رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


في سوق الأسهم .. مغالطة مقامرين

[email protected]

تخيل أنك رميت عملة معدنية متساوية الجانبين (أحد جانبي العملة وجه والآخر كتابة) ثلاث مرات متتالية، وفي كل مرة تقع العملة على جهة الوجه. إذا قال لك شخص ما سأدفع لك ألف ريال إذا توقعت بشكل صحيح على ماذا ستقع العملة في المرة الرابعة، فماذا ستختار؟
إذا قلت على جانب الكتابة فربما أنت تعاني من "مغالطة المقامرين" Gambler’s Fallacy .
كثيراً ما يتصرف المستثمرون في أسواق المال وخصوصاً في أسواق الأسهم بطريقة خاطئة تؤدي بهم في النهاية إلى خسارة كثير من استثماراتهم. ومن هذه الممارسات الخاطئة التي قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مبنية على أساس علمي مدروس الوقوع في شرك مغالطة المقامرين. مضمون هذه المغالطة الإيمان بشكل خاطئ بأن الأحداث العشوائية الماضية تؤثر في الأحداث المستقبلية العشوائية Random Events. وبمعنى أكثر وضوحاً الافتراض بأن حدثاً عشوائياً من المحتمل حدوثه قريباً لأنه لم يحدث من مدة طويلة، ومن جهة أخرى الاعتقاد بأن حدثاً عشوائياً من المحتمل ألا يحدث لأنه حدث من فترة قريبة. ولتسهيل الفكرة يجدر بنا معرفة ما هو المقصود بالحدث العشوائي. الحدث العشوائي هو حدث متكرر لا يتبع نمطاً معيناً وإنما يتبع توزيع احتمالي معين. بمعنى أنه لا يمكن الاستناد إلى الحدث العشوائي في تقرير أحداث مستقبلية إلا باستخدام تقدير احتمال وقوع هذا الحدث بناء على تكرار مرات حدوثه في الماضي. لذا فإن هناك فرقا بين أن حدثاً عشوائياً - كارتفاع سعر سهم معين - يتوقع أن يحدث لأنه لم يحدث لفترة طويلة أو تقدير احتمالية ارتفاع هذا السهم مجدداً بناء على دراسة عدد المرات التي حدث وإن انخفض سعر هذا السهم في الظروف نفسها ثم عاود الارتفاع عند نقطة معينة.
في المثال الذي طرحته في بداية هذا المقال عن رمي العملة المعدنية نجد أن احتمال ظهور أي من الوجهين عند رمي العملة مرة واحدة هو 1/2, وعند رميها مرتين 1/4, وبرميها ثلاث مرات 1/8. إذاً ما علاقة ذلك بقرار المستثمر؟ المشكلة التي يقع فيها الشخص الذي يعاني من مغالطة المقامرين هو أنه عندما يظهر الوجه مرات متتالية يبدأ بتقليل احتمال ظهور الوجه وزيادة احتمال ظهور الكتابة وهذا هو أساس المشكلة التي يقع فيها المستثمرون. فعندما ينخفض سعر سهم معين لفترة معينة يبدأ المستثمرون بتوقع حدوث الارتداد (أو التصحيح) قريباً ويتمسكون بما لديهم في محافظهم مما يسبب لهم زيادة في الخسائر. وقد يقول يجادل شخص ما بأن هذا عادة ما يحدث وهو أن يرتد السهم بعد فترة معينة من الانخفاض أو الارتفاع وقد أتفق معه بأن هذا عادة ما يحدث ولكن السبب لا يعود إلى أنه انخفض أو ارتفع لفترة معينة مما يستدعي التصحيح ولكن قد تكون عوامل أخرى ومنها أن الكثير من المستثمرين يعانون من هذه المشكلة فيتخذون قراراتهم على النسق نفسه مما يجعل الاعتقاد بأن هذه الظاهرة هي ظاهرة لها أساس علمي. الأمر الآخر أن بناء قرارك الاستثماري على ظاهرة خاطئة ينطوي على مخاطرة عالية إذ كيف يمكن تحديد النقطة التي سيرتد فيها سعر السهم إذا كانت لا تستند إلى أساس علمي صحيح. فالمسألة إذاً عبارة عن مقامرة تتساوى فيها احتمالات الربح والخسارة.
