصادية.
- اتفضل يا أخي، بس يا ليت لا تقولّي "ما هي توقعاتك لسعر السهم الفلاني؟" أو "ما رأيك في علاوة إصدار السهم العلاني؟"!
- لا أبدا بس الحقيقة أنا كان ودي أعرف رأيك في .......
ويبدأ الصحافي المتصل بسرد بعض الأسئلة التي غالباً ما تكون مكررة عقب حدث أو ظاهرة يكثر الحديث عنها.. وهذا أمر لا بأس به.
أما أن تنحصر الصحافة والإعلام الاقتصادي في "الموضة" الاقتصادية مثل علاوات إصدارات الأسهم والشائعات المتداولة وآخر الأحداث فهو أمر ضد الشمولية يحصر العقلية الاستثمارية في صندوق مغلق ويعوقها من التحليق في الآفاق الواسعة للاستثمار والادخار وبناء المستقبل.
من الملاحظ أن الغالبية العظمى للموضوعات الصحافية تتناول الأمور "الدارجة" التي يتداولها الناس دون ربط ذكي بين مسبباتها، فنجد الصحافيين أنفسهم يميلون إلى مواضيع جانبية أو متفرعة من أمور أكثر أهمية. فنادراً ما أقرأ عن الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة سلبية من خلال البحث المنهجي ومحاولة معالجتها بشكل إيجابي. كذلك يندر الأسلوب التفاعلي مع القراء على شكل استبيانات دقيقة تنشر نتائجها لتعبر عن التوجه الاقتصادي للقراء (وهنا يلعب الإنترنت دوراً قوياً في مواقع الصحف والبرامج الإعلامية حيث تتيح للقارئ المساهمة برأيه إلكترونياً).
هل المشكلة الرئيسية هي مستوى الوعي والتعليم الاقتصادي لدى الصحافيين أنفسهم؟ لا أود التقليل من شأن الإخوة الصحافيين فبعضهم يتصف بثقافة عالية، إلا أنه من المتعارف عليه عالمياً أن الصحافي الاقتصادي غالباً ما يكون متخصصاً في الاقتصاد أو سبق له العمل في مؤسسات مالية على أقل تقدير حتى يتمكن من تغطية المادة المتعلقة بقيمة مضافة بدلاً من التكرار والتقليد. وينبغي كذلك التمييز بين الأخبار الاقتصادية والحوارات الاقتصادية والرأي الاقتصادي، فكل مادة من هذه تتطلب أسلوباً معينا وقدرات مختلفة.
لم لا نرى في معاهدنا وكلياتنا مواد تدرس الكتابة والتحرير الاقتصادي؟
لم لا نرى أن الصحافي هنا يتعلم ويتدرب في مختلف الأقسام لكنه لا يتخصص في مجال معين كما نرى في الخارج؟ فالمشاهد مثلاً لقناة Bloomberg الاقتصادية يتعلم الكثير من المفاهيم المالية بعد أسبوع فقط من المتابعة، ونلحظ المهارة العالية لمقدمي البرامج في إدارة الحوار وعرض المعلومات وكأنها محاضرة علمية شيقة تربط بين أحداث العالم السياسية والاقتصادية فيزداد المشاهد وعياً. إن عدم التطرق لتجارب الدول الأخرى بحجة أن ظروفنا "مختلفة" لهو من أكبر الأخطاء التي تتكرر على مختلف الأصعدة فيتولد لدى القارئ والمواطن شعور أننا نختلف فعلاً عن كل العالم فتزداد عزلتنا وتنعدم استفادتنا مما مر به الآخرون.
نقطة أخرى هي العناوين والألفاظ الرنانة التي تضخم من الحدث أو الخبر بحيث يكتفي القارئ الأقل وعياً بقراءتها ويعتد بها كمعلومة. هذا الأمر يساعد على سطحية القراءة ويولد مدخلاً آخراً لتداول الإشاعات، فإذا قرأنا المقال أو الخبر إلى النهاية نجد أن العنوان لا يعكس المقصود وقد لا يكون ذا صلة فعلية بالموضوع.
وهنا أقارن من جديد بالصحف الاقتصادية العالمية مثل صحيفة Wall Street Journal وFinancial Times حيث يتم اقتناء العنوان بشكل مبسط ودقيق يسهل من خلاله الاستدلال على الموضوع.
اللغة العربية لغة قوية وتتسم برنين دراماتيكي ولفظي واضح لذا ينبغي توخي الحذر عند انتقاء الألفاظ لوصف موقفٍ معين أو ظاهرة جديدة ومحاولة الاستعانة بكلمات واضحة بدلا من التضخيم والتحجيم. فمثلاً رأينا الصحافة أخيرا تطلق ألفاظا قوية لوصف دخول السيدات في مختلف المجالات مثل "النساء يقتحمن" أو "أول سيدة في معترك الحياة الاقتصادية" وكأننا في معركة حربية أو كأن الصحافي مخرج سينمائي يصور دراما لاستمالة مشاعرنا قبل عقولنا. وهنا لا يسعني سوى أن أتذكر أن طبيعة العرب تتسم بالدراما والمبالغة في المشاعر وهو أمر يجدر الابتعاد عنه في الأمور المالية والاقتصادية.
وأخيراً أود أن أوضح لجميع الإخوة العاملين في كل ميادين الإعلام أن نقدي هذا هو جزء من المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية المنوطة بنا لنسهم في إيجاد الوعي الاقتصادي وتثقيف القراء.
والله من وراء القصد....

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي