نماذج عالمية ناجحة لاندماج النفط والصناعات البتروكيماوية

نماذج عالمية ناجحة لاندماج النفط والصناعات البتروكيماوية

<img title="" height="158" alt="" src="/picarchive/12321.jpg" width="139">
<a href="mailto:[email protected]">skhattaf@hotmail.com</a>

تعد الصناعات البتروكيماوية إحدى أهم الصناعات التي تدخل في كل جزء من حياتنا اليومية، فهي حاضرة في مجال الصحة العامة، الملابس، بناء المساكن، صناعة الأثاث، صناعة السيارات، وغيرها، أي في كل شيء تقريبا، وأصل هذه الصناعة هو النفط والغازات الموجودة تحت سطح الأرض.
وتعتبر هذه الصناعة فتية نوعاً ما مقارنة بالصناعات الأخرى، فقد شهدت تطوراتها الكبيرة وقفزاتها العالية فقط منذ عام 1940، حيث نمت حاجة هائلة للمواد البتروكيماوية في الصناعات الحربية في الحرب العالمية الثانية (كما هو معلوم من حسنات الحروب الوحيدة دفع التقنية إلى الأمام) أي أنها بدأت بعد 80 سنة منذ حفر أول بئر نفط في عام 1859م.
وتجب الإحاطة أنه قبل 1940 كانت هناك مرحلة الاختراعات التي تبدأ بالبحث العلمي والمنتجات المخبرية، أي على مستوى بسيط، فمثلاً بدأت صناعة المطاط الصناعي عام 1900، البلاستيك عام 1907، صناعة المذيبات البتروكيماوية عام 1920، والبوليستايرين عام 1930، ومن ثم تطورت إلى صناعات أكثر تعقيداً وتنوعاً بحيث دخلت في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليومية.
وتعتبر مصافي النفط ومعامل الغازات المرحلة الأولى والأساسية لهذه الصناعات، حيث إنها تنتج اللقيم المناسب الذي تبدأ منه الصناعات البتروكيماوية متمثلاً في الأولفينات والعطريات وغيرها. وفي بداية الصناعات البتروكيماوية ينتهي دور مصافي النفط ومعامل معالجة الغازات وتبدأ مرحلة أخرى مختلفة تعتمد على متغيرات أخرى.
بالمجمل يمكن تقسيم الصناعات البتروكيماوية إلى قسمين رئيسيين، الأول هو قسم الأوليفينات، والثاني هو قسم العطريات. والمواد الكيماوية الأساسية المطلوبة لصناعة الأوليفينات هي الإيثيلين، البروبلين، والبيوتادايين، وأهم منتجاته هما البولي إيثلين بجميع درجاته، والبولي بروبيلين أيضاَ بجميع درجاته. أما القسم العطري فيعتمد على البنزين العطري والتولوين والزايلين BTX، وهي سوائل تنتج في مصافي النفط، وأهم منتجات هذا القسم هو البوليستر والبوليستايرين.
جرت العادة على تقسيم الصناعات النفطية إلى ثلاثة أقسام، كما يلي:
* صناعات تكرير النفط.
* صناعات معالجة الغاز الطبيعي.
* الصناعات البتروكيماوية.
أما صناعة معالجة الغازات فهي تقوم على أساس فصل غاز الميثان من الغازات الأخرى وتنظيفها من الكبريت وغيره، ومن ثم تحويلها إلى سائل عن طريق الضغط، وهذا السائل يحتوي على العديد من الغازات المختلفة ويسمى الغاز السائل الطبيعي NGL، وهو يعتبر لقيما مهما للصناعات البتروكيماوية، ويقوم صنّاع تكرير النفط بتحويل الخام إلى منتجات ثمينة مثل أنواع الوقود المختلفة من جازولين وديزل ووقود الطائرات.
لكن هنالك منتجات أخرى تخرج أيضاً من المصافي وأدت إلى حدوث طفرة في صناعة تكرير النفط، وذلك لاستخدامها في الصناعات البتروكيماوية، والحقيقة أن التركيز على زيادة إنتاج هذه المواد قد أدى إلى تغير استراتيجي وتطور بالغ الأهمية في صناعة التكرير، فأصبح من أهم أهداف المصافي إنتاج عدة مواد أساسية تعد من أعمدة الصناعات البتروكيماوية. وعلى سبيل المثال لا الحصر جرى تطوير وحدات التكسير الحفزي في المصافي لإنتاج كميات أكبر من البروبلين (على حساب الجازولين) لاستخدامه في الصناعات البتروكيماوية، وفي السياق نفسه تم استخدام مكسر النفثا الحراري في العديد من مصافي العالم لإنتاج كميات أكبر من غازات الإيثيلين والبروبيلين. وأما النفثا المهذبة الغنية بالمواد العطرية فهي أساس المجمعات العطرية البتروكيماوية، وقد سبقتنا بإنشاء هذه المجمعات كل من عُمان وإيران. إذاً المصافي تعد منبعا ومصدرا للغازات غير المشبعة من إيثلين وبروبيلين، وأيضاً للمواد العطرية البالغة الأهمية، وكل هذه المواد تشكل العمود الفقري للصناعات البتروكيماوية الحديثة، ومن هنا تظهر ضرورة تكامل صناعة تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية.
من أوائل الأمثلة على هذا التكامل مصفاة بورت آرثر في الولايات المتحدة، التي كانت تملكها شركة بريتش بتروليوم BP. كانت هذه المصفاة ذات قدرة تكريرية تبلغ 54 ألف برميل يوميا، ولتواضع أدائها تم بيعها لشركة توتال عام 1973 التي رفعت قدرتها التكريرية لتصل إلى 240 ألف برميل يوميا، ومن ثم أضافت أكبر مكسر حراري للنفثا في العالم بالشراكة مع شركة باسف، وذلك لإنتاج غازات الإثيلين والبروبيلين، وتم أيضاً إنتاج العطريات بكميات تجارية، وهكذا تمت إضافة مجمع للبتروكيماويات إلى جانب المصفاة لصناعة البوليستر والبوليستايرين والبولي أليفينات، ما أدى إلى تحويل مصفاة صغيرة ومتعثرة إلى مجمع صناعي متكامل يواكب التقدم العلمي والاستراتيجي وتغيرات الطلب العالمي على المواد الاستهلاكية.
ويجب أن نذكر هنا أن الصناعات البتروكيماوية في المملكة هي الأكثر ربحية على الإطلاق من كل من صناعة تكرير النفط وصناعة معالجة الغازات، وخاصةً إذا علم أن صناعة تكرير النفط ليست بالصناعة العالية الربحية نظراً لاعتبارات كثيرة، إذ إن هذه الصناعة تأخذ على عاتقها تأمين الجازولين العالي الجودة لملايين السيارات الموجودة في المملكة بأرخص الأسعار ربما في العالم أجمع. أما من ناحية صناعات الغازات فأيضاً "أرامكو السعودية" تقوم بتزويد الشركات البتروكيماوية المنتشرة في المملكة بالغازات اللازمة بأسعار تشجيعية تعتبر أيضاً من الأرخص في العالم حرصاً من المملكة على ازدهار هذه الصناعات، وبناء عليه يصبح من السهل فهم القرار الاستراتيجي الذي اتخذته "أرامكو" وذلك بدخول عالم البتروكيماويات المربح فتزرع وتحصد في الوقت نفسه.
والحقيقة أن تكامل صناعة تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية في مجمع واحد يسهل عملية نقل اللقيم المنتج في المصافي إلى المصانع البتروكيماوية ويوفر ثمن نقلها بحكم الموقع الجغرافي الواحد. هذا إضافة إلى ترشيد استخدام المياه والكهرباء ومصادر الطاقة المختلفة، حيث إن كل هذه المنافع أصبحت تستخدم للمجمعين معا، ما يؤدي إلى توفير الكثير من كميات الطاقة المستخدمة.
ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أن معظم الشركات العالمية المختصة بالصناعات النفطية لها قسمان، قسم خاص بصناعة التكرير ويتبعه قسم خاص بالصناعات البتروكيماوية. فمثلاً هناك "شل" لتكرير النفط و"شل" الكيماوية، وأيضاً "شيفرون فيلبس" تعني بالصناعات البتروكيماوية فيما "شيفرون تكساكو" تختص بالصناعات التكريرية، و"إكسون موبيل" على هذا المنوال، وحتى شركة توتال الفرنسية التي من المزمع أن تشارك شركة أرامكو في مصفاة الجبيل تمتلك خامس أكبر شركة بتروكيماويات في العالم، وعليه فإن "أرامكو" قد تصبح "أرامكو السعودية" و"أرامكو السعودية للبتروكيماويات

الأكثر قراءة