1- "المال والإنسان"
العلاقة بين المال والإنسان تمتد في التواصل التاريخي مع وجود الإنسان، والقرآن يذكر ارتباط الإنسان بالمال في قوله تعالى: (وتحبون المال حبا جما) وهذا الميل البشري يرسم تلك الطبيعة الكامنة في الإنسان حينما تكون العلاقة بين المال والإنسان علاقة حب جم، وهذا يعني أن هذه الصلة تبقى علاقة مفتوحة للنفس البشرية المتحولة أحيانا إلى درجة من العدوان والظلم، أو فقدان الوعي بالقيمة الإنسانية للإنسان نفسه حينما تختصر قيمة الإنسان في بناء الثراء، والركض وراء ورقة المال: فتحول الحياة إلى صناعة لعالم المادة تحت وطأة نفس ساذجة، أو نظرية تحكمها قوانين المادة فحسب دون تدخُّل للقيم والأخلاق، وتبقى هذه العلاقة محاطة بكثير من الفوضى إلى أن ترتب بأدب الشريعة وفقهها.
إن المال قيمة بشرية للفرد والمجتمع، ومن المؤكد أن إدارة الحياة ترتبط كثيرا بصناعة المال، ومن هنا ابتدأت الشريعة الإسلامية "أن الأصل في معاملات المال الحل"، وفي حديث عياض المجاشعي في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: (كل مال نحله عبدا حلال).. لكن هذه القيمة البشرية من الممكن أن تتحول إلى سلطة طاغية تختص الفرد والمجتمع في دائرة المال اللامتناهية، إن هذا الشكل عبودية مقيتة للمال، بمعنى أن تلك التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم..).
وفي المقابل ربما من المشكل في بعض أوراق الثقافة أنها تحيط المال بنفس من الشك إلى درجة المقت أحيانا، ومن المؤكد أن هذه النظرة لا تمثل وعيا بشريا فضلا عن تحكيم شرعي لنصوص الشريعة، فإنك تقرأ في كلمات الكتاب والسنة فتحا لآفاق صناعة المال، والاقتصاد، ولكن تحت نظام الأخلاق والقيم التي ترسم الوعي الإسلامي لإدارة الحياة، وتدبير المال الذي من المفترض أن يعطي الإنسان مزيدا من التأهيل والحركة في عالم الخير والبناْء.
هناك رسالة مفتوحة للمال لكنها تبقى غير متسمة بكثير من الانضباط والاعتدال إلا حين تكون علاقة (مصلحة مشتركة) بين المال والأخلاق، فإنك تقرأ في المثال: أن طغيان المال ربما ضرب سياج الأخلاق وحرك الإنسان في عالم السوء الأخلاقي، ولكن في المقابل فإن فراغ المال (والفقر) من الممكن أن يصنع نفس السوء والإسقاط لقوام الأخلاق، وهذا يؤكد أن علاقة الطلب اللاواعي أو الرفض المطلق بين الإنسان والمال يمثل مخاطرة بكثير من الأخلاق والقيم، ولو دخلت عالم الإحصاء لوجدت التمرد الأخلاقي، وحتى الجريمة بفلسفتها توجد بمعدلات مرتفعة في دوائر الفقر الغائرة، أو دوائر القمار وغسل الأموال الذي يتصور مرتادوه أنه الخط الأسرع لبناء الثراء الرقمي.
سنعود الأسبوع المقبل في محاولة رسم العلاقة بين المال والأخلاق.