رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


من وحي الانتخابات الكويتية: الكويت الوجه الآخر

<a href="mailto:[email protected]">Atrairy@Ksu.Edu.SA</a>

كنت قد قرأت قبل فترة ليست بالقصيرة كتاب الدكتور عبد الله النفيسي المعنون الكويت الوجه الآخر, وإذا كانت ذاكرتي تسعفني, فإن فكرة الكتاب تدور حول التماثل الموجود بين الكويت في التركيبة السكانية, العادات, التقاليد, النظام السياسي, وأشياء أخرى, وبين دول المنطقة المحيطة بالكويت, وكأن الكاتب يود أن يقول إن ما تجده وتلمسه في الكويت, تجده في دول أخرى, ولا يوجد فرق بين هذه الدول, وبعبارة أخرى, ربما الكاتب يقول إن الكويت ماهي إلا صورة طبق الأصل من الدول الأخرى في المنطقة, وإذا عرفت الكويت يمكنك معرفة الدول الأخرى بناءً على ما يتوفر لديك من معلومات حول أي منها, وبالطبع فهذا فهمي لفكرة الكتاب. ومع أن هذه الفكرة توحي بأن ما يحدث في الكويت من ممارسات فردية, أو رسمية, وما يوجد من نظم, هو نفسه ما يوجد لدى الآخرين, إلا أني أختلف مع الدكتور في هذا الشأن, حيث إن مفهوم التماثل النسبي, ربما هو الأكثر صدقاً في حالة المقارنة بين الكويت وغيرها من دول المنطقة ولا يمكن اعتباره تماثلاً مطلقاً, حتى وإن وجد التشابه في اللباس والمآكل, والكثير من العادات والتقاليد, وكذا التركيبة السكانية. إن بنية الشخصية الكويتية تختلف عن غيرها من أبناء المنطقة في بعض الجوانب, حيث من الملاحظ حرص الإخوة الكويتيين على تأكيد انتمائهم وهويتهم الكويتية من خلال طريقة اللبس وطريقة الحديث, ليس في داخل الكويت, بل وفي خارجها, وأينما كانوا, كما يلاحظ حرصهم عند التعامل مع غير الكويتي, مهما كان هذا الأجنبي سواء من العمالة أو حتى على المستوى السياسي, في العلاقات الخارجية, حيث التأكيد على المصلحة الوطنية كأساس في عملية التعامل, هذا ويمكن أن نطلق على هذه الخاصية بخاصية التوكيدية كما يسميها علماء النفس, حيث يمارس الفرد توكيد ذاته عند التعامل مع الآخرين ولا يتراجع أمامهم مهما كانت الضغوط التي تمارس عليه, أو الانتقادات التي قد توجه نحوه. إن بناء الشخصية الكويتية فيه شيء من التفرد الذي يميزه عن غيره, وقد يحدث له بعض المشكلات عند التعامل مع الآخرين, خاصة عندما يصل الأمر إلى حد العناد, والمكابرة, وتجاهل الواقع, بما فيه من عناصر قوة, وضعف. وما يؤكد ما ذهبنا إليه من عدم الاتفاق على مفهوم الكويت الوجه الآخر من أنه موجود بهذه الصفة التي أشار إليها الدكتور النفيسي ماحدث أثناء الانتخابات, وبعدها, وقبلها أيضاً, حيث عصفت تحركات برلمانية بالوضع السياسي في البلد, ما اضطر أمير البلاد إلى حل المجلس وبناءً عليه استقالت الحكومة, وتم إعادة تشكيلها, ومع أن هذا المشهد سبق أن تكرر في الكويت ذاتها, ويتكرر في غيرها, إلا أنه يلاحظ مجموعة من العناصر والتغيرات في هذه المرة, حيث دخلت المرأة الكويتية ناخبة ومرشحة, كما أن الانتخابات تمت, وفي الأفق مطالب شعبية يسعى مجلس الأمة إلى تحقيقها, ومنها إبعاد من يسمون بوزراء التأزيم, وتقليص الدوائر الانتخابية إلى خمس بدلاً من خمس وعشرين دائرة. تمت الانتخابات وجاءت النتائج وفق ماتريد المعارضة, ولم تفز المرشحات بأي مقعد مما يطرح تساؤلاً قوياً حول ثقة الناخب الكويتي بالمرأة الكويتية في الشأن السياسي, خاصة إذا علمنا قلة الخبرة لدى المرأة الكويتية في هذا المجال. وتشكلت الحكومة دون وزراء التأزيم, وذلك نزولاً عند رغبة المعارضة البرلمانية التي تمثل جزءاً كبيراً من الشعب. ولو عدنا إلى الماضي لوجدنا فيه من الشواهد الكثير على عدم تحقق مفهوم الكويت الوجه الآخر, حيث نجد أن الدور الذي يمارسه مجلس الأمة يتعدى بشكل كبير الأدوار التي تمارسها برلمانات أخرى سبقت الكويت في استحداث هذه المجالس, فمساءلة وزير النفط السابق, واستقالة وزراء, بل والضغط على الحكومة للاستقالة كلها ممارسات قوية تؤكد جانب التميز في الحضور الشعبي من أجل أداء دوره في مراقبة الحكومة, وأدائها مما يخدم مصلحة الوطن حاضراً ومستقبلاً. إن أبرز ما استوقفني من ممارسات لمجلس الأمة الكويتي هو اعتراضه على صفقة أسلحة كادت حكومة الكويت تبرمها مع الحكومة الأمريكية, ما ترتب عليه إلغاء الصفقة بكاملها, كل هذا يتم في حين توجد القوات الأمريكية على أرض الكويت على خلفية ماحدث بعد غزو العراق للكويت. إن ماحدث من اهتمام حكومي واضح وبارز بالشعب الكويتي في جميع المناطق التي وجد فيها أثناء الغزو العراقي للكويت وصرف رواتب لهم من عائد الاستثمارات الكويتية في الخارج يؤكد مرة أخرى وجهة نظرنا في عدم تحقق مقولة الكويت الوجه الآخر في شقه السياسي على أقل تقدير.
وما يؤكد عدم دقة مفهوم الكويت الوجه الآخر, الذي أشرنا إليه آنفاً خاصة في الوقت الراهن, التساؤلات القوية التي وجهت للحكومة ممثلة في وزير الخارجية تحت قبة مجلس الأمة, وذلك في شأن موقفها من العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزه مؤكدين في ذلك سمة الاستقلالية في الشخصية وتأكيد الذات والهوية, حتى أن أحد أعضاء مجلس الأمة قال وبالحرف الواحد, إن ما فعلته أمريكا أثناء الغزو العراقي للكويت هو أنها أخرجتنا من المأزق الذي أدخلتنا فيه والجميع يعلم الدور الذي لعبته السفيرة الأمريكية في العراق جلاسبي في توريط العراق بغزو الكويت, ونحن لن نتخلى عن هويتنا وانتمائنا القومي حتى مع الصداقة الخاصة مع أمريكا, كما لفت نظري خبر مفاده أن الكويت قررت مساعدة لبنان بـ 300 مليون دولار من أجل مواجهة المحنة التي يواجهها نتيجة العدوان الصهيوني الهمجي وبغرض المساهمة في إعمار ما دمرته آلة العدوان الصهيونية, وقد ورد في الخبر أن المساعدة مشروطة بموافقة مجلس الأمة, وهذا هو مربط الفرس, أو الشاهد في الموضوع حيث تأكد الدور الواضح لممثلي الشعب في إجازة, أو عدم إجازة قرار الحكومة, فمثل هذه الممارسة تؤكد أن المجتمع الكويتي بكامله شعباً وحكومة مشارك في صناعة القرار, وليس الأمر متروكاً للحكومة فقط كي تقرر ما تشاء, ومثل هذا المناخ ستكون نتيجته ودون أدنى شك مزيداً من التلاحم, والتماسك, والقوة, والمحافظة على الثروات والمال العام.
هذا ويشار إلى أن مجلس الأمة وافق على تقليص الدوائر الانتخابية من خمس وعشرين إلى خمس دوائر وهذا مؤشر على أن نقلة نوعية تحدث في الكويت في الشأن السياسي الداخلي ذلك أن تضييق الدوائر إلى خمس دوائر بدلاً من خمس وعشرين, سيقلل من فرص التكتلات القائمة على القبيلة, والمذهب, والعرق, فالدائره الواحدة ستشمل أطيافاً متعددة حيث إنها ستضم أحياءً كثيرة, ويقطن هذه الأحياء أناس من جميع الانتماءات, ومع الوقت سيكون الانتخاب بناءً على الكفاءة, وليس وفق الانتماء القبلي, أو المذهبي, أو أي انتماء آخر.
ويضاف إلى ما سبق من شواهد تدعم التميز الذي نشير إليه في الحياة الكويتية السياسية بالذات, حرية الصحافة ونقدها لسياسات الحكومة, وممارساتها, وإثارتها لكثير من القضايا التي ترى في إثارتها, ومناقشتها, وطرحها على الرأي العام مصلحة للوطن, وعنصر قوة يدعم مسيرة التلاحم بين جميع أطياف المجتمع الرسمية فيها, وغير الرسمية.
إن هذه الأمثلة وغيرها تؤكد عدم صحة مفهوم الكويت الوجه الآخر والذي أريد به التماثل بين الكويت وغيرها من الدول العربية الأخرى, حيث إن الممارسة السياسية تختلف عن مثيلاتها حتى ولو كان التشابه في الجوانب الأخرى متحققاً. ويتوقع أن يحدث قرار تقليص الدوائر إلى خمس نقلة نوعية في الممارسة السياسيه ما يحدث أثراً ملموساً في جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وجوانب حياتية أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي