تنّوع الاستثمارات وتنويع الاقتصاد
<a href="mailto:[email protected]">albadr@albadr.ws</a>
فرحت كما فرح الكثيرون ما تناقلته الأخبار عن مشروع مصنع الإطارات في مدينة الجبيل الصناعية مع الشركة الإيرانية. إن ما أفرحني على المستوى الشخصي ليس فقط كون المشروع كاستثمار أجنبي يحمل معه نقلة تقنية معينة وفرصا وظيفية لشبابنا، وإنما أرقام المشروع فهو يدعو للفخر كون 80 في المائة منه سعودي وفقط 20 في المائة إيراني، فهذا الرقم ذو مدلولات كبيرة من ناحية نسبة المشاركة وكذلك من ناحية رأس المال المحلي المستثمر. فالنسبة السعودية في المشروع تعطي ارتياحا على أن القدرة الاستثمارية موجودة في رؤوس الأموال المحلية، وكذلك هي إثبات على أن هناك قنوات استثمارية تستطيع اجتذاب واستيعاب الكم الكبير من السيولة الموجودة في الوطن، وأخيراً القدرة على الدخول في استثمارات متنوعة، ومن ناحية أخرى فإن دولة الاقتصاد الأقوى في المنطقة أثبت أنه في طريق صحيح لاقتصاد متنوع.
اعلم أن الوقت مبكر لإصدار أي أحكام عاطفية أو حتى آراء حماسية حيث إن الإنتاج الفعلي سيكون المحك لمثل تلك المشاريع ولكن لقراءة سريعة لمعطيات مثل هذه الأخبار فإن السيناريو المتوقع بمشيئة الله تعالى وبعد أن أصبح لدينا إطارات سعودية وطنية هو أن المستهلك سيظل يتابع السعر والجودة. فهذه التركيبة كانت وستظل سر الاستمرارية في أي مشروع تجاري في سوق التنافس المفتوح، ولن يفيد الحس الوطني طويلاً ما لم يقترن السعر والجودة في منتج ذي حساسية كبيرة. فكل مؤهلات النجاح موجودة لمثل هذا المشروع في بلد يبلغ طول الطرق المعبدة فيه مئات الآلاف من الكيلومترات تربط مناطق شبه القارة التي نعيش عليها، وفي بلد تجوب مساحته الشاسعة الآلاف من شاحنات نقل البضائع وملايين السيارات. أضف إلى ذلك سرعة استهلاك الإطارات نتيجة للظروف المناخية الحارة. بخلاف ما ذكر عن حجم واردات المملكة من الإطارات التي بلغت عام 2005م نحو 200 ألف طن سنوي ما قيمته مليار و600 مليون ريال سنويا، أليس ما ذكر كفيلا بضمان مبيعات حقيقية لمثل هذا المنتج، ولا أشك أن ما ذكر قد دخل في دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع من قبل المستثمرين.إن جميع الظروف المحيطة تساعد على النجاح، فالباقي هو الجودة ومن بعد ذلك السعر كمرحلة أولية.
إن الفترة الحالية الذهبية التي تعيشها بلادنا تعتبر أرضية صالحة لبناء اقتصاد محلي متنوع في ظل الجاذبية الكبيرة للاستثمار في المملكة وتوطين أكبر لصناعات ظلت إلى عهد قريب من الواردات الأجنبية، وكذلك فإن هذه الفترة تعد فترة جيدة لدعم الصناعات الناشئة لتقف على الأقدام وتستطيع المساهمة في بيئة اقتصادية مسانده لتك المشاريع العملاقة التي بلا شك ستحتاج كثيرا إلى سلسلة طويلة من الصناعات المساندة، ومرة أخرى شباب الوطن يخلقون وظائفهم بأنفسهم ويساهمون في توظيف الآخرين.
لقد مرت بلادنا بتجربة فريدة من نوعها حين أنتجت صحراؤنا قمحاً في السبعينيات الميلادية حين وجد الدعم الحكومي للقمح وبغض النظر عن السلبيات التي أحدثها ذلك الدعم إلا أن الفكرة تكمن في الإرادة القوية والدعم الكبير من الدولة التي ألغت مستحيلات زراعة القمح لنجد قمحنا يصدر إلى الخارج. ما أقصده هو أن دعم الصناعة أسهل من دعم القمح وكذلك فرصة استمرارية الصناعة بعد إيقاف دعم الدولة أكبر من المنتج نفسه.
واليوم يعيد التاريخ نفسه بسياسة اقتصادية أكثر نضجا وأكثر انفتاحا مع متغيرات التجارة العالمية لتجعل من توطين الصناعات ونجاح المنتجات الوطنية هدفا أسهل واستثمارا أبقى في ظل ما نعيشه من متغيرات على المستويات السياسة والاقتصادية التي تشهدها الساحة العالمية، وكما ذكرنا من جاذبية المملكة للاستثمار الأجنبي.