تقرير دولي:الثروة النفطية الخليجية تدعم الإصلاحات الاقتصادية
أكدت دراسة اقتصادية أجرتها مؤسسة ستاندرد آند بورز، أهمية قيام دول مجلس التعاون الخليجي باستثمار الطفرة النفطية الراهنة في إجراء إصلاحات هيكلية على اقتصاداتها خاصة أن هذه الإصلاحات تأخذ في الوقت الحاضر أولوية خاصة في إطار التطورات الاقتصادية العالمية مثل العولمة والانفتاح الاقتصادي. وذكر التقرير أن المؤشرات التي تم رصدها في الدراسة تعطي مؤشرات إيجابية على الجهود التي تبذلها دول مجلس التعاون في هذا المجال. وبينت الدراسة أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك أكثر من 40 في المائة من احتياطيات النفط العالمية وتنتج 22 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط. وتتركز هذه النسب في ثلاث دول خليجية رئيسية هي السعودية التي تمتلك 22 في المائة من الاحتياطيات العالمية وتنتج 18.5 في المائة من الناتج العالمي، تليها كل من الكويت وأبو ظبي بنسبتي 8.5 و8.1 في المائة من الاحتياطيات العالمية، و3.3 في المائة لكل منهما من الإنتاج العالمي.
ويمثل النفط في قطر نسبة صغيرة من الاقتصاد وهو آخذ في التقلص نتيجة تقلص الاحتياطيات النفطية، إلا أن قطر تتجه للاعتماد بصورة متزايدة على صناعة الغاز وهي تمتلك 14 في المائة من الاحتياطيات العالمية. وقامت باستثمار مبالغ طائلة لتطوير الصناعة. أما البحرين فهي الدولة الوحيدة التي تمتلك احتياطيات محدودة وسمحت لها السعودية بتقاسم إنتاج حقل أبو سعفة. أما بالنسبة لعمان فهي الأخرى تتقلص احتياطياتها النفطية وبالتالي عمدت إلى تنويع مصادر الدخل من خلال برامج التخصيص.
ويمثل قطاع النفط 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي، و80 في المائة من إجمالي الصادرات. وأدت الطفرة النفطية الحالية إلى إدخال تحسينات عامة في الاقتصادات الخليجية حيث يقدر معدل النمو الاقتصادي لهذه الدول 6.7 في المائة عام 2006، كما أن هذا التحسن يعكس جزئيا زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط مثلما يعكس زيادة أسعار النفط . كما يعكس هذا التحسن أيضا انتعاش القطاع غير النفطي بسبب زيادة الطلب على المنتجات والخدمات وزيادة الاستثمار في المشاريع الجديدة. كما استطاعت دول التعاون تجنب الضغوط التضخمية لزيادة الإيرادات على الاقتصاد وذلك من خلال قيامها باستثمار جزء من الإيرادات في استثمارات خارجية ولاسيما في صناديق وموجودات عقارية في الولايات المتحدة وأوروبا .
إن اعتماد الحكومات الخليجية على عائدات النفط ازداد مع ازدياد أسعار النفط. وتبرز هذه الخاصية بشكل أكبر بالنظر لغياب موارد الدخل الحكومية الأخرى مثل الضريبة على الدخل والمبيعات. ونظرا لكون الحكومات تمتلك مصادر الدخل الأساسية فإن تأثير ذلك له جانبان: الجانب الأول: أن القطاع الإنفاق الحكومي بات مسؤولا عن خلق ما يقارب 34 في المائة من النفقات الإجمالية لنتائج المحلي الإجمالي. والآخر أن الحكومات الخليجية باتت المشغل الرئيسي للعمالة الوطنية.
ولكن الدراسة تؤكد أنه بات من الضروري تغيير هذه الصورة خلال الأعوام المقبلة خصوصا دور الدولة في الاقتصاد، أو دورها في تشغيل العمالة الوطنية. وتبلغ نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة ما يقارب 54 في المائة من السكان الأمر الذي يوضح تعاظم أهمية إيجاد وظائف للخريجين. كما أن القطاع الخاص الخليجي لا يزال صغيرا نسبيا. وأدت العوامل المذكورة أعلاه إلى وجود ازدواجية في أسواق العمل حيث بات القطاع الخاص يعتمد على العمالة الأجنبية بصورة متزايدة. وتمثل العمالة الأجنبية ما نسبته 37 في المائة من إجمالي السكان. وعلى الرغم من أن جزءا من العمالة يمثل خبرات مهمة للاقتصاد إلا أن الأغلبية العظمى تمثل عمالة غير ماهرة وتتولى أعمالا ذات مهارات محدودة. كما أن اعتماد القطاع الخاص على العمالة الرخيصة جعل هيكل الأسعار وظروف العمل السائدة فيه غير مغرية بالنسبة إلى العمالة الوطنية.
إلا أن عددا من دول الخليج تقوم في الوقت الحاضر بإدخال تغييرات على أسواق العمل تسمح باستقطاب وتشجيع المهارات الوطنية في الاقتصاد سواء فيما يخص رفع الرواتب أو توفير التدريب الفني والمهني.
ومنحت الوكالة تصنيفA+ لكل من السعودية، قطر ، الكويت. وA للبحرين، BBB+ لعمان. وقالت الوكالة إن هذا التصنيف يعد متقدما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه ينطوي أيضا على بعض التحديات وأهمها أن هذه الدول لا تزال تعتمد على سلعة واحدة في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي بشكل عام والإيرادات الحكومية بشكل خاص. وهذا قد يؤدي بدوره إلى حدوث تقلبات مفاجئة في مستويات الإيرادات وبالتالي في دورات النشاط الاقتصادي، خصوصا بالنظر للعوامل السياسية والاقتصادية الراهنة التي تؤثر في أسواق النفط. وهذه العوامل تؤثر في التصنيف الائتماني لدول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من أن هذه الدول قامت باتخاذ إجراءات عديدة لتجنب تأثير مثل تلك التقلبات في اقتصاداتها مثل بناء الاستثمارات والاحتياطيات الضخمة وترشيد الإنفاق، فإن هذا لن يغني عن جهود تنويع مصادر الدخل في المدى البعيد، خاصة على صعيد تدعيم دور القطاع الخاص في أنشطة القطاع غير النفطي. وتتعاظم الحاجة لتنفيذ مثل هذا التوجه نتيجة الضغوط القادمة من أسواق العمل بغرض توفير عشرات الآلاف من فرص العمل للخريجين حديثا من المواطنين.