المسؤولية الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال .. "الاتصالات السعودية" نموذجا
لن أكون ملكا أكثر من الملك كما يقال، وبالتالي لن أقول إنها خطوة كانت متوقعة من قبل "الاتصالات السعودية" يوم أن أعلنت قبل فترة أنها تبرعت بمبلