ظاهرة تنتشر بين اليائسين وتبدد آمالهم في الحياة
تزايدت ظاهرة الانتحار في بلادنا بشكل أصبح يمثل قلقا كبيرا على مجتمعنا المسلم، وهي ظاهرة كانت إلى وقت قريب معدومة لكنها تضاعفت في السنوات الأخيرة، حتى إن في الفترة الأخيرة أصبحت هناك حالات انتحار من مراهقين من الجنسين، ومثلت حالات الفتيات المنتحرات في الفترة الأخيرة آلاما كبيرة لأسرهن، واختلفت التفسيرات لهذه الحالات المنتحرة، ولعل آخرها إحدى الفتيات التي أرادت الانتحار نتيجة سوء معاملة والدها كما ذكرت. وعموما ظاهرة الانتحار أصبحت هي الحل الذي يختاره كل من يعيش حياة مأساوية للأسف الشديد وهو ما يتعارض مع شريعتنا الإسلامية وتقاليد مجتمعنا، وفي هذا التحقيق نحاول مناقشة هذا السلوك الخطر على مجتمعنا.
لعل آخر إحصائية من كتاب الإحصاء السنوي الصادر من وزارة التخطيط الذي سجل تلك الإحصاءات ضمن إحصاءات أخرى تعنى بنشاط الجريمة، أن عدد الحالات التي سجلت في المملكة عام 2000م، بلغت ما مجموعه 596 حالة انتحار بزيادة 320 حالة عن عام 1997م، فقد سجلت الشرقية 239 حالة من إجمالي 596 حالة في المملكة، وجاءت بعدها منطقة الرياض 102 حالة، ثم منطقة مكة المكرمة 77 حالة، القصيم 50 حالة، عسير 47 حالة، المدينة المنورة 16 حالة، جازان 14 حالة، الجوف 13 حالة، تبوك 11 حالة، نجران 10 حالات، حائل 9 حالات، الحدود الشمالية 5 حالات، وأخيرا الباحة 3 حالات.
الظاهرة بين الشباب والفتيات
وننتقل إلى الفئة صاحبة الأكثرية في هذه الظاهرة وهم فئة الشباب والفتيات، حيث يتحدث الشاب متعب الشمري عنها بقوله "للأسف الشديد أن هذه الظاهرة أصبحت تهدد المجتمع وفي الفترة الأخيرة لمسنا أنها تصدر من بعض الشباب والفتيات ونأمل من أولياء الأمور أن يحسنوا تعاملهم مع الأبناء لأن ذلك أحد الأسباب الرئيسية لحالات الانتحار". ويؤكد محمد شامي الشاردي أن هناك أمراضا نفسية تسهم في وقوع حالات الانتحار في المجتمع نتيجة سوء التعامل معهم في المجتمع وتأثرهم بذلك، إضافة إلى وجود حالات يأس لدى بعض المنتحرين تجعلهم يلجأون إلى الانتحار.
وفي الجانب الآخر تقول مريم عبد الله "إن وقوع حالات انتحار من قبل بعض الفتيات ربما يعود إلى وقوعها في حالة اضطهاد وسط أسرتها أو ارتكابها بعض الأخطاء غير الأخلاقية فتريد التخلص من بقائها في المجتمع نظرا للنظرة الدونية لها من قبل الآخرين فتكون النتيجة قيامها بالانتحار".
وقالت مها الحربي "إن من الخطأ عدم متابعة الأبناء ومراعاة نفسياتهم حتى لا يصدر منهم أي تصرفات غير معلومة، كما أن البعد عنهم له نتائج سلبية فلا بد مثلا أن تحرص الأم على أن تكون قريبة من بناتها، والتعرف على كل صغيرة وكبيرة تجاههم ومحاولة الاهتمام بهم، لأن فقدان ذلك يجعل الابن أو البنت ألعوبة في يد الآخرين فيقع ما لا يحمد عقباه من انتحار وغيره، فلا بد على المرأة أن تتنبه لهذا الجانب ولكن إذا كانت فاقدة لذلك في نفسها فقل على الأسرة السلام، ونتمنى أن تختفي حالات الانتحار ويحتاج ذلك إلى الكثير من العمل لتوجيه الجنسين".
أولياء الأمور يتحدثون
وكان لابد للطرف الموجه إليه الاتهام بالتقصير وهم أولياء الأمور أن يقولوا كلمتهم، حيث تحدث محمد عبد الرحيم بقوله "دون شك إن أولياء الأمور عليهم مسؤولية كبيرة في تجاه الأبناء وقد يرتكب البعض منهم أخطاء مع الأبناء وذلك لعدم تواءم التفكير وينتج فعلا بعض الأخطاء لكن يجب على الأبناء والبنات أن يلجأوا إلى الله في أي مصيبة تواجههم لا أن يلجأوا إلى الانتحار المحرم شرعا من رب العالمين".
وتقول أم صالح الحمدان أن "المؤلم حقا أن نرى هذه الأفعال المؤلمة التي تصدر من أبنائنا وفلذات أكبادنا، والتي تدل على تأثرهم بحالات أخرى لم تكن في الحسبان، وهي ربما تكون وسائل إعلام مختلفة أو قرناء وقرينات سوء ولذلك فإن من المهم أن تتم مناقشة أبنائنا ومعرفة كل ما يضايقهم ولا نجعلهم فريسة الأصدقاء غير الجيدين فينتج عن ذلك وقوعهم في الحالات التي لا تسر، لذا فإن الواجب توعية الأبناء والاهتمام بهم ومعاملتهم المعاملة الحسنة المثالية، ومحاولة إبعادهم عن شبح الانتحار، والعمل على تحفيزهم وتفقيههم وتحذيرهم من الوقوع في براثن الأفكار غير الجيدة وخصوصا في ظل هذه الأجواء غير الطيبة التي تهيئ الأبناء للوقوع في الجرائم".
وأوضح الشيخ محمد المنجد الداعية الإسلامي المعروف أن الانتحار جريمة كبرى وسوء خاتمة، فالذي يقتل نفسه فرارا من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو نتيجة انفعال وغضب، يعرّض نفسه لعقوبة الله، فقد قال سبحانه وتعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا"، وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسُم فسمّه في يده يتحساه في نار جهنم ..." الحديث فما، وقال عليه الصلاة والسلام: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرّة من إيمان"، وأضاف إن المسلم مهما وقع تحت ضغط نفسي أو كربة شديدة فإنه لا يمكن أن يقدم على قتل نفسه لأنه يعلم أن عاقبة ذلك هي النار والعذاب الأليم كما قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بحديدة فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ - يطعن - بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا" رواه البخاري 5778.
وتجويع الشخص نفسه بامتناعه عن الطعام إلى درجة الموت هو نوع من الانتحار والقتل المتعمد للنفس وكيف يقدم مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر على الانتقال من عذاب في الدنيا إلى عذاب أشد وأنكى وأطول في الآخرة، إن هذا لا يفعله عاقل، ثم من أجل أي شيء ؟ سواء كان من أجل امرأة أو أي أمر آخر متعلق بحياته والصبر من الأمور المعينة "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" و "سيجعل الله بعد عسر يسرا" وعلى من يصيبه هم أو غم أن يلجأ إلى الله وذكره مما يُسكن النفس ويعيد لها الثبات، والله المسؤول أن يفرج الهم وينفس الكرب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من جهته قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن المنتحر وهو القاتل لنفسه من أهل الكبائر قالوا: الذي يقتل نفسه أو يقتل غيره متوعد بالوعيد الشديد، جاءت الأحاديث بأن من قتل نفسه يعذب يوم القيامة، وأن من قتل نفسه بسكين فهو في نار جهنم يجأ بها بطنه، ومن قتل نفسه بسم فهو يتحساه في نار جهنم، ومن قتل نفسه بالتردي من جبل وغيره فهو يتردى في نار جهنم، وهذا عند أهل العلم من الوعيد، إن كان استحل هذا، ورأى أنه حلال هذا يكون كفرا، أما إن لم يستحله فهو من الكبائر له حكم أهل الكبائر، لا يخرج من الملة، لكن عليه الوعيد الشديد، نعم. وطبعا إذا كان معه عقله فهو طبعا مكلف، هذا فيؤاخذ، أما إذا كان غير مكلف ثم قتل نفسه، هذا غير مكلف، لكن الواجب على وليه أن يلاحظه وألا يهمله، وألا يترك في يده شيئا يقتل به نفسه.