نزعة التدمير عسكريا.. سياسيا
<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>
نشوب الحرب في التاريخ البشري ليس استثناء، فالاستثناء هو السلام والأمان، ولعل التاريخ الأوروبي بل الغربي بصفة عامة شاهد على ذلك، فالحروب التي خاضتها أوروبا سواء ضد نفسها أو ضد غيرها لا تعد ولا تحصى. وهو ما يجعل الأوروبيين أكثر شعوب العالم حروبا ونزوعا إليها. فالغرب بصفة عامة يؤمن بالقوة وحدها ويمارسها إن كان بالسلاح أو السياسة، وأكبر شاهد على ذلك والماثل أمامنا هو العدوان الإسرائيلي على لبنان. فهذا العدوان هو امتداد لنزعة القوة الغاشمة الغربية خصوصا أن إسرائيل هي امتداد للغرب فكريا وسياسيا لكونها مكونة من مهاجرين من الغرب في أغلبية مكونها البشري. الملاحظة البارزة في هذا العدوان الإسرائيلي على لبنان ليس في شن العدوان وحده بل في نزعة التدمير الوحشية التي مارسها ضد لبنان. وهي نزعة سبق أن مارسها ضد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة خاصة مع شارون المعروف بعنفه وإيمانه بشن الحروب بروح الإرهاب، والعقيدة التي رسخها شارون على خلفية قيادته لغزو لبنان في عام 1982، هي عقيدة الترويع والتدمير لخلق حالة من الإحباط لدى الطرف الآخر وإشعاره بعدم القدرة وشل معنوياته وهذا ما فعلوه وما زالوا يفعلونه في غزة والضفة ولبنان.
وما حدث في لبنان بالذات يستوجب الوقوف عنده، فالعدو الصهيوني شن عدوانه على لبنان على أنه لمواجهة (حزب الله)، إلا أن مسار هذا العدوان شمل لبنان كله، وأول ما يلاحظ هو أن هذا العدوان سار بطريقة التدمير الشنيع لكل مكونات الحياة اللبنانية المدنية ابتداء من المطار مرورا بكل الجسور والطرق لتقطيع البلد وعزل مدنه وقراه عن بعضها البعض واتخاذ أسلوب الضرب الشامل لكل القرى الجنوبية بصفة خاصة ضربا مركزا ومهولا وتسويتها بالأرض غير عابئ بمن تقتل تحت الركام من المدنيين، وممارسة العدوان لهذا الأسلوب الذي لا يمكن أن يسمى إلا بالهمجي وبعده عن أسلوب المحارب الشريف الذي يشن الحرب بروح الفارس الحقيقي. يكشف فعلا النزعة الإجرامية والوحشية لهذا العدو ويعكس حالة من الارتباك والقلق الذي وصل إليه، وهو عندما أدرك وشعر بعدم قدرته على استهداف قواعد (حزب الله) ومواجهه مقاتليه رمى بكل ثقله العسكري المتفوق ناريا على الحياة المدنية اللبنانية بغرض تحطيم المعنويات اللبنانية ودفع اللبنانيين إلى الشعور بأن (حزب الله) دفعهم لدفع ثمن ليسوا مسؤولين عنه، وهذا عقاب جماعي يوصف في القانون الدولي بالإجرام وخاصة في الحروب. فالدولة اللبنانية لم تعلن الحرب على إسرائيل ورئيس حكومتها أعلن منذ اليوم الأول أن الحكومة اللبنانية ليس لديها علم ولا توافق على أسر الجنديين الإسرائيليين، ومع هذا لم يأخذ العدوان هذا في اعتباره بل وجه آلته الحربية بعنف وبوحشية لكل لبنان تدميرا وقصفا خالقا حالات إنسانية فظيعة.
الشاهد الأكثر مأساوية في هذا كله ليس العدوان ذاته المعروف عن هذا الكيان الصهيوني، بل كان وما زال في هذا التأني الدولي في فرض إطلاق النار بسرعة وقطعية، فقد لاحظنا أن العدوان استمر لأسابيع وأوجد حالات إنسانية مريرة، ومع هذا لم ينجح مجلس الأمن في إصدار قرار منطقي يوقف إطلاق النار. وهو ما ليس غريبا على مجلس أمن تتحكم فيه دول غربية ترى فيما تفعله إسرائيل في لبنان على أنه (دفاع عن النفس)، وعقلية الدفاع عن النفس نابعة من عقلية القوة التي يؤمن بها الغرب والتي يراها هي القانون الواقعي، فالحروب في العقلية الغربية كما تشهد على ذلك الحربان العالميتان الأولى والثانية وحملات الاستعمار تؤكد أن الحرب تشن بنزعة الإرهاب وليس القتال، ومن هذا لا نستطيع أن نفصل ما بين ما تمارسه إسرائيل في عدوانها العسكري من وحشية وتدمير والعملية السياسية التي تمارس في مجلس الأمن بقيادة الدول الغربية التي تعمل في ذلك لمصلحة العدوان، بل مكملة له حين ترفض اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار من أجل إعطاء العدوان فرصة لفرض ما يريده على الأرض والذي عجز عنه حتى الآن. وهذا ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية أكثر من مرة خلال العدوان إن الظروف السياسية ليست متوافرة لاتخاذ هذا القرار غير مهتمة بما يجري في لبنان من تدمير وقتل مروعين.