تنويع مصادر الدخل ضرورة لتلافي تقلبات أسعار النفط
ذكرنا في المقال السابق أن صعود أسعار النفط هو شيء غير محبذ لكلٍ من المنتج والمستهلك على السواء، حيث إن هبوط الأسعار الشديد له تبعاته المعروفة على المنتج من أبسطها تباطؤ عملية التنمية ووقف الاستثمارات التي من شأنها تطوير وتحسين صناعة النفط في بلدان الإنتاج، كما أن صعود الأسعار العالي أيضاً له عقبات كبيرة. وفي رأيي الشخصي أن ظهور البدائل للطاقة أهمها وأخطرها، إذ إنه يجب أن ندرك جيداً أن المؤسسات البحثية في الدول الصناعية تعمل ليلاً ونهاراً لإيجاد بديل لهذا الكابوس الذي يؤرقهم (النفط). إذاً ببساطة كلما زاد سعر النفط الخام, ضعفت مناعته في مقاومة بدائل الطاقة الأخرى، تماماً كما الإنسان كلما زاد عمره ضعفت مقاومته للأمراض.
ومن المفيد ذكره في هذا المضمار أن هناك جهودا جبارة تتخذ حالياً في أغلب دول العالم لتخفيف الطلب العالمي على النفط من كلٍ من الدول الصناعية الكبرى والدول النامية، ومعظم هذه الجهود تنصب حالياً على تخفيف استهلاك السيارات للوقود، وذلك باتخاذ إجراءات عدة، أهمها:
أولاً: تشجيع المواصلات الجماعية مثل القطارات والحافلات والتي من شأنها تقليل استهلاك متوسط الفرد للوقود، وهذه الخطوة من الممكن ملاحظتها بشكل واضح في أوروبا واليابان ودول آسيا.
ثانياً: العمل على تطوير محركات السيارات لجعلها تستهلك كميات أقل من الوقود، وكلما زاد سعر النفط أصبح استخدام هذه السيارات محبذاً اقتصادياً.
ثالثاً: هناك عناية فائقة في كل من المجالين البحثي والصناعي لتطوير السيارات التي تستعمل الوقود البديل مثل خلايا الوقود الهيدروجيني والخلايا الشمسية وغيرها، إلا أن هذا النوع من السيارات يبدو باهظ التكاليف مقارنةً بالسيارة العادية، والجدير ذكره أن هذا النوع من السيارات يشكل فقط 7 في المائة من كل سيارات العالم.
وقد يكون من أجمل وأوضح الأمثلة على مواضيع الطاقة البديلة وعلاقتها بأسعار النفط هو الفحم الحجري الموجود بكثرة في الصين، إذ تشير التوقعات إلى أن الصين تملك احتياطياً من الفحم الحجري يقدر بـ 188.6 بليون طن وتم استخراج ما قدره 2.19 مليون طن عام 2005م، وبناءً عليه فإن الخبراء يقدرون أن مخزون الفحم هذا يستطيع دعم الصين بالطاقة لمدة 80 عاما. ولكن لكي يتم استخدامه كمصدر للوقود يجب تحويله أولاً إلى سائل بواسطة تقنيات معروفة ومجربة ولكنها باهظة التكاليف. وما يهمنا في هذا الموضوع أن تقنية تحويل الفحم إلى وقود سائل هي ليست بالتقنية السهلة أو الرخيصة، ولكي يكون الوقود المستخرج منها ذا ربحية عالية يجب أن يكون سعر النفط الخام في المقابل أكثر من 30 دولارا للبرميل، وكما هو معلوم أن سعر برميل النفط اليوم قد تعدى 70 دولارا للبرميل ما يجعل هذه التقنية حالياً في أفضل حالاتها الربحية.
ومن المعلن عنه أن الصين تقوم ببناء معامل عملاقة لتحويل الفحم الحجري إلى وقود سائل، وفي خبر لـ "الفايننشيال تايمز" البريطانية، أن الصينيين ينظرون بجدية إلى مشروع عملاق جديد تقدر تكلفته بـ 24 مليار دولار لتحويل الفحم الحجري إلى وقود سائل. ويرى المراقبون أنه فيما لو تم هذا المشروع فإنه كفيل بإزاحة مليون برميل من استهلاك الصين اليومي للنفط البالغ سبعة ملايين برميل، ومن التوقعات المستقبلية لاستهلاكهم وقد يُحدِث هذا بعض الاضطرابات الخفيفة في أسواق النفط العالمية. وفي الوقت نفسه فإن الكثير من الخبراء يعتقد أن الصينيين قد جازفوا بإقامة هذه المشاريع العملاقة على أساس أن سعر النفط سيبقى ولمدة طويلة بين 30 و40 دولارا كحدٍ أدنى.
ومن المفيد إيضاحه أن استهلاك الصين من الطاقات المختلفة هو على النحو الآتي: 68 في المائة من الفحم الحجري، 23.45 في المائة من النفط، 3 في المائة من الغاز الطبيعي، والباقي من الطاقات الهيدروكهربائية والنووية.
وختاماً لهذه المقالات لا بد من الذكر هنا أن الأمل أن تنوع دول الخليج العربي، والتي تعتبر من الدول الأساسية المصدرة للنفط في العالم، مصادر دخلها لكي لا تكون عرضة لأي تغيير عالمي لأسعار النفط كما حدث عام 1998م، فالنفط سلعة مثلها مثل أي سلعة أخرى تواجه دائماً سوقا متقلبة ومستقبلا غير آمن يخضع لاعتبارات عدة مثل حركة الاقتصاد العالمي وبديلات الطاقة الأخرى والإشكالات البيئية المرتبطة بالنفط والاستقرار العالمي والإقليمي.
وفي هذا السياق نرى أن المملكة، وهي أكبر مُصَدِّر للنفط في العالم وتمتلك نحو ربع احتياطي العالم للنفط، قد خطت خطوات رائدة في هذا المضمار، فهناك ازدهار الصناعات التحويلية كالصناعات البتروكيماوية (على الرغم من ارتباطها بالنفط) التي هي في أحسن حالاتها اليوم، فشركة "سابك" تحتل رقم 11 من بين الشركات البتروكيماوية العالمية، هذا غير الشركات البتروكيماوية الأخرى والعديدة الموجودة في كل من مدينتي الجبيل وينبع.
ومن باب الإنصاف الإشادة بالمشاريع البتروكيماوية العملاقة التي أعلنت عنها شركة أرامكو السعودية، في خطوة تعد تطوراً استراتيجياً لهذه الشركة في كل من مدينتي رابغ ورأس تنورة، والتي تعد بمستقبل صناعي مشرق يعود بالنفع على أبناء هذا البلد الكريم. وكما أن المملكة أكبر مُصَدِّر للنفط في العالم حقيقة ثابتة, فإن الأمل أن تتغير هذه الحقيقة لتصبح أكبر مُصَدِّر للنفط ومشتقاته والبتروكيماويات في العالم في المستقبل غير البعيد، ونحن قادرون على ذلك بعون الله وتوفيقه.
* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات
<p><a href="mailto:[email protected]">skhattaf@hotmail.co</a></p>