رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الفعل ورد الفعل

<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>

لكل فعل رد فعل وهذا من طبيعة الأشياء، إلا أن رد الفعل إذا ما تجاوز الفعل ذاته وبمراحل كبيرة يتحول هو الآخر إلى فعل مستقل وأكبر من الفعل الأول، وربما أشنع في حالة الانتقام، وهذا هو ما ينطبق على الوضع بين لبنان والعدو الصهيوني، فقد يكون حزب الله بأسرة جنديين في عملية أدت إلى مقتل ثمانية جنود إسرائيليين قد ارتكب فعلا خاطئا في الزمان وفي الحسابات السياسية والعسكرية، حيث إن العدو حاليا مستفز بسبب ما يعانيه من إهانة معنوية وعسكرية في قطاع غزة بسبب أسر جندي له على يد قوى المقاومة الفلسطينية في عملية عسكرية نوعية، كما تصنف عسكريا خلفت أيضا مقتل جنديين من جنوده، وعجزه بكل قوته وجبروت آلته العسكرية من استعادة جنديه الأسير، إضافة إلى أن الوضع العربي بصفة عامة ليس مستعدا حاليا لمواجهة أزمة كبرى وخصوصا عسكرية مع العدو الإسرائيلي في ظل هذه الظروف العربية المتردية على الأقل بسبب تداعيات الوضع في العراق، قد يكون ذلك صحيحا ولو من باب الفرضيات، إلا أن ردة الفعل الإسرائيلي الذي اتسم بالوحشية البالغة والعدوانية الشرسة وتجاوزه كل الحدود ضمن نطاق رد الفعل على فعل حزب الله جعله يصبح فعلا آخر تعدى وبكثير الفعل الأساسي ليوصف وبكل المعايير على أنه فعل عدواني وحشي صب على كل لبنان دون استثناء.
هنا يبرز سؤال على وقع العدوانية الإسرائيلية الظاهرة في ردة فعله على لبنان وهو إذا كان العدو يريد الانتقام من حزب الله وإجباره عن طريق القوة لإطلاق سراح أسيريه لماذا يمد عدوانه على كل لبنان من خلال ضربه كل المواقع الحيوية اللبنانية ومعظمها لا علاقة لحزب الله بها، مثل الجسور ومحطات الكهرباء والمياه والمطار والموانئ البحرية وفرض الحصار البري والبحري والجوي وتهجير الناس من قراهم وارتكاب المجازر التي تعيد ذكريات النازية والفاشية؟ هذا التساؤل حول حجم وبعد ردة الفعل الإسرائيلي العدواني هو ما دفع بمعظم إن لم يكن كل دول العالم لاعتبار العدو تجاوز كل الحدود في عمليته الانتقامية أو ما سماه البعض الإفراط في استخدام القوة، وهذا على أية حال نقد ناعم جدا للعدوانية الصهيونية وكأن من يقول به لا يمانع من استخدام القوة ولكنه يرجو عدم الإفراط فيها فقط، والنقد الذي وجه للعدو من قبل الجميع ما عدا الولايات المتحدة التي ما زالت ترى فيما تفعله دولة العدو الإسرائيلي دفاعا عن النفس، يعكس مدى الضيق بتجاوز العدول كل الخطوط الحمراء، ليس حرصا على اللبنانيين والفلسطينيين ولكن خشية من الرأي العام العالمي الأكثر إنسانية من النظم والحكومات.
من الواضح أن العدو الإسرائيلي وضع استراتيجية للتعامل مع العرب تقوم على التخويف والإرهاب والعقاب الجماعي عبر استخدام القوة المفرطة، حسب الوصف الأوروبي، ضد الجميع دون تفريق ما بين معتدل ومتطرف حسب تصنيفه، وقد بدأ يطبقها بصورة كاملة وواضحة بعد اختيار الشعب الفلسطيني حماس في الانتخابات الأخيرة، فمنذ اليوم الأول لفوز حماس طبقت إسرائيل حصارا ماليا وسياسيا على السلطة الفلسطينية بالرغم من وجود الرئيس محمود عباس على رأسها، وبعد أسر الجندي الإسرائيلي جرد العدو كل آلته العسكرية الجهنمية لمحاصرة غزة وتدمير بنيتها التحتية كعقاب جماعي للفلسطينيين، وهو الأسلوب نفسه الذي يتبعه في لبنان منذ الثاني عشر من هذا الشهر حين بدأ عملياته العسكرية، فجاء رده العدواني شاملا لبنان كله.
قد نفهم قيام العدو بمعاقبة الشعب الفلسطيني أولا على اختياره حماس ثم على أسر جنديه على اعتبار أن الفلسطينيين غير مختلفين على المقاومة والتمسك بالحقوق الفلسطينية المشروعة التي تتناقض مع وجود كيان العدو أساسا، ولكننا لا نفهم ممارسة أسلوب العقاب الجماعي نفسه في لبنان، فالمعروف أن هناك تباينا في الرؤى السياسية بين الأحزاب والتيارات السياسية والطائفية حتى تجاه دور المقاومة وليس ضدها، فهناك تيارات لبنانية ترى أن المقاومة انتهى دورها بعد التحرير وأن يتم معالجة موضوع الأسرى ومنطقة شبعا دبلوماسيا وليس عسكريا، إلا أن العدو لم يعر مثل هذا التباين أي اعتبار، بل يحاول أن يوظفه لما هو أبعد من الاختلاف السياسي إلى محاولة خلق صراع لبناني داخلي، فحين يقوم بتوجيه كل هذه الهجمة العدوانية الشرسة ضد كل لبنان دون تمييز بين الخطوط السياسية والمناطقية بما في ذلك المناطق المسيحية كضرب ميناء جونية البحري، فهو بالتأكيد يسعى إلى إثارة جزء من اللبنانيين ضد حزب الله والقوى المؤيدة له لكونه حملهم دفع فاتورة عمليته العسكرية، وهذا واضح من اكتفائه باستخدام الطائرات والبوارج بعنف وحدة وصب حممها على الجميع كي يوفر الأرضية لإثارة صراع لبناني داخلي يقود إلى حرب أهلية جديدة ستقود هذه المرة لا قدر الله إلى زعزعة وحدة لبنان.
هل ينجح العدو أن تسقط خياراته وخططه ويؤكد لبنان مرة أخرى أن سر قوته في ضعفه..؟ هذا مرهون بمدى تمسك اللبنانيين بوحدة الموقف باعتبار العدوان الإسرائيلي عدوانا على كل لبنان وأن الواجب الوطني لكل لبناني ألا يطعن الوحدة الوطنية في هذا الوقت العصيب والصعب تحت أي حجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي