الخسارة تطول الجميع

الخسارة تطول الجميع

<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a>

قادت نيجيريا جهود وقف التدهور في سعر برميل النفط، ربما من باب ترؤسها منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) هذه الدورة، وذلك بالإعلان الأحادي الجانب عن خفضها إنتاجها بنسبة 5 في المائة ابتداء من يوم الإثنين الماضي، وهي الخطوة التي دعمتها فنزويلا بإجراء مماثل وإيران بمساندة لفظية لم تترجم حتى الآن إلى عمل ملموس فيما يتعلق بخفض الإنتاج.
لكن من داخل نيجيريا جاءت إشارتان متناقضتان: فبعد يومين من بدء تطبيق خفض الإنتاج، أي يوم الأربعاء تراجع سعر البرميل إلى نحو 58 دولارا، وهو أقل معدل سعري في غضون فترة سبعة أشهر ليصل حجم الانخفاض في السعر إلى نحو 20 دولارا في غضون شهرين، الأمر الذي يعزز من وجهة النظر القائلة بضرورة عمل شيء، لكن في اليوم ذاته زادت هجمات المتمردين على عمال النفط حيث قتل تسعة منهم وتم اختطاف زورقين تابعين لشركة رويال داتش شل وهجوم على معسكر لشركة إيني، الأمر الذي أعاد إلى الصورة البعد السياسي والأمني ودفع الأسعار إلى أعلى بنحو 75 سنتا.
نيجيريا التي تنتج أقل من حصتها لأسباب تتعلق بالاضطرابات السياسية والأمنية التي تعاني منها داخليا تبدو على الهامش فيما يتعلق بإحداث تأثير في سعر البرميل فيما إذا اتخذت لها خطوة طوعية بخفض إنتاجها. والشيء نفسه ينطبق على فنزويلا التي لم تتعاف صناعتها النفطية قط من آثار إضراب شتاء 2002 الذي يراه الرئيس هيوجو شافيز صناعة أمريكية لتنحيته عن السلطة، وهو يسعى جهده منذ ذلك الوقت لرد التحية إلى واشنطن بأحسن منها.
على أن هاتين الخطوتين من قبل كل من نيجيريا وفنزويلا تدفعان إلى سؤال يتبادر إلى الذهن تلقائيا كيف يمكن الدعوة إلى خفض للإنتاج للدفاع عن سعر لم يحدد بعد؟ فمنذ وقف العمل بالنطاق السعري في مطلع العام الماضي، لم يتم تحديد هدف سعري معين تسعى إليه أو تعمل على الدفاع عنه.
وفكرة النطاق السعري نفسها جاءت لإسباغ شيء من المرونة على آليات عمل المنظمة. ففي السابق كان يتم تحديد رقم معين ليكون السعر الذي ترغب فيه المنظمة وتسعى للدفاع عنه غالبا بخفض إنتاجها عندما يتراجع، لكن مع مرور الوقت وكثرة التجارب اتضح أن السوق تتحرك بأسرع من رد فعل المنظمة التي تحتاج إلى التشاور حتى يلتئم الوزراء ويتفقوا على إجراء معين، وعند اكتمال هذه الدورة يكون الواقع على الأرض قد تغير.
وهكذا جاءت فكرة النطاق السعري ليتحرك سعر البرميل بين 22 و28 دولارا، فإذا تجاوز أي من هذين النطاقين صعودا أو هبوطا ولفترة معينة يكون لرئيس المنظمة في الوقت المعني الحق بدعوة الدول الأعضاء ولو هاتفيا لرفع إنتاجها أو خفضه بمعدل نصف مليون برميل يوميا حتى يعود السعر إلى النطاق المحدد.
لكن اتضح وبصورة جلية منذ عام 2004 أن السعر يتحرك فوق هذا النطاق، ليتجاوز 30 دولارا ثم 40 و50 و60 دولارا للبرميل وبسرعة لم تكن في حد ذاتها مثار العجب، بقدر ما كان العجب من استيعاب السوق لهذه القفزات ودون حدوث آثار تضخمية أو تباطؤ اقتصادي واضح أو حتى تراجع في الاستهلاك.
على أن النتيجة المباشرة لهذا أن المنتجين تعودوا على مستوى عال من الدخل وأصبحوا يستمتعون به، ولهذا لم يجهدوا أنفسهم في تحديد معدل سعري جديد ما دامت السوق مستوعبة للأسعار العالية. ولهذا فعندما بدا التدهور جاء رد الفعل النيجيري كرد فعل لهذه العقلية. فنيجيريا في النهاية دولة ذات كثافة سكانية عالية واحتياجاتها المالية في تزايد، خاصة مع تراجع حجم إنتاجها، الأمر الذي يجعلها أكثر حساسية تجاه تقليص عائداتها المالية من المبيعات النفطية.
الدول الخليجية بقيادة السعودية لم تبد حماسا للتدخل في وضع السعر حتى الآن، داعية من الناحية العملية إلى أن يترك للسوق تحديد المعدل الذي يمكن أن يستقر عليه السعر وفق وضع العرض والطلب، وهذا ما يعيد إلى الأذهان إحدى أقدم نقاط الخلاف بين المنتجين داخل المنظمة بين من يملكون احتياطيات نفطية ضخمة وكثافة سكانية قليلة، وبالتالي لا يحبذون ارتفاعا كبيرا في الأسعار لانعكاسات ذلك السلبية على مستقبل الطلب، وبين تلك الدول ذات الاحتياطيات النفطية القليلة والكثافة السكانية الكبيرة ويرون أنه كلما حصلوا على عائدات أكبر ما دامت الفرصة مواتية كان ذلك أفضل لهم.
لكن تجارب السنوات السابقة أوضحت أن مثل هذا الخلاف يمكن أن يصبح شكليا، فما لم يتم إدخال شيء من الإدارة لموضوع السعر، فإن الخسارة تطول الجميع بمن فيهم المستهلكون.

الأكثر قراءة