هل أدى اختزال "الشرق الأوسط" في دولتين إلى رفع أسعار النفط ؟
<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>
كان مقال الأسبوع الماضي بعنوان "أسعار النفط: صيف آخر...رقم قياسي آخر". بناء على التطورات الأخيرة كان من المفروض أن يكون عنوان مقال اليوم "أسعار النفط: أسبوع آخر...رقم قياسي آخر"، بعد أن تجاوزت أسعار النفط 78 دولارا للبرميل في الأسواق الأمريكية في نهاية الأسبوع الماضي. ركز مقال الأسبوع الماضي على حقيقة مهمة وهي أن ارتفاع أسعار النفط فوق 70 دولارا للبرميل يعود إلى أساسيات السوق، وأن دور العوامل السياسية في هذا الارتفاع محدود ويقتصرعلى زيادة تذبذب أسعار النفط، خاصة أن الأزمة مع إيران بشأن برنامجها النووي لم تخفض الصادرات الإيرانية ولم تخفض طاقتها الإنتاجية بشكل ملحوظ.
كلنا يعرف أن ارتفاع أسعار النفط في نهاية الأسبوع الماضي بأكثر من ثلاثة دولارات للبرميل يعود إلى التطورات العسكرية على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، واحتمال توسع الأمر ليشمل سورية، وربما إيران. هذا الارتفاع لا يناقض خلاصة مقال الأسبوع الماضي لأن الأسعار ستنخفض مجرد أن تتضح الأمور، حتى لو استمرت الحرب في لبنان. ولن ترتفع الأسعار لفترة طويلة إلا إذا انخفضت الطاقة الإنتاجية في إيران، وهذا، وإن كان سببه سياسياً، إلا أنه يعتبر في النهاية من أساسيات السوق. وهنا لا بد لنا أن نذكر حقيقة تاريخية تؤكد ما سبق وهي أن أسواق النفط انهارت في وسط الثمانينيات وهبطت أسعار النفط إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل رغم الحرب الطاحنة بين العراق وإيران في ذلك الوقت.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا ارتفعت أسعار النفط مع أن إسرائيل ولبنان وغزة لا ينتجون النفط ولا تعتبر أي منها ممراً رئيساً لأنابيب وناقلات النفط؟ هل ارتفعت أسعار النفط بسبب الخوف من امتداد الحرب إلى سورية؟ ولكن سورية لا تصدر إلا كميات بسيطة من النفط الثقيل التي يمكن تعويضها بسهولة من قبل أي دول خليجية! هل ارتفعت أسعار النفط لأن التجار تخوفوا من امتداد النزاع العسكري ليشمل إيران، الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة العالم للصادرات الإيرانية؟ لكن هذا التوقع موجود وأخذه التجار باعتبارهم منذ نحو سنة، وحتى عندما كانت الأسعار أقل من الأسعار الحالية بنحو 12 دولارا للبرميل. إذا لماذا ارتفعت الأسعار؟
إن عدم وجود سبب رئيسي لارتفاع الأسعار (تفجير خط أنابيب في نيجيريا خفض إنتاجها بشكل طفيف ولكنه أسهم أيضاً في رفع الأسعار)، والتخبط الذي عاشته أسواق النفط العالمية في نهاية الأسبوع الماضي، خاصة فيما يتعلق بالفرق بين الأسعار في الأسواق الفورية والأسواق المستقبلية والفرق بين خامي برنت وغرب تكساس، إضافة إلى تدهور البورصات العالمية نتيجة لذلك، يعود في رأيي إلى الإعلام الأمريكي من جهة، وجهل الأمريكيين بشكل عام بمنطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى. ففي تغطيته للأحداث الأخيرة اختزل هذا الإعلام "الشرق الأوسط" كله إلى أصغر دوله تقريباً: فلسطين وإسرائيل ولبنان. ودخل السياسيون والمحللون على الخط وكلهم تحدثوا عن انفجار الوضع في "الشرق الأوسط"، مع أنهم يتحدثون فقط عن التدخل الإسرائيلي في لبنان!
هذا التركيز على كلمة "الشرق الأوسط" أخاف عدداً من التجار والمتعاملين الذين لا يعرفون الكثير، والذين قد لا يكون لديهم حتى جوازات سفر. فـ "الشرق الأوسط" مرتبط في ذهن أغلب الأمريكيين بـ "النفط"، ولكن أغلب الأمريكيين، بما في ذلك مندوبو بيوت المال والشركات التي تضارب أو تتاجر بالنفط، لا يعرفون أن الشرق الأوسط يمتد، حسب التعريف الواسع، من وسط آسيا إلى المغرب ومن جزر القمر إلى قبرص. هؤلاء لا يعرفون أن منطقة "الشرق الأوسط" تشمل أكثر من 30 دولة، وأن الإعلام اختزل كل ذلك بثلاث دول أو أربع. إن مجرد ذكر وسائل الإعلام للحرب في "الشرق الأوسط" أخاف بعض التجار ومندوبي الشركات بسبب الربط الدائم بين الشرق الأوسط والنفط، فقاموا بشراء المزيد منه أو بالمضاربة عليه خوفاً من انخفاض الإمدادات، مع تأزم الوضع في لبنان لم يؤثر على إمدادات النفط العالمية على الإطلاق.
الإعلام يتحدث عن الحرب في "الشرق الأوسط"، الأمر الذي جعل بعض الأمريكيين يسألون بعض الطلاب السعوديين المبتعثين في الولايات المتحدة وبعض المصريين عما "إذا كان أهلهم بخير" وإذا ما أصيبت بيوتهم بالقنابل". لذلك لا غرابة إذا ارتفعت أسعار النفط في جو يجمع بين الجهل من جهة، وإعلام موجه من جهة أخرى.
لكن هذا التعميم ليس غريباً على الإعلام الغربي الذي عمم الإرهاب على العرب والمسلمين، والهجرة غير الشرعية على مواطني أمريكا اللاتينية. وكما تقوم دول وهيئات مختلفة بمحاربة هذا التعميم بشتى الوسائل، فإن على دول "أوبك" محاربة تعميم استخدام كلمتي "الشرق الأوسط" كلما "ضرب الكوز بالجرة" في دولة شرق أوسطية. إن على وزراء "أوبك" ومسؤوليها التركيز في كل مقابلة صحافية أو مؤتمر صحافي على هذا الخطأ الفادح الذي يرتكبه الإعلام الغربي والذي يسهم في رفع أسعار النفط دون مسوغ. قد تكون مهمة "أوبك" أسهل من المتوقع لأن الذي يدفع ثمن هذا التعميم هم مواطنو الدول المستهلكة في الغرب! المطلوب بكل بساطة تسمية الأمور بمسمياتها.