هل يكون القادم أسوا في سوق الأسهم؟
بما أننا لا نزال مختلفين على تسمية ما حدث في سوق الأسهم هل هو انهيار Collapse أم تصحيح Correction أو تصحيح قوي جداًVery Strong Correction، حيث إن الاتفاق على اسم محدد لما حدث يعني بالطبيعة تشخيصا للنتائج المتوقعة وبالتالي الاتفاق على المعالجات التي يجب أن تكون! فإذا كان انهيارا فإن ذلك يعني التعاطي مع نتائج هذا الانهيار بشكل رسمي كما فعلت اليابان، حيث كلفتها معالجة الانهيار مئات المليارات من الدولارات وكذلك 12 عاماً من المعالجات الاقتصادية لإعادة اقتصادها إلى الأجواء الطبيعية، فيما لو كان تصحيحا أو تصحيحا قويا جداً فيجب أن نعرف على وجه الدقة حدود هذا التصحيح، حيث يفترض أننا نمتلك السوق ولا يملكنا.
وبما أننا أيضا لم نتفق يوماً على تشخيص ما حصل في سوق الأسهم حتى الآن ورغم كل محاولات الكثيرين ممن يعرفون وممن لا يعرفون! وبما أننا لم نكمل حتى الآن بناء قواعد السوق رغم مرور ثلاثة أعوام على إنشاء هيئة السوق المالية (تم تشكيل هيئة سوق المال في يوليو 2004م)! ورغم أننا لا نزال نعيد نفس الأخطاء ونقع فيها مرات ومرات دون أدنى رغبة في تعلم الأخطاء السابقة! ورغم أن الاختلاف في كيفية إدارة سوق الأسهم لا تزال واضحة في أفكار الكثيرين من المهتمين في سوق الأسهم، سواء كانوا اقتصاديين أو محاسبين، أو بين البين! ورغم كل المرغمات الكثيرة على سوق الأسهم. أود تقديم بعض الاستنتاجات لمستقبل سوق الأسهم السعودي وهي قد تنطبق على الأسواق الخليجية الأخرى، ولكن دعوني بداية أسرد عليكم عدداً من المبررات قبل الوصول إلى تلك الاستنتاجات:
1. حتى الآن لا يوجد تشخيص كامل متفق عليه لأسباب ما حدث من 26 فبراير وما حدث قبل 26 فبراير ومنذ 2003م لسوق الأسهم رغم أنه جانب اقتصادي يمكن من الناحية العملية معرفة ما حدث بكل دقة! ولكن هل هناك رغبة في معرفة ما حدث والحديث عما حدث؟ أم نفضل السكوت وعفا الله عما سلف!!! وكل متضرر يصلح حاله بنفسه! أعتقد أن هناك رغبة في التعتيم لدى بعض الجهات؟
2. حتى الآن جميع المؤشرات تؤكد أن النهج السابق للمستثمرين كبارا وصغارا، مضاربين ومستثمرين هو كما كان! بل يمكن أن يكون أسوأ مع وجود لاعبين جدد أخطر فكريا على السوق من السابقين!!!
3. تعاطي التحليل الفني مع سوق بهذه التركيبة ما يزال مستمرا حتى على مستوى الإعلام، ولا نزال نتحدث عن نقط مقاومة (رغم أنها فشلت في كل المحاولات) ونتحدث عن قرون ثور صاعدة وقرون ثور هابطة وشموع يابانية ونيبالية، وربما قريبا نسمع عن حمير القايلة (أعز الله الجميع) الواقفة والنائمة بحكم الخصوصية المحلية.
4. أسواق المال تحتاج إلى فكر رسمي بنفس مستوى السرعة من الفعل وردة الفعل وقبلها خطط استراتيجية لتوجيه الأسواق، وبالذات عندما يكون لدينا ثقافة استثمارية محدودة وغير منضبطة بضوابط النظام، وأقصد بالفكر الرسمي تلك الجهات الحكومية التي تتعاطى مع الشأن الاقتصادي المحيط بسوق الأوراق المالية.
5. أين التقارير الرسمية وغير الرسمية والبحوث والدراسات التي تتطلبها الأسواق المالية، يا جماعة لا يمكن أن تكون هناك أسواق دون شفافية رسمية وخاصة. ولا يمكن أن نحقق الأهداف بدون تلك المعلومات التي يحتاج إليها المستثمر! هذه حقيقة يجب عدم إغفالها أو تغافلها!
6. أكثر من 90% من المحافظ تدار بشكل مباشر من قبل أصحابها وهذا خلل هيكلي يجعل جميع أنواع التحليلات يصبح نوعا من أنواع التنجيم. هذا من ناحية أما من الناحية الأخرى فإن هناك جزءا لا أعلم كم يمثل؟! لأنه لا توجد معلومات!!! تتم إدارته من قبل مجموعات هي أخطر ما مر على سوق الأسهم دون رخص ودون مسؤولية على مديري تلك المحافظ!!!
7. الصناديق الاستثمارية التي تديرها البنوك تحقق خسائر مثلها مثل المستثمرين العاديين!!! لماذا؟ أعتقد أن المسألة ببساطة تؤكد أن حركة السوق تتم دون هدى ودون وعي ودون منطق يجعل المهني والجاهل سواء في التعامل مع السوق. وهذه النتيجة واضحة في نتائج الصناديق الاستثمارية التي يديرها مديرو محافظ يفترض أنهم متمرسون ومهنيون. وهو مؤشر خطير على أن المؤشر فقد البوصلة ولم يعد يسير على هدى أو بينة. وأتمنى من محللينا الفنيين التأكيد أو نفي هذه النقطة! كما أن الثقافة الاستثمارية المنخفضة لدى شريحة عريضة من المستثمرين تربك إدارات تلك الصناديق.
8. هل يستطيع عاقل أن يوضح لنا الربط الحقيقي بين سوق الأسهم والاقتصاد السعودي، حيث أسمع منذ سنوات أسطوانة أسعار البترول وتبرير النمو التصاعدي في سوق الأسهم بالارتفاع في أسعار النفط. وهل يستطيع أي شخص تشخيص حالة أكثر من 30 شركة متعثرة من أصل 80 شركة في سوق الأسهم (يعني 37.5% من عدد الشركات)، إذا كان الاقتصاد قويا وتأثير أسعار البترول مباشرا على سوق الأسهم. لماذا 30 شركة متعثرة؟ وهل هناك شبه فساد في تلك الشركات؟ وهل الشركات الرابحة لا يوجد فيها فساد واضح ومستشرٍ؟ وكيف يمكن أن تساعد حوكمة الشركات والتي صدر مشروعها أخيرا من الهيئة في منع الفساد الموجود في كرتون التفاح الكبير؟ وهل يمكن أن تمنع بشكل عاجل أن يصل الفساد إلى باقي حبات التفاح؟ هل يمكن القول لدينا سوق أسهم يتم تداول ما لا يزيد على 12% فقط من أسهمه المصدرة والتي هي في الأساس تمثل أسهم نحو 81 شركة فقط لاقتصاد نقول إنه أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وأكبر منتج للبترول في العالم، فيما سوق الأردن 215 شركة.
عودة إلى ما بدأنا به المقال ومن خلال الاستنتاجات الثمانية أعلاه والتي يمكن أن تكون عشرة وعشرين لولا مساحة المقال، يمكن القول إن مستقبل السوق من الغموض ومن الضبابية الكثيفة مما يجعل عملية التخمين تتحول إلى تنجيم واضح. فعلا قد يكون القادم أسوأ إذا ما اعتبرنا ما حدث ويحدث باستمرار منذ 26 فبراير انهيار لسوق الأسهم لأن الانهيار يعني سنوات من إعادة الترميم وسنوات من السياسات التشجيعية سواء على المستوى المالي أو النقدي، وسنوات من إعادة التنظيم لآليات عمل السوق وبناء سوق جديد، كذلك سنوات من تأهيل الكفاءات القادرة على إدارة السوق إذا كانت الكفاءات السابقة فشلت في قيادة السوق!
أما إذا ما اتفقنا على أن ما حدث هو تصحيح أو تصحيح قوي جداً، فإن أمامنا فرصة أخاف كثيرا أن تضيع كما ضاعت فرص غيرها إذا لم يتم استغلالها لتطوير السوق، حيث تكون فترة التصحيح هي الفترة المناسبة لذلك التنظيم الذي تحتاج إليه السوق. ولكن قبل هذا وذاك علينا أن نتفق على تشخيص ما حدث منذ 26 فبراير وهل هو تصحيح، تصحيح قوي جداُ، أم انهيار!!! ومن ثم المضي في تطوير سوق الأسهم من خلال عدد من الإجراءات على مستويات مختلفة.