موسكو تسعى لإعادة التفاوض على عقودها النفطية مستخدمة "سخالين 2"

موسكو تسعى لإعادة التفاوض على عقودها النفطية مستخدمة "سخالين 2"

المشروع الضخم الذي تقوده "رويال داتش شل" لاستثمار موارد النفط والغاز في جزيرة سخالين الروسية أضاف إلى متاعبه المتعددة من تطويل لتوقيت إنجازه وارتفاع في التكلفة بمعدل الضعف، عنصرا جديدا يتمثل في أنه أصبح ميدانا للصراع بين روسيا الساعية إلى إحكام سيطرتها على الصناعة النفطية في بلادها، والشركات الأجنبية ومن ورائها حكوماتها، خاصة تلك الآسيوية التي كانت تنتظر أن يسهم المشروع في إحداث نقلة نوعية فيما يخص وضع الإمدادات بالنسبة لها.
يوم الإثنين الماضي أخطرت السلطات الروسية شركة "شل" بصفتها صاحبة أكبر حصة في المشروع، أنها قررت سحب موافقة الجهات البيئية لما رأته من تهديد لصناعة الأسماك في تلك المنطقة، الأمر الذي يشكل انتكاسة للمشروع الذي يوصف بأنه الأكبر استثماريا في ميدان الطاقة وتكاملا في جانبي النفط والغاز، وثاني أكبر مشروع في مجال البنيات الأساسية، وذلك بسبب تكلفته التي تقدر في الوقت الحالي بنحو 20 مليار دولار، بعد أن تصاعدت من عشرة مليارات قبل بضع سنوات، وذلك لأسباب أرجعتها "شل" إلى التصاعد في أسعار الحديد وارتفاع أجور الحفارات بسبب حالة النمو التي تعيشها الصناعة النفطية، كما أن المشروع يستوعب 17 ألفا من العاملين.
الاحتجاجات على الإجراء الروسي لم تأت فقط من "شل"، التي تملك حصة 55 في المائة من المشروع وكل من "ميتسوي" 25 في المائة و"ميتسوبيشي" بحصة 20 في المائة، وهما شركتان يابانيتان، وإنما أيضا من حكوماتها. فاليابانيون، وعلى لسان شنزو آبي، المرشح ليصبح رئيس الوزراء الجديد بعد مغادرة جونيشيرو كويزومي منصبه، عبّر عن تخوفه من أن يؤدي القرار إلى التأثير في العلاقات اليابانية ـ الروسية، وهي عبارة تتجاوز في قوتها رد الفعل الياباني على قيام دورية روسية بفتح النار على قارب صيد ياباني ومقتل أحد الصيادين اليابانيين أخيرا.
الاتحاد الأوروبي دعا موسكو إلى الحفاظ على مناخ استثماري يمكن توقع الإجراءات التي تضبطه. أما بريطانيا، التي تمثل أحد مراكز نشاط قيادة "شل" رغم انتقال رئاسة الأخيرة إلى هولندا، فقد احتجت كذلك على الخطوة الروسية. والغريب أن الحجة الروسية تتسق مع بعض ما تسرب إلى وسائل الإعلام من قبل عن أن المشروع يشكل تهديدا للحياة البيئية في تلك المنطقة فصحيفة "الأوبزرفر" الأسبوعية البريطانية نشرت في أيار (مايو) الماضي أن مشروع "شل" في سخالين يواجه بعض المتاعب خاصة مع تنامي الإحساس بأن الشركة تضلل المساهمين وزبائن المستقبل. وفي الوثائق التي تم تسريبها اتهامات للشركة بخرق عدة قوانين وإجراءات خاصة تلك التي تتعلق بالبيئة. واستنادا إلى هذا فإن البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير رفض المضي قدما في توفير قرض بـ 200 مليون دولار للإسهام في تنفيذ المشروع وذلك عقب اجتماع عقده في لندن في حزيران (يونيو) الماضي مستشهدا بالتزام نحو 40 مصرفا حول العالم بعدم التعامل مع أي مشاريع تثار الشكوك حول التزاماتها الأخلاقية والمهنية.
لكن رغم هذه الخلفية إلا أن هناك قناعة سائدة بأن موسكو استخدمت الحجة البيئية ستارا لأغراض أخرى، على رأسها الضغط على "شل" وشركائها لإعادة التفاوض حول المشروع الذي جرى التفاوض حوله لأول مرة والسوق النفطية تعيش حالة من الهبوط، حيث الأسعار كانت تعيش في فترة متدنية، هذا إلى جانب الدفع بشركة غازبروم، شركة الغاز الحكومية، لتحصل على حصة مناسبة وبشروط معقولة.
ومع أن "غازبروم" و"شل" أجرتا مفاوضات أولية انتهت إلى حصول "غازبروم" على حصة 25 في المائة من نصيب "شل"، إلا أنه عقب ذلك مباشرة تمت مضاعفة حجم الاستثمارات المطلوبة للمضي قدما في المشروع، الأمر الذي دفع "غازبروم" إلى الاحتجاج على أنها لم تخطر أثناء المفاوضات أو قبل وقت كاف بارتفاع تكلفة المشروع.
مما يعطي رأي عزم الحكومة الروسية على السيطرة على مفاصل الصناعة الروسية صدقية أكبر، السعي الحثيث لـ "غازبروم" لشراء حصة "بي. بي" في مشروع المشاركة مع "تي. إن. كيه"، وهي ثاني أكبر شركة نفط روسية.
مسعى موسكو هذا الذي بدا واضحا في العهد الحالي للرئيس فلاديمير بوتين تعتبر أبرز محطاته عملية تفكيك شركة يوكوس الخاصة، تحت دعاوى تهربها من الضرائب وتحويل الجزء الأساسي من أصولها إلى الحكومة، وكذلك الحظر على الشركات الأجنبية الحصول على حصص في الحقول النفطية الاستراتيجية، ويبقى مجال التحرك الثالث وهو إعادة التفاوض على شروط قوانين قسمة الإنتاج التي تحكم عمل بعض الشركات مثل مشروع "شل" في جزيرة سخالين.
على أن للمسؤولين الروس ما يردون به على هذا الاتهام. أوليج ميتفول، الذي يتولى المنصب الثاني في الإدارة المسؤولة عن الجوانب البيئية يقول إن بلاده ترغب في الحصول على استثمارات أجنبية. ويضيف في لهجة موحية أنهم ليسوا مثل إحدى جمهوريات الموز على استعداد للتضحية بمصالحهم الوطنية من أجل الشركات الأجنبية.

الأكثر قراءة