رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


نادين وصبا: عين على لبنان وعين على أسواق المال العربية

قمة المأساة أن تكون الأمة تعيش حالة انفصام واضح في الشخصية، ومع ذلك نحاول إنكار هذا الانفصام في هذه الشخصية بأن نُظهر أكثر من صوت ونعيش أكثر من شخصية في الوقت نفسه. أمة تعبت من همها الأمم وتصدعت منها الدول وأصبحت تتمنى الخلاص من تلك الأمة حتى يتفرغوا لبناء أممهم وأوطانهم. بل حتى أن بعض أبناء الأمة نفسها يتمنون هذا الخلاص، لذلك وبدلا من أن نجيد التزاحم على البناء نجد أن الانتحاريين يقفون بالطوابير انتظارا لساعة الصفر، حتى في أسواق المال، أصبحت العقلية عقلية انتحار وليست استثمارا. وهذا نفهمه من ترديد عبارة " إما تضرب معي وإلا أنَضرب على رأسي".
لقد كنت يوم السبت في مقابلة مباشرة على قناة "العربية" مع المذيعة نادين، التي سرقت الأضواء مع زميلتها صبا عودة, وبالذات لمشاهدي القناة في المملكة, للتغطية المميزة لأسواق المال العربية وبالذات السعودية التي أصبحت في زمن قياسي حلقة وصل بين السوق والمستثمرين. وقد تحدثت معها قبل أن نكون على الهواء، كما سبق أن تحدثت مع المذيعة صبا في أكثر من مناسبة على الهاتف. وقد وجدت أن خلف تلك الابتسامات حزن عميق وعيون مشدودة إلى الأخبار لمعرفة حالة بلدهم العزيز لبنان. وتمنيت أن يذرفا الدموع بدلا من محاولات التعايش الواضحة عليهما وعلى كل من يعيش هذه المأساة. جزء من جسد أمة يحترق وجزء مهتم بالاستثمار وحركة مؤشرات أسواق المال! أطفالنا يقتلون ونحن نحاول الابتسام؟ أو يطلب منا الابتسام أمام الكاميرا؟ المقنعون هم أنفسهم رفعوا الأقنعة ونحن لا نزال نصر على أن نحتكم إليهم ونعيش حياة طبيعية؟ بل لا نزال نطالبهم بالتدخل وهم من أمر بهذا التدمير. وهم يعلنون ذلك بكل صراحة ولا أقول وقاحة. إنه الاحتكام إلى الطاغوت بعينه إذا استمرت الوفود إلى البيت الأسود الذي أصبح منظره يسبب ضيقا في الصدر وحشرجة في الحلق ولا تستطيع إلا أن ترد كلمات بوش التي نطق بها وهو غافل عليه بأسوأ منها قولاً. هل تعلمون أن أنظمة التصويب المستخدمة في الحرب الإسرائيلية على لبنان هي أنظمة أمريكية تمسي GPS ويديرها أمريكان وكذلك الأقمار الصناعية الأمريكية التي تمد الجيش الإسرائيلي بالمعلومات والمواقع خلال 24 ساعة، المصدرThe Shame of being an American by Paul Craig Roberts.

لقد حاولت قناة "العربية" منذ بدايتها أن تعطي مفهوما مختلفا للخبر الذي تعودنا عليه منذ 50 سنة، حيث كان الخبر يعني الخراب والتدمير ويعني بالمجمل السياسية فقط وتمجيد الأنظمة، أو محاربة الأنظمة ولا خيار آخر. ومنذ بداية بث قناة "العربية" للساحة الإعلامية كان توجهها واضحا وهو أنها تعنى بالخبر أيا كان وإن كان التركيز على الخبر الإيجابي وعلى التنوع، وعلى مفهوم أن كل شيء خبر حتى الأفراح والأهازيج. وقد غيرت "العربية" مفهوم الخبر الاقتصادي حيث كان شأناً نخبويا وأصبح خبرا شعبيا الجميع يبحث عنه. وأكبر دليل على ذلك المتابعة الواضحة لأخبار أسواق المال العربية وبالذات سوق الأسهم السعودية. وفي ظني أن هذا التنوع كان إيجابيا حتى للأنفس العربية التي تعودت على سماع السياسة بغطاء الأنظمة العربية فقط، أو الحركات المعارضة لها ولا وسيطة بين الطرفين. مما كان يزيد من حالة الإحباط العربي والانحطاط الفكري أكثر فأكثر. ومع التغطية الاقتصادية وتغير مفهوم الخبر كان هناك فعلا رغبة في متابعة الأخبار. ولكن مع الأسف الشديد فرض القتل والدمار نفسه كخبر أول وأخير. وفرض الإرهاب بمفهومي وليس بمفهوم البيت الأبيض أجندته على الإعلام ومنه قناة "العربية" التي كانت لا بد أن تحاول التغطية وإعطاء الموضوع حقه الإعلامي. منذ أكثر من 50 سنة (نصف قرن) وقتل الأطفال والنساء والشيوخ هو الخبر الذي يجب أن نراه على الأقل مرة واحدة كل عشرة أعوام في كل القطر العربي. ولكن الحياة مستمرة والرغبة في التنمية أيضا مستمرة وتحقيق الطموحات يجب أن يستمر. ويبقي السؤال الكبير وهو بأي صورة يجب أن يستمر إذا كان هناك أعداء الداخل وأعداء الخارج يتربصون بهذه الأمة؟ خصوصا أن القتل والتدمير يقع على لبنان بلد "القدرة على الحياة تحت كل الظروف".
وهنا يأتي الحديث عن الحالة التي تعيشانها المذيعتان ويعيشها البلد العربي المكلوم منذ قرون. بصراحة أنا منبهر بالقدرة التي لديهما في الحديث عن سوق الأسهم وهموم سوق الأسهم وفي الوقت الذي يذبح فيها بلديهما ذبح الـ …، فهما تقومان بعملهما بمهنية عالية وقدرة على التعايش, التي هي بصراحة سر لبنان وسر قدرته على الحياة. فهو الشعب العربي الوحيد الذي لديه رغبة كبيرة في الحياة والإنجاز رغم أن حاله ليس بأفضل من حال معظم الشعوب العربية. وأعتقد جازما أن هذا قدرنا كأمة مستهدفة داخليا من أعداء التنمية وصيرورة الحياة ومن أعدائها الخارجيين، الذين زرعوا الخلايا السرطانية في جسدها قبل أن يرحلوا. والآن بدأت هذه الخلايا في التوسع غير القابل للتوقف إلا إذا توحدت الأجزاء الداخلية للأمة على هدف التنمية والأهداف التي نريد تحقيقها. ولكن الواقع لا يبشر بخير بكل صراحة!

لقد كتب علينا أن نعيش وجوها مختلفة، جزء منا مدمر وجزء منا يحاول المشي وجزء يحاول تحقيق شيء لنفسه ولأمته، وجزء يحاول تدمير كل مكتسب وكل أمل يتحقق جزء بسيط منه. ولكن لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، وعليه فكما نكون يولى علينا، هذه هي حقيقة الحياة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي