الاستثمار الأجنبي المباشر... فرصة السوق السعودية؟
<a href="mailto:[email protected]">mjadeed@hotmail.com</a>
ستدخل السوق السعودية منافسة حادة مع سبع أسواق ناشئة للفوز بفرصة استقطاب معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال خمسة إلى عشرة أعوام المقبلة، صنف عالم جغرافيا السكان الفرنسي الفريد سايفي، في عام 1952م اقتصادات دول العالم إلى ثلاث فئات. أطلق على الفئة الأولى اسم "الدول الصناعية الرأسمالية"، وضمت جميع اقتصادات الدول الصناعية الموالية للمعسكر الرأسمالي. وأطلق على الفئة الثانية اسم "الدول الصناعية الاشتراكية"، وضمت جميع اقتصاديات الدول الصناعية الموالية للمعسكر الشيوعي. وأطلق على الفئة الثالثة اسم "العالم الثالث"، وضمت جميع الاقتصادات المتبقية، والتي لا يمكن إدراجها ضمن الفئة الأولى، أو الثانية.
تباينت وجهات نظر الأوساط الدولية حول عدالة هذا التصنيف بين الرفض، والقبول. اعتمدت وجهة النظر الرافضة للتصنيف على أن مجموع سكان الفئة الثالثة، "العالم الثالث"، يشكلون قرابة 75 في المائة من سكان العالم. وبالتالي فالحكم على التوجه السياسي لسكان هذه الدول يشوبه نوع من الشكوك.
واعتمدت وجهة النظر القابلة للتصنيف على أن نسبة مساهمة دول الفئة الثالثة، "العالم الثالث"، في الإنتاج الصناعي لدول العالم مجتمعة لا يتعدى قرابة 20 في المائة. وبالتالي فإن هذه الدول تحتاج إلى عقود طويلة من الزمن حتى ترتقي إلى مصاف الدول الصناعية.
من الأوساط الدولية التي قبلت تصنيف دول العالم إلى "رأسمالية"، و"اشتراكية"، و"عالم الثالث" مجموعة البنك الدولي عندما اعتمدت التصنيف، منذ صدوره، كأحد المعايير الرئيسية لتقديم المساعدات المالية والفنية لـدول العالم الثالث، وحتى عام 1981، عندما عدًلت اسم "العالم الثالث" إلى اسم "الأسواق الناشئة" في قصة مفيدة توضح الهدف من تعديل الاسم.
ففي عام 1981م، أنشأ البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية صندوقا استثماريا يهدف إلى تشجيع القطاع الخاص في دول الفئة الأولى، "الدول الصناعية الرأسمالية"، على الاستثمار في "العالم الثالث". وخلال إحدى الندوات التسويقية للصندوق، اعترض أحد الحضور على اسم "العالم الثالث"، موضحا أنه من الصعب إقناع الشركات الاستثمارية في "الدول الصناعية الرأسمالية" بضخ استثماراتها في عالم ثالث. قبل البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية الاعتراض شكلاً، ومضموناً، وعدّل اسم "العالم الثالث" إلى "الأسواق الناشئة"، كمجرد وسيلة تسويقية لا أقل، ولا أكثر.
استمر تدفق استثمارات القطاع الخاص في "الدول الصناعية الرأسمالية" إلى "الأسواق الناشئة" على شكل استثمارات مباشرة منذ تغير الاسم وحتى اليوم، وبتنسيق مستمر مع مجموعة البنك الدولي.
لعل من أهم الأسواق الناشئة التي استقطبت تدفق هذه الاستثمارات السوق الصينية، عطفا على برنامج دنج سياوبنج لإصلاح الاقتصادي الصيني في منتصف السبعينيات الميلادية، وما تلاه من سياسات انفتاحية على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بدأ من أصدرت أذونات الخزانة لأول مرة في 1981م. مروراً بإنشاء السوق الثانوية في 1987م، وصولاً إلى فتح أسوق شانغهاي، وشنتشينج المالية في 1990م، و1991م، على التوالي.
حدث تطور مهم قبل ثلاثة أشهر في تصنيف "الأسواق الناشئة"، وبالتالي تحديد وجهتها المقبلة، عندما أعلنت مجموعة كارليل الاستثمارية عن تصنيف جديد للأسواق الناشئة إلى ثلاث فئات.
اعتمد التصنيف على أربعة عوامل، درجة انفتاح السوق الناشئة على استثمارات القطاع الخاص في "الدول الصناعية الرأسمالية"، وإجمالي الناتج المحلي للسوق الناشئة، وربحية الاستثمارات الأجنبية المباشرة القائمة، وتوافر التمويل المناسب من قبل المصارف المحلية.
وقبيل ذكر التصنيف الجديد، والدول المندرجة تحت كل فئة، فإنه من الأهمية بمكان توضح موقع مجموعة كارليل الاستثمارية من التأثير على توزيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين الأسواق الناشئة.
تتخذ المجموعة من العاصمة الأمريكية مقرا رئيسيا لها، وتدير استثمارات تفوق الـ 40 مليار دولار أمريكي. يستحوذ القطاع الخاص الأمريكي على 65 في المائة من حجم استثمارات المجموعة، والأوروبي 25 في المائة، والياباني 6 في المائة، وتتقاسم بعض الدول من الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية نسبة الاستثمارات المتبقية.
تتباين مجالات استثمارات المجموعة بين شركات الدفاع، الطاقة، التقنية، الاتصالات، والإعلام. كما تتميز المجموعة بعلاقة وثيقة مع مجموعة البنك الدولي ما أسهم إلى حد كبير في التنسيق البيني بين مشاريع البنك التنموية، ومشاريع المجموعة الاستثمارية، في الأسواق الناشئة.
بناءً على عوامل التصنيف، وموقع مجموعة كارليل الاستثمارية في خريطة استثمارات الأسواق الناشئة، أطلقت المجموعة على الفئة الأولى اسم "أسواق ناضجة". ورشحت أسواق هذه الفئة لاستقطاب معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الأعوام الخمسة المقبلة. أدرجت تحت هذه الفئة ثماني أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: الصين، الهند، البرازيل، روسيا، المكسيك، كوريا الجنوبية، تايوان، وجنوب إفريقيا.
كما أطلق على الفئة الثانية اسم "أسواق شبه ناضجة 1". أدرجت تحت هذه الفئة ثماني أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: تركيا، تايلاند، الأرجنتين، بولندا، الفلبين، السعودية، مصر، وماليزيا. رشحت أسواق هذه الفئة للارتقاء إلى درجة "الأسواق الناضجة"، وبالتالي استقطاب معظم حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خلال خمسة إلى عشرة أعوام المقبلة.
أطلق على الفئة الثالثة اسم "أسواق شبه ناضجة 2". أدرجت تحت هذه الفئة سبع أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: جمهورية التشيك، تشيلي، المجر، نيجيريا، الإمارات، الكويت، والأردن. رشحت هذه الأسواق للارتقاء إلى درجة "الأسواق الناضجة"، وبالتالي استقطاب معظم حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خلال 10 ـ 15 أعوام المقبلة.
يمثل تصنيف مجموعة كارليل الاستثمارية للأسواق الناشئة في مضمونه جانب "طلب" للاستثمارات الأجنبية المباشرة. يقابل هذا الجانب مقومات "عرض" مقدمة من السوق السعودية، من أهمها نشأة منظومة المدن الاستثمارية الخمس، وانفتاح السوق المالية السعودية التدريجي على الأسواق المالية المتقدمة.
الهدف من مواءمة مقومات جانب "العرض" مع متطلبات جانب "الطلب" الفوز بفرصة استقطاب معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال خمسة إلى عشرة أعوام المقبلة بما يحقق التنمية المستدامة لجميع جوانب الحياة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية السعودية. كفأت السوق السعودية في إدارة عملية المواءمة بين "العرض" و"الطلب" ستحدد حدة المنافسة مع الأسواق الناشئة السبعة خلال خمسة إلى عشرة أعوام المقبلة. هل ستستثمر الفرصة أم لا، متوقف على تطورات الفترة المقبلة، بإذن الله.