للأسف .. طبيعة القضايا العقارية تستوجب التأخير

<a href="mailto:[email protected]">yafarraj@hotmail.com</a>

هل هناك تأخر في الفصل في القضايا لدى الجهات القضائية في المملكة؟ فيما يتعلق بالمحاكم يمكن لي الإجابة – كوني من القضاة فيها – بأن هناك شيئا من التأخير في الجملة, ومن المغالطة الادعاء بأن الوضع طبيعي وأن القضايا تنتهي في الوقت المناسب, لكن هل الوضع سيئ إلى الدرجة التي يدعيها البعض مقارنة ببعض الدول مدعيا أن هناك بونا شاسعا بهذا الخصوص؟ نعم سأكون متهما كوني أنتمي إلى الجهاز القضائي, إلا أن ما يجب أن يقال إن الوضع في المحاكم لدينا ليس سيئا بل يمكن مقارنته بالكثير من الدول المتقدمة في هذا المجال, وليس من الموضوعية في هذا الإطار أن يستحضر الشخص قضية له أو لأبيه أو لجاره ويحكم على الوضع من خلالها مع تقديري الكبير لمشاعر الجميع ومعاناة البعض في المحاكم.
ما أعنيه هو أنني اطلعت على سير الأعمال في بعض الدول الأوروبية والأمريكية والعربية وأستطيع بكل ثقة أن أقول إن الوضع لدينا ليس سيئا كما يظن البعض, وكأني ببعض القراء يتمتم قائلا إذا كان هذا الوضع ليس سيئا فما هو الحال في الدول التي تتأخر جهاتها القضائية في الفصل في القضايا؟ كنت أريد أن أصل إلى هذا السؤال لأقول: يا سادة يا كرام طبيعة القضاء تستوجب التأخير, فليس القضاء من الخدمات المجردة التي تتوقف على إكمال بعض الأوراق والتأكد من صحتها أو توصيل خدمة من الخدمات المتوقفة على أمور مادية بحتة, القضاء فهم "... ففهمناها سليمان ", القضاء معادلات عقلية يجريها القاضي في ذهنه مستعينا بما قدمه الأطراف من بينات, وهذا لا وقت له بل يتوقف على مدى تحقق القناعة لدى القاضي بالحكم, وبالطبع لا يعني هذا أن يترك الأمر للقاضي كيف شاء, بل يجب عليه السعي إلى إنهاء القضية في أسرع وقت وهو منصوص الأنظمة والقواعد الشرعية قبل ذلك.
ويمكن القول تدليلا على أن طبيعة النظر في القضايا هو التأخير وأنه موجود في الدول المتقدمة قبل الدول النامية بأن " التحكيم" إنما انتشر بقوة وصارت له المراكز الكثيرة وتخصص به الكثير واتجهت له الشركات الكبرى, كل هذا إنما حصل في تلك الدول, ومن المعلوم أن التحكيم هروب مشروع من القضاء الرسمي, ومهما قيل من مزايا له فإن السبب الحقيقي هو الهروب من إجراءات المحاكم وتعقيداتها.
صدرت المقال بأنه لا يمكن إنكار وجود التأخير لدينا فما أسباب ذلك؟ في رأيي أن من الأسباب: قلة القضاة نسبيا, وقلة الوعي لدى المترافعين وللأسف لدى بعض المحامين الذي يقلل من هيبة القضاء وأوامره, ومن ذلك التخلف عن حضور الجلسات وتنفيذ الأحكام, وأرجع وأقول: وطبيعة النظر القضائي, فالقضايا الزوجية مثلا هناك قصد في التروي فيها والتحقق من المصلحة هل هي إرجاع الزوجة لبيتها أو الطلاق أو الخلع أو الفسخ ,يراعى في ذلك مصلحة الأسرة والأطفال إن وجدوا وحقوق الطرفين , واستحضار الضغوط المفروضة على بعض الأطراف والحالة التي يعيشها الطرفان الزوج والزوجة والتي قد تفقدهما تحديد مصلحتهما بقدر ما يسعى كل واحد منهما إلى كسب القضية والانتصار للنفس , وهذا التروي يعبر عنه البعض بالتأخر. أيها الكرام: لا يستوعب صعوبة القضايا الزوجية وخطورة الاستعجال فيها - مع احترامي للجميع - إلا القضاة , سيثير هذا الكلام البعض ولكن هو الحقيقة لمن فكر بموضوعية .
موضوعي عن القضايا العقارية, نعم للأسف طبيعتها تستوجب التأخر في الفصل فيها, وأمرها لا يخرج عما سبقت الإشارة إليه أعلاه, ولأنها في الغالب من غالي الأثمان فهذا يصعب الأمر في حالات كثيرة ويجعل البعض يستبسل في كسبها حتى ولو بالطرق الملتوية, ولدى آخرين فالعقار مثل العار كما يعبرون فيتعامل مع القضية كأنها من قضايا الشرف, أضف إلى ذلك : الحاجة إلى تطبيق الصكوك في بعض الأحيان وخروج لجان متخصصة , وطبيعة النظر القضائي .. إذا هل نحن بحاجة إلى دوائر متخصصة في الفصل في القضايا العقارية في إطار المحاكم؟ للمرة الثانية أقول : الوضع يستوجب ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي