الاحتياطيات النفطية العالمية قادرة على تأمين الطلب بأريحية معقولة
<a href="mailto:[email protected]">skhattaf@hotmail.com</a>
تحدثنا في المقال السابق عن تنامي الطلب العالمي للنفط وأسبابه. ويجب أن نوضح هنا أن ثقة منتجي النفط بكميات الطلب المستقبلي على هذه المادة هي بالضرورة ثقة كبيرة لعمليات الإنتاج نفسها وازدهارها وصرف المبالغ عليها والاستثمار فيها، وعدم الثقة بالطلب العالمي في المستقبل القريب والبعيد يعني تردد المنتج في الاستثمار المستقبلي في عمليات زيادة الإنتاج الباهظة التكلفة، والتي غالباً ما يكون استرداد ريعها طويلاً نوعاً ما. إذاً تحديد كميات الطلب العالمي على النفط في المستقبل ولو بشكل تقريبي هو نبراس يضيء للمنتج دربه.
هذا من ناحية الطلب والاحتياج، أما من ناحية الإنتاج فمن المتوقع أن المخزون العالمي للنفط أن يكون قادراً على تلبية هذه الطلبات حتى من النفط التقليدي فقط. والجدير إيضاحه للقارئ الكريم أن النفط التقليدي هو النفط العادي الذي غالباً ما يكون سائلاً لزجاً يسهل استخراجه بعمليات الحفر والاستخراج التقليدية، مثل النفط الموجود في دول الخليج العربية. وأما النفط غير التقليدي فهو غالباً ما يكون مخلوطا بالرمل وصلباً مثل البتومين، ويكون استخراجه ومعالجته أغلى من نظيره التقليدي، وهذا النوع من النفط موجود بكثرة في كلٍ من كندا وفنزويلا.
ويجب التنويه هنا إلى أن التكنولوجيا الحديثة وتطورها السريع فيما يخص التنقيب والحفر والاستخراج من الحقول الجديدة والقديمة والمستنزفة لها دور كبير في تأمين إنتاج حاجة العالم المستقبلية إلى النفط، وسوف يكون هذا الإنتاج من كلٍ من دول "أوبك" ودول خارج "أوبك"، حيث نشر في دراسة لـ "أوبك" أن إنتاج دول خارج "أوبك" سيقدر بـ 59 مليون برميل يومياً بحلول 2025م، ما يشكل 52.2 في المائة من الإنتاج العالمي، وتأتي روسيا ودول بحر قزوين في مقدمة هذه الدول، حيث من المتوقع أن يكون الزيادة في إنتاجها للنفط كبيراً ومؤثراً. وباقي الإنتاج الذي يشكل 47.8 في المائة سيأتي من دول "أوبك"، ما يعني أن الإنتاج العالمي الكلي للنفط سيستمر بالنمو بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً في كل عام ليصل إلى 113 مليون برميل يومياً عام 2025م كما أسلفنا في المقال السابق.
إذاً نستطيع القول إن الاحتياطيات النفطية العالمية قادرة على تأمين الطلب العالمي على النفط بأريحية معقولة، وبناءً عليه فإن أسعار النفط المستقبلية يجب ألا تتأثر كثيراً بداعي القلق من قدرة المخزون النفطي العالمي على تلبية الطلب العالمي المستقبلي للنفط، والأكيد أن أسعار النفط في المستقبل القريب والبعيد يجب أن تعتمد على قاعدة بسيطة ولكن شديدة الأهمية، ألا وهي أن كلا من صعود أسعار النفط الكبير أو نزوله الشديد هو حدث شديد الضرر لكلٍ من المنتج والمستهلك على السواء، وأن أسعار النفط العالمية يجب أن تتماشى مع النمو الاقتصادي العالمي، حيث إن الأسعار العالية ستجلب كميات هائلة من النفط (التقليدي وغير التقليدي) للأسواق العالمية، ما يستدعي خفض بلدان "أوبك" إنتاجها.
ولكن يجب أن تكون الأسعار في الوقت نفسه جيدة، بحيث تستطيع تأمين المبالغ المالية الكافية لتأمين تدفق النفط للأسواق العالمية بربحية مغرية. ولا ننسى أن نذكر أن أسعار النفط العالية قد تستدعي زيادة البحث الجدي عن مصادر أخرى للطاقة وتغري الآخرين باستعمال المصادر غير النفطية لتوليد الطاقة كالاعتماد على الفحم الحجري الموجود بكثرة في الصين وروسيا وأمريكا، وأيضاً استخدام الطاقة الشمسية والنووية وخلايا الوقود الهيدروجينية وغيرها.
وختاماً يجب التنويه إلى أن هذه الزيادة المتوقعة لإنتاج الخام والسوائل الغازية NGL هي نتيجة الاستثمارات لمئات المشاريع والتي تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار، هذا إضافة إلى مشاريع البنية التحتية المرافقة لمشاريع زيادة إنتاج النفط مثل تأمين أنابيب النقل ومنصات تصدير الخام والتوسعات في الصناعات التكريرية. كل هذه الإجراءات قد تحقق زيادة الطاقة الإنتاجية لدول "أوبك"، وبالتالي تحافظ على استقرار أسواق النفط العالمية.