إن سقوط العملة على إحدى جهتيها مرات متتالية ليس بالضرورة إشارة إلى قرب تحولها إلى السقوط على الوجه التالي، والسبب إن حدث السقوط في كل مرة مستقل عن حدث السقوط في المرة التالية. لذلك يظل احتمال سقوط العملة على أحد الوجهين ½ في كل مرة. الأمر نفسه يجري على أسعار الأسهم. فتغير سعر السهم اليوم هو حدث غير مرتبط إحصائياً بتغيره في الأمس أو تغيره في عدة أيام ماضية هذا بالنظر إلى الأساس العلمي. ولكن بالنظر إلى الأساس الواقعي، نجد أن المستثمرين يتخذون قراراتهم بالشراء أو البيع بناء على التاريخ السعري للسهم اعتقاداً منهم أن هذا هو الأساس الصحيح لعملية الشراء.
قد يكون في هذا التحليل مفاجأة كبيرة لكثير من الممارسين أو المحللين الماليين خصوصاً محللي الشارتات أو المؤمنين بأهمية دور التحليل الفني في عملية اتخاذ القرارت الاستثمارية. ولإثبات ذلك يمكن للعارفين بأمور التحليل الإحصائي إجراء تحليل الانحدار للعلاقة للعائد من شراء السهم اليوم (سعر اليوم- سعر الأمس) كمتغير تابع على العائد من شراء السهم أمس وسيجدون أن معامل الاستجابة منخفض للغاية مما يدل على ضعف العلاقة بينهما. مما يدل على أن العائد من شراء السهم اليوم مستقل إحصائياً عن عائد الشراء في اليوم الذي قبله. وهذا ما يحاول تأكيده المناهضون للتحليل الفني. أي أن التحليل الصحيح يجب أن يركز على نفسيات المستثمرين ومدى ثقتهم بالسوق. أي أن الشارتات هي مجرد لوحات جامدة وهي انعكاس فقط لتصرفات المستثمرين بناء على العوامل النفسية.
قد يقول البعض إن انخفاض سعر السهم إلى مستويات قياسية قد يكون مغرياً لأنه مقيم بأقل من قيمته الحقيقية ولكن يتناسى هؤلاء أن القيمة Valuation تحدد عوائد السوق في المدى الاستثماري الطويل وليس البعيد بينما العوامل والمشاعر النفسية Sentiment تحدد عوائد السوق في المدى القصير. بمعنى آخر أنه عندما يكون سعر السهم مقيماً بأقل من قيمته الحقيقية وتقوم بشرائه فإن سعره المستقبلي قد يكون أعلى من متوسط سعره ولكن في المدى البعيد وليس المدى القريب. لذلك فإن الاستناد إلى هذه المقوله هو استناد غير منطقي.
لقد بدأ المحللون الماليون في الأسواق المالية التنبه إلى أهمية وضع مؤشرات تقيس مشاعر المستثمرين بل وبدأ الكثير من الصناديق الاستثمارية الكبرى استخدام استراتيجيات استثمارية قائمة على تحليل العوامل النفسية بشكل أساسي ومن هذه الصناديق الاستثمارية Fuller & Thaler Asset Management، Martingale Asset Management, Derman Value Management. . إضافة إلى عدد من البنوك الاستثمارية التي أصبحت تؤكد تضمين هذه العوامل النفسية في عملية اتخاذ القرار الاستثماري.
هذا الحقل الجديد من علم الاستثمار والتمويل هو ما يعرف بالتمويل السلوكي Behavioral Finance الذي بدأ في الظهور في نهاية السبعينيات من القرن الماضي. في المقالات المقبلة سأقوم باستعراض المفاهيم الأساسية لهذا الحقل بشكل مبسط ومدى أهميتها في اتخاذ القرار الاستثماري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي