هل منتجات المصارف الإسلامية قائمة على محاكاة البنوك التقليدية؟

هل منتجات المصارف الإسلامية قائمة على محاكاة البنوك التقليدية؟

<p><a href="mailto:[email protected]">sami@suwailem.net</a></p>
<p><br>
&nbsp;</p>
المنتجات المالية هي الخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية لعملائها، وهي في الحقيقة عقود معاوضة تهدف إلى الربح بالنسبة إلى المؤسسة المالية، وتقدم في المقابل خدمة على شكل عين أو منفعة للعملاء. لكن لكي تحقق المنتجات أهدافها فهي تتجاوز الجانب القانوني في التعاقد لتشمل التسويق ومتابعة العميل والتعرف على احتياجاته ومحاولة المواءمة بينها وبين حقوق المؤسسة ومصالحها.
وبالنسبة إلى المؤسسات الإسلامية فإن المنتجات يجب أن تستوفي جانباً آخر هو الضوابط الشرعية. فهل الضوابط الشرعية عائق أمام الاستجابة لاحتياجات العملاء؟ وهل هي عنصر تكلفة على ميزانية المؤسسات المالية؟ وما وظيفة هذه الضوابط أصلاً وما هو الهدف منها؟ وما العلاقة بين المنتجات المالية وبين مبادئ الاقتصاد الإسلامي؟

المنتجات والمبادئ
الضوابط الشرعية هي همزة الوصل بين مبادئ الاقتصاد الإسلامي من جهة وبين الممارسة اليومية للحياة الاقتصادية من خلال المنتجات المالية من جهة أخرى. فالمنتجات المالية بالنسبة إلى مبادئ الاقتصاد الإسلامي كالمفاتيح للبناء. وإذا كان الاقتصاد الإسلامي يمثل بناء شامخاً متناسقاً، فإن الدخول لهذا المبنى والانتفاع به يتطلب مفاتيح مناسبة لفتح أبوابه واستغلال مرافقه، ودون هذه المفاتيح سيبقى هذا البناء مغلقاً. وهذه المفاتيح يجب أن تكون متناسبة مع الأبواب وإلا لم تؤد وظيفتها. والضوابط الشرعية هي "الأسنان" التي لا يمكن للمفاتيح أن تعمل من دونها.
ومن هنا تبرز أهمية المنتجات الإسلامية المنضبطة بضوابط الشريعة، فهي ترجمة عملية للقيم والمثُل التي جاء بها الإسلام. دون هذه المنتجات تظل المبادئ حبراً على ورق لا رصيد لها من الواقع، ويظل الواقع رهناً للأطماع الشخصية والنزعات الأنانية، ليس لأن الناس لا يحبون الخير والفضيلة، ولكن لأنهم لا يملكون حلقة الوصل بين القيم الفطرية النبيلة وبين التحديات العملية.

واقع المنتجات الإسلامية
وعلى الرغم من أهمية المنتجات الإسلامية ووظيفتها الأساسية في توجيه دفة الاقتصاد إلى الوجهة الإسلامية، إلا أن مقدار الاهتمام بدراستها والعناية بتطويرها وتحقيق أهدافها لا يتناسب مطلقاً مع تلك الأهمية. من حيث الأرقام فإن المقدار المخصص للبحث والتطوير للمنتجات الإسلامية لدى المؤسسات المالية يكاد يكون معدوماً مقارنة بربحية هذه المؤسسات وأدائها المالي. ومن حيث التنظيم الإداري فإن قلة قليلة من المؤسسات الإسلامية تنشئ إدارات متفرغة لتطوير المنتجات الإسلامية، وتصبح هذه المهمة في الغالب موزعة بين الهيئات الشرعية وبين إدارة التسويق وبين الإدارات المختلفة للمؤسسة. هناك غياب واضح لتطوير المنتجات في الخطط الاستراتيجية والرؤية التي تحكم مسيرة المؤسسات الإسلامية.
من حيث الواقع فإن المؤسسات الإسلامية تقدم الكثير من المنتجات باستمرار. فكيف يمكن التوفيق بين ذلك وما سبق حول غياب الدور الاستراتيجي لتطوير المنتجات؟ الجواب يتلخص في المنهجية المتبعة عملياً لتطوير المنتجات.

مناهج تطوير المنتجات
هناك إجمالاً طريقتان لتطوير المنتجات الإسلامية:
ـ المحاكاة للمنتجات غير الإسلامية.
ـ البحث عن الاحتياجات الفعلية للعملاء وتصميم المنتجات المناسبة لها.

أما المحاكاة فهي الأسلوب الأكثر ممارسة في واقع الصناعة الإسلامية اليوم. وفكرتها في غاية البساطة: فإذا كان البنك التقليدي يقدم القرض بفائدة، فالمصرف الإسلامي يجب أن يبحث عن بديل للقرض بفائدة من خلال الصيغ التي تنتهي إلى نقد حاضر بيد العميل مقابل أكثر منه في ذمته للمصرف. وإذا كان المصرف التقليدي يقدم الوديعة لأجل فالمصرف الإسلامي يجب أن يجد صيغة تحقق النتيجة نفسها، بحيث يسلم العميل نقداً للمصرف ويضمن المصرف للعميل أكثر منه بعد مدة محددة، وهكذا.
فالمحاكاة تعني أن يتم سلفاً تحديد النتيجة المطلوبة من المنتج الإسلامي، وهي النتيجة نفسها التي يحققها المنتج الربوي، ثم يتم توسيط سلع (معادن أو أسهم أو غيرها) غير مقصودة لا للمصرف ولا للعميل، لمجرد الحصول في النهاية على النتيجة المطلوبة، وهي هنا النقد الحاضر مقابل أكثر منه، سواء كان المدين هو العميل أو البنك.
وبغض النظر عن الحكم الشرعي لهذه المنتجات (التي أثارت الكثير من الجدل وصدرت بحقها قرارات مجمعية) فإن المنهجية التي تتبعها قائمة على المحاكاة والتقليد للمنتجات الربوية. وهذه المنهجية لها مزايا ولها سلبيات. فأبرز مزاياها السهولة والسرعة في تطوير المنتجات. فلا يتطلب الأمر الكثير من الجهد والوقت في البحث والتطوير، بل مجرد متابعة المنتجات الرائجة في السوق وتقليدها من خلال توسيط السلع. وهذا بدوره يعني ضمان رواج المنتجات المقلدة إذا كان العملاء لا يقبلون المنتجات السائدة. وبذلك يتضح كيف تقدم المؤسسات الإسلامية الكثير من المنتجات في الوقت الذي لا تعطي فيه أهمية استراتيجية لتطوير المنتجات الإسلامية. فالتقليد لا يتطلب الكثير من الوقت والجهد، ولذلك لا يستحق الأمر أي عناية خاصة. واتباع هذه المنهجية يعني عملياً أنه لا توجد أهمية استراتيجية لتطوير المنتجات.

سلبيات التقليد
لكن في المقابل هناك الكثير من السلبيات لهذه المنهجية:
ـ أولى هذه السلبيات أن الضوابط الشرعية تصبح مجرد قيود شكلية لا حقيقة تحتها ولا قيمة اقتصادية من ورائها. وهذا ما يضعف قناعة العملاء بالمنتجات الإسلامية، ويجعل التمويل الإسلامي محل شك وريبة ابتداء. والبعض للأسف يظن أن الالتزام بالشريعة يقتضي تعطيل العقل والمنطق وعدم البحث عن الفروق الفعلية بين المنتجات الإسلامية والربوية. وهذا يشبه موقف النصارى الذين يجعلون مقتضى الإيمان قبول المتناقضات، وكلما كان المرء أكثر إيماناً كان أكثر تعطيلاً للعقل والحقائق وأشد عناية بالرسوم الجوفاء. وهذا للأسف يناقض مناقضة صريحة نصوص الكتاب والسنة التي تجعل محور الإيمان التفكر والتدبر وإعمال العقل، كما تجعل العبرة أساساً بالمضمون والجوهر، وأما الشكل فهو تابع للمضمون وليس مقدماً عليه، كقوله تعالى: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر" الآية. وقوله جل شأنه في الأضاحي: "لن ينال اللهَ لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم". وإذا كان هذا في العبادات التي يغلب عليها التوقيف، فالمعاملات من باب أولى. ولهذا اتفق العلماء على أن الأمور بمقاصدها، وأن الشريعة بريئة من العبث ومطالبة الناس بما لا يحقق لهم نفعاً ولا مصلحة، وأن العبرة من ثم بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
وإذا كان البعض لا يدرك الحكمة من قواعد الشريعة في المعاملات فهذا لا يجيز له أن يفترض عدم وجود الحكمة ابتداء. فالحكمة ثابتة قطعاً، علمها مَن علمها وجهلها مَن جهلها، وليس الجهل بها مبرراً لنفي وجودها أصلاً. بل الواجب البحث عنها والتعرف عليها، لا أن يصبح الجهل بها ذريعة لتفريغ الضوابط الشرعية من مضمونها.
ـ وفي ظل المحاكاة تصبح الضوابط الشرعية عبئاً وعائقاً أمام المؤسسات المالية، إذ هي لا تحقق أي قيمة مضافة، بل مجرد تكلفة إضافية. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تحمّل المؤسسات المالية هذه التكلفة على العميل، لتكون المنتجات الإسلامية المقلدة في النهاية أكثر تكلفة من المنتجات الربوية، مع أنها تحقق في النهاية النتيجة نفسها.
ـ وبما أن المنتجات التقليدية تناسب الصناعة التقليدية وتحاول معالجة مشكلاتها وأمراضها، فإن محاكاة هذه المنتجات تستلزم التعرض للمشكلات نفسها، وهذا بدوره يستلزم محاكاة المزيد من المنتجات التقليدية بحيث تصبح الصناعة الإسلامية في النهاية تعاني الأمراض والأزمات نفسها التي تعانيها الصناعة التقليدية. فالمنتجات البديلة عن القرض الربوي مثلاً تنشأ عنها المشكلات نفسها التي تنشأ عن القرض الربوي، مثل تغير معدلات الفائدة والحاجة إلى جدولة الدين وتداوله. ولهذا تجد المؤسسات الإسلامية نفسها مضطرة إلى محاكاة أدوات الفائدة المتغيرة التي بدورها تستلزم محاكاة أدوات التحوط والمقايضة للفائدة interest swap السائدة في الصناعة التقليدية. كما تجد المؤسسات الإسلامية نفسها مضطرة أيضاً إلى محاكاة أدوات جدولة الدين وتداول الديون وسائر المنتجات المتعلقة بها. فالمنتج الربوي جزء من منظومة متكاملة من الأدوات والمنتجات القائمة على فلسفة ورؤية محددة. فمحاولة تقليد جوهر هذه المنظومة وأساسها، وهو القرض بفائدة، تجر الصناعة الإسلامية لمحاكاة سائر أدوات المنظومة وعناصرها، وهو ما يجعل الصناعة الإسلامية مهددة أن تفقد شخصيتها وتصبح تابعة بالجملة للصناعة الربوية. وبذلك فإن كل الأمراض والمشكلات التي تعانيا الصناعة الربوية ستنتقل بدورها إلى الصناعة الإسلامية. فبدلاً من أن يكون التمويل الإسلامي هو الحل للمشكلات الاقتصادية التي يعانيها العالم اليوم، يصبح للأسف مجرد صدى وانعكاس لهذه المشكلات.
ـ وإذا قررت بعض المؤسسات الإسلامية التوقف عن التقليد في منتصف الطريق حفاظاً على شخصيتها ومبادئها، وقعت في التناقض ووجدت نفسها في طريق مسدود، وأصبحت غير قادرة على المنافسة مع المؤسسات التي تمضي في عملية التقليد إلى نهايتها. والخروج من هذه الأزمة لا يكون بالتوقف في منتصف الطريق بل بسلوك طريق آخر من البداية والعمل على تغيير قواعد اللعبة أساساً. أما القبول بقواعد اللعبة التي وضعتها الصناعة الربوية ثم محاولة اللعب ضمن المعايير الشرعية، فهي محاولة محكوم عليها بالفشل مقدماً.
وما سبق لا يعني أن جميع المنتجات التي تقدمها الصناعة التقليدية غير مناسبة للتمويل الإسلامي، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. ولكن فرق بين اقتباس ما يتلاءم مع فلسفة التمويل الإسلامي ومبادئه، وبين محاكاة الأساس الذي تقوم عليه المنظومة الربوية ويجسد فلسفتها المناقضة للاقتصاد الإسلامي.

* خبير في التمويل الإسلامي

الأكثر قراءة