في الانتظار
وصف وزير النفط الجزائري السابق صادق بوسنة، منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) أنها مثل لاعب الكرة الذي أمضى وقتا طويلا بعيدا عن الملاعب، لذا يحتاج إلى أن يقوم بعملية تسخين قبل أن يبدأ اللعب، وذلك في تعليقه على المحاولات الجارية في الوقت الحالي لخفض الإنتاج.
فلأكثر من عامين فرض واقع السوق على المنظمة أن تتجاهل عمليات خفض الإنتاج، لأن الأسعار كانت في حالة ارتفاع متصل، ولم يكن واردا مفاقمة الوضع من خلال فرض تقليص للإمدادات. ولم تكتف المنظمة بذلك، بل قامت بتعليق الحصص الإنتاجية المخصصة لكل دولة، حتى يمكن الإنتاج بأقصى قدرة ممكنة ليظل الخام متوافرا بما يؤثر في الأسعار التي تضاعفت مرتين خلال سنوات ثلاث وقاربت 80 دولارا للبرميل في بعض الأحيان.
هذه الوضعية أدت من ناحية إلى التعود على الإنتاج العالي وبالتالي العوائد المادية المرتفعة، التي يمكن إنفاقها بسهولة ويسر بعد سنوات شد الحزام الطويلة، كما أن خفض الإنتاج والمفاوضات العسيرة بشأن الحصص أصبحت وكأنها شيئ من الماضي لم يعد أحد يهتم به.
لكن الانحدار السريع للأسعار فرض على "أوبك" العودة إلى ساحة قطع كميات من الإنتاج، وها هو الأسبوع الثاني ينتهي دون الوصول إلى قرار واضح. فنيجيريا وفنزويلا أعلنتا عن خفض طوعي، الكويت والجزائر تؤيدان علنا خفضا ودون تحديد لحجمه، وبقية الدول الأعضاء تتسربل مواقفها بالصمت. والتوقعات تشير إلى احتمال عقد اجتماع طارئ خلال اليومين المقبلين وذلك للإعلان رسميا عن خفض تضعه التقارير أنه سيكون في حدود المليون برميل يوميا.
ما بين المشاورات التي تجري هاتفيا بين الوزراء وحالة الإعلان الرسمي عن خفض باسم المنظمة مسافة لا بد من قطعها وتعترضها بعض العقبات. فلكي يكون للخفض تأثيره ومعناه الذي تفهمه السوق، فلا بد أن يكون من الإنتاج الفعلي لا الحصص الاسمية، التي لم يتقيد بها أحد. وهذا ما يدعو إليه وزير النفط النيجيري ورئيس الدورة الحالية لـ "أوبك"، الذي يرى بعض المحللين أنه لا يريد اجتماعا طارئا في الوقت الحالي كي لا يخطف الأضواء من الاجتماع الدوري العادي الذي تستضيفه العاصمة النيجيرية أبوجا منتصف كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
وحتى إذا تم الاتفاق على هذا، فإن هناك من المنتجين ممن لا يستطيعون إنتاج كامل حصصهم مثل إندونيسيا، فنزويلا، نيجيريا، وإيران وكل بسببه. ويقابل هؤلاء من الناحية الأخرى بعض الدول الأعضاء التي تنتج أعلى من حصتها وبكميات كبيرة. فالجزائر مثلا تنتج 1.4 مليون برميل يوميا وتخطط لرفع طاقتها الإنتاجية إلى مليوني برميل يوميا في الوقت الذي تبلغ فيه الحصة المخصصة لها 894 ألفا، ومثل الجزائر، قطر، وليبيا، وكلها تنتج فوق حصتها المقررة.
وإذا تمكنت المنظمة من القيام بعملية لخفض الإنتاج، فإن هذه الخطوة ستأتي قبيل موسم الشتاء، وهو تحرك له قيمته ولو من ناحية رمزية. ففصل الشتاء هو الذي يزيد فيه الطلب عادة والدول المستهلكة والشركات تقوم بالاستعداد له عبر بناء مخزوناتها. وأي خفض يمكن أن يؤثر في الأسعار ودفعها باتجاه الصعود مرة أخرى. ولو أن المخزونات، خاصة تلك التي على الساحة الأمريكية في أعلى مستوياتها على مدى خمس سنوات ولم تصل إلى مثل هذا المعدل منذ كانون الثاني (يناير) 1999، الأمر الذي يشكل كابحا لارتفاع الأسعار.
كما أن الخفض ولو في إطار المليون برميل يوميا المقترحة سيساعد على توسيع الطاقة الإنتاجية الفائضة الموجودة لدى "أوبك". فأحد أسباب الارتفاع السعري خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أن نسبة الطاقة الإنتاجية الفائضة كانت في حدود 2 إلى 3 في المائة من الطلب العالمي، بينما الحد الأدنى المطلوب أن تكون في حدود 5 في المائة وذلك لتحقيق شيء من الطمأنينة بالنسبة للسوق، فإذا أضيف إلى هذه عمليات التوسع في الطاقة الإنتاجية في العديد من الدول الأعضاء، فإن عاملا جديدا في الضغط على الأسعار إلى أسفل سيبرز بقوة خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيجعل من عملية إدارة السوق هما رئيسيا ومطروحا بقوة.
وفي كل هذه الجهود لم يرشح شيء فيما يخص المنتجين خارج المنظمة رغم أنه خلال اجتماع الشهر الماضي تمت الإشارة إلى ضرورة أن يلعب المنتجون من خارج المنظمة دورا في تحمل مسؤوليتهم تجاه السوق، وهو أمر معقول كون الإنتاج من خارج "أوبك" يمثل ثلثي إمدادات السوق، وهو المرشح للزيادة بقوة واستمرار خلال الفترة المقبلة. لكن بما أن "أوبك" وضعت على عاتقها مهمة أن تصبح هي المرجعية الأساسية للسوق، فإن المنتجين الآخرين سيظلون وكما كانوا من قبل أكثر سعادة لجعلها تتحمل ذلك العبء مع التكرم ببعض عبارات المساندة الشفهية من وقت لآخر.
لكن يبقى من المهم الإشارة إلى أنه لا يمكن الطلب إلى الآخرين العون والدفاع عن سعر لم تحدد "أوبك" نفسها مستواه.