رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


القمم والهمم العربية مرة أخرى

<a href="mailto:[email protected]">atrairy@ksu.edu.sa</a>

كنت قد تناولت في مقال سابق وعبر إحدى الصحف المحلية القمم العربية محللاً هذه القمم خاصة ما يتعلق بالأسباب التي تعوق انعقاد هذه القمم وتؤثر في مجرياتها. وقد عرضت أن من الأسباب الخلافات الموجودة بين الدول العربية وتعارض المصالح, إضافة إلى التدخلات الأجنبية, وبالأخص تدخل الولايات المتحدة مع بعض الدول العربية خاصة الحلفاء أو المستفيدين من بعض خدماتها وقروضها المشروطة والمقيدة باتفاقيات لا يمكن الفكاك منها مدى الدهر.
دعت مصر إلى اجتماع طارئ بعد تفجيرات شرم الشيخ التي حدثت في صيف عام 1426هـ، ولقيت هذه الدعوة قبولاً من الدول العربية، إلا أن أحداثاً حصلت أثناء الصيف أعاقت عقد هذا الاجتماع، وتأجل دون تحديد موعد جديد. ثم جاءت قمة الخرطوم التي تخلفت عنها مجموعة كبيرة من قادة الدول العربية المؤثرة في الساحة الإقليمية، وخلصت إلى قرارات تضاف إلى سابقها من قرارات القمة التي لا يعلم مصيرها، وخلال فترة استرخاء القادة العرب من هموم القمة العربية المقبلة والضغوط التي تمارس عليهم بشأن إعاقة انعقادها أو إفشال قراراتها، وتوصياتها، وتفريغها من محتواها, رأيت مناقشة الموضوع وتناوله من جوانب أخرى لم يتم التطرق إليها في المقال السابق الإشارة إليه.
الزعماء العرب الذين على رأس السلطة الآن هم الزعماء الذين عرفتهم الشعوب منذ عقود وهم امتداد لنظم سياسية سواء كانت ملكية أو جمهورية أو "جمهلكية" نسبة إلى النظم الجمهورية الملكية التي أصبح للعرب السبق فيها، وحق الاختراع لهذا النظام السياسي الجديد. ولم يطرأ على هذه النظم أي تغيير عدا ما حدث في العراق بفعل العدوان الأمريكي أو ما حدث في موريتانيا مع عدم وضوح الصورة بالشأن الموريتاني حتى الآن، أما العراق فربما تغيرت الوجوه لكن لم يتغير الوضع إن لم يكن التغير إلى الأسوأ. ومع هذا الامتداد للنظم عبر هذه العقود يحق للشعوب العربية أن تتساءل: ماذا حققت القمم العربية السابقة من إنجازات؟! هل أسهمت هذه القمم في تحسين أوضاع المجتمعات العربية الاقتصادية والمعيشية؟ هل أسهمت في حل مشكلة البطالة؟! وهل وفرت الكهرباء والماء؟! وهل نقلت سكان العشش والمقابر إلى مساكن تليق بآدميتهم؟! قد يقول قائل إن القمم العربية ذات طابع سياسي تعنى بالمشكلات الكبرى, فالقادة العرب همومهم أكبر من معيشة الإنسان العربي أو توفير الخدمات، هموم القادة العرب تأمين الأمن والاستقرار وصد العدوان عن الأمة وحماية الديار والحفاظ على الكرامة. حسناً نقول، هذه أمور جسام وهموم عظيمة تليق بقادتنا لكن ما الذي تحقق خلال العقود الماضية وعبر القمم العديدة بشأن هذه القضايا الكبيرة؟! فلسطين محتلة جريحة تنزف دماً منذ أكثر من 50 سنة فهل دافعتم عنها وهل حميتم أهلها وهل استعدتموها؟! لا شيء من هذا حصل كما يقول الواقع ويشهد بذلك العالم أجمع، هذا هو العراق ماذا فعلتم بشأنه؟! جاءت أمريكا ومعها دول غربية تسير في فلكها وقتلت أبناءه وهدمت بنيته التحتية وسرقت خيراته وامتهنت كرامة أبنائه فماذا فعلتم أو ماذا عساكم فاعلون؟! تداعيات الهجوم العدواني الإسرائيلي على غزة ولبنان والقتل والتدمير الذي أحدثته العربدة الإسرائيلية يمثل زلزالاً قوياً لدى الشعوب، لكن رد الفعل العربي الرسمي جاء مخيباً للآمال ومثيراً لتساؤلات عدة في شأن النظام الرسمي العربي والطريقة التي يفكر بها، وفيما إذا كان لديه أجندة أخرى تختلف عن أجندة الشعوب المستندة إلى الحقوق والثوابت. هل يراد بهذه المواقف المتخاذلة تثبيط الأمة وتمزيقها نفسياً لتسير في الركب المهادن والمستسلم أم أن مصالح الأنظمة أصبحت فوق مصالح الأمة، وصار من اللازم توجيه جميع السياسات والفعاليات لخدمة مصالح الأنظمة دونما اعتبار لمصلحة الأمة وكرامتها؟! هل تعلمون ماذا أصاب الأمة من إحباط وشعور بالذل والمهانة؟! وهل تعلمون أن إخفاقكم خلال العقود الماضية ترتب عليه شعور بالاستياء من أدائكم سواء على الصعيد المحلي أو الصعيد العالمي؟ أمة تتربع على خيرات الأرض وكنوزها يفترض أن تكون أحسن حالاً مما هي عليه سواء معيشياً أو تقنياً أو سياسياً. أمة يتوافر لها من الإمكانيات البشرية عقول، وسواعد يجب أن تحتل مرتبة تليق بمكانتها بين الأمم، لا أن تكون ألعوبة ومصدر رخاء وثراء للآخر على حساب شعوبها. أمة يجب أن يتوافر لها من القوة والمنعة ما يجعلها أهلاً للدفاع عن الحق الضائع، وتحقيق العدل في جميع أرجاء العالم، لكن هذه تبقى في مستوى الأمنيات، والطموحات لدى الشعوب التي تحترق وتتفطر قلوبها على ما هي فيه من أوضاع. إن وضعاً غير مشرفٍ كهذا الذي نحياه الآن، يستلزم أن يخصص له القادة العرب اجتماع قمة يُقَيمون فيه أداءهم ويتعرفون من خلال القمة على نقاط الإخفاق التي لازمت مسيرتهم, خاصة فيما له علاقة بالهموم الكبيرة. إن الشعوب ترى وتقرأ وتسمع، وتسافر، وتقارن ما تراه في المجتمعات الأخرى بما تحسه، وتعايشه في مجتمعاتها. شعوبكم على مستوى من الثقافة والوعي مما يؤهلها لمعرفة الفرق بين أدائكم وأداء غيركم من الزعامات، والقيادات الأخرى. شعوبكم ترى الفرق بين أوضاع التنمية في مجتمعاتها والمجتمعات الأخرى، كما أنها تدرك، وبشكل واضح ودقيق البون الشاسع بينها وبين المجتمعات الأخرى حين يتعلق الأمر بالمشاركة في إدارة الأوطان. إن قربكم من شعوبكم وتلمسكم احتياجاتهم يحبب الشعوب فيكم، ويزيد من متانة المجتمعات ويقويها في وجه التهديدات أياً كان مصدر هذا التهديدات داخلياً أم خارجياً، كما أن تجاهل الشعوب وإهمال تطلعاتها على المستوى الفردي، وعلى مستوى أهداف وطموحات الأمة بشكل عام يضعف المجتمعات، ويجعلها ألعوبة في مهب الريح تلعب بها القوى الخارجية الطامعة في خيراتها والراغبة في تمزيقها أكثر مما هي عليه. إن القمم السابقة لم تجد فيها الشعوب إلا التنازل عن الحقوق، والضعف في مواجهة الأحداث بالشكل المطلوب, فهل تجعلون من القمة المقبلة متى عقدت, نقطة تحول في طريقة تفكيركم ونظرتكم إلى الأمور بدلاً من التمركز حول الذات، والمصالح الضيقة التي باعدت بينكم وبين أمتكم وأضعفت الجميع؟! هذا ما نرجوه حقاً من أجل مصلحة الجميع ذلك أن استمرار حالة الركود في الوضع العربي دونما إنجازات تذكر لا على المستوى المعيشي، ولا السياسي يشكل وضعاً خطيراً يتراكم خلاله الاحتقان النفسي، وهذا بدوره ينذر بحدوث تحولات وانقلاب على المستوى النفسي لدى الشعوب في إدراكها واتجاهاتها، بل قيم الحياة التي تأخذ بها، فهل ننتظر هذه اللحظة التي تحدث فيها هذه التحولات مما ينذر بانفراط العقد وحدوث الفوضى, لا سمح الله؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي