رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل وصل داء السرد البطولي التبجيلي إلى المتعاملين في سوق الأسهم ؟!

<a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a>

نعاني نحن أفراد الشعوب العربية والإسلامية من السرد التاريخي التبجيلي والبطولي، فكلما قرأنا سيرة أحد الأبطال أو الأعلام أو الأسر أو القبائل إلا ووجدنا تاريخا ناصعا بطوليا يمتاز بالقيم والإنجازات والأداء السوبر ولا يشتمل على أخطاء أو هزائم أو إخفاقات أو حتى هفوات، مما يجعلنا نقف مبهورين أمام هذا التاريخ الناصع ونلوم أنفسنا بأننا لا نستطيع أن نكون مثل هؤلاء البشر السوبر الذين وصلوا لدرجة الملائكية، فندخل في دوامة نفسية تجعلنا نجلد ذاتنا وننتقصها بشكل مؤذ مما ينعكس سلبا على قدرتنا على الأداء والإنجاز والإقدام.
هذه الثقافة السردية انعكست سلبا على أساليبنا في نقل الحقائق والوقائع، إذ بتنا أسيرين لهذه الثقافة تلقائيا فنقوم بتنقية أفعالنا من الأخطاء والهفوات والسقطات لنسرد الناجح والمبدع والصحيح منها فقط مع بعض الإضافات (البهارات) لنجعلها أكثر نصاعة وبهرجة لإشباع غرورنا من جهة ولنظهر بمظهر أسلافنا المبجلين من جهة أخرى. نعم فثقافتنا لا ترحب بمن يعترف بأخطائه ويطلب مشاركة الآخرين في علاجها، بل إننا نستحي أن نطالب بمشاركة الاستشاريين في تشخيصها وعلاجها.
ومن الطبيعي أن تكون نتائج هذا الفكر والسلوك غير السويين مشكلات متعددة، أولاها ضعف القدرة على حل المشاكل ومواجهة العقبات، فمن لا يعترف بأخطائه أو سقطاته أو إخفاقته لن يفكر في العلاج، كما أنه سيحرم من مشاركة الآخرين في حل مشاكله، فهو الكامل المكمل الذي يكاد يكون معصوما من الخطأ. وثانينا التغرير بالآخرين فهو يوحي لهم بطريقة أو بأخرى بأن الطرق التي سلكها سهلة وبسيطة ويمكنهم تحقيق ما يدعي بأنه حققه دون أي عناء مما يجعلهم يقدمون على القيام بما قام به دون أن يحتاطوا للأخطار التي تنتظرهم. وثالثتها حرمان الأجيال القادمة من سجلات حقيقية لتجارب واقعية يمكن أن يستلهموا منها العبر للتصدي للمشاكل والتحديات التي تواجههم.
والسؤال هل وصل داء السرد البطولي التبجيلي للمتعاملين في سوق الأسهم؟ والإجابة نعم كبيرة. نعم، إن هذا الداء منتشر وبشكل كبير لدى أغلب المتعاملين في سوق الأسهم السعودية، فكلما جلست مع أحد المتعاملين (المضاربين) إلا ووجدته يروي لي بطولاته في سوق الأسهم وكيف أنه أدرك قواعد التعامل في سوق الأسهم وأصبح متمرسا بها فهو يشتري من تحت ويبيع فوق ويكرر هذه العملية عدة مرات وأنه لم يتعرض لخسائر إلا لمرات قليلة بسبب تطبيقه قواعد ذهبية للخروج من السهم حال انحداره.
سبحان الله إذا كان الجميع يربح فمن يخسر إذن؟! سؤال محيّر سرعان ما يتضح جوابه إذ إن الجميع يخسر خسارة مؤلمة ولا يربح إلا كبار المضاربين الذين يتخذون من هؤلاء حطبا لنارهم، نعم الجميع يخسر ولكن لا أحد يذكر خيبته في سوق الأسهم إلا في حالة الانهيارات الجماعية، فالعذر جاهز ولاحياء عندئذ أن يذكر أنه خسر كما الجميع. إنما في الأوقات العادية لا يذكر صغار المضاربين إلا بطولاتهم، هذه البطولات التي غررت بالكثير من البسطاء للدخول في سوق الأسهم الذي لن يدخلها أحد إلا وحقق مكاسب كبيرة، فهي وكما يوحي أبطال السرد المبجل، سوق قليلة أو منعدمة المخاطر، سوق الأرباح الوفيرة في الأيام القليلة.
أحد الأقارب من الذين جمع مالا وفيرا من سنوات عمله ومما ورثه من والده أخذ يضارب به وبما زاده عليه من قروض أخذها من البنوك وأصبح كما يدعي يحقق أرباحا كبيرة، فهو كما يقول إنه يستطيع متابعة كبار المضاربين والقروبات بكل كفاءة واقتدار، فهو يعرف متى وبكم يدخلون السهم ومتى وعند أي سعر سيخرجون منه. ومن كثر من يتحدث عن أرباحه كدت أغبطه على هذا الحظ الكبير، وعندما ألححت يوما من الأيام عليه بأن يخبرني الحقيقة فإذا به يتذمر تذمرا شديدا قائلا إنه خسر جل رأس ماله الذي جمعه والذي اقترضه، وأنه يعاني الأمرين نتيجة ذلك.
قصة قريبي جعلتني أشدد على كل مَن يروي بطولاته في سوق الأسهم حتى يقّر بخسائره، حتى بت على يقين بأن قريبي هذا نسخة مكررة في معظم البيوت السعودية، وما أسمعه من زوجتي من قصص ترويها النساء عن أزواجهن أشد مرارة، فمعظمهن في حالة سيئة نتيجة مقامرات الزوج بطل الأسهم الذي لا يشق له غبار الرابح الخاسر الذي يجب أن يتم الحجر عليه وعلى أمواله، فهو أقرب للسفاهة من الحلم، ذلك بأنه يضيع أمواله يوميا وهو جالس على شاشة الكمبيوتر ليلعب دور الضحية أمام جلاد لا يرحم. نعم، إن قريبي هذا ومن على شاكلته هم السبب الرئيسي في ربح القروبات واستمراريتها، فهو لطيبته !! يعتقد انهم سيشترون منه اسهمه برقم حددوه له في الأعلى وهم في الحقيقه باعوه ما لديهم ناسيا أنهم لو ارادوا البيع بذلك الرقم فمن سيشتري؟!
ختاما أقول لكل مواطن يسمع القصص البطولية في سوق الأسهم، أقول له عليك أن ترمي معظم هذه البطولات في البحر فما هي إلا سرد تبجيلي لتاريخ مضارب خسر معظم أمواله يريد أن يداوي جروجه بالوهم الذي قد تشتريه منه دون علم لتنطلق لسوق عالية المخاطر فتقع فيما وقع فيه. نعم، أيها المواطن العزيز لا تعتقد أن مَن يشتري أسهما تعاني من تضخم انفجاري وصلت مكررات بعضها إلى 3000 "اي ثلاثة آلاف سنة لا استراداد رأس المال" بأنه شخص عاقل ويحقق أرباحا، فما هو إلا كالقابض على الجمره ويدعي بأن بين يديه قطعة ثلج .. وشتان بين هذه وتلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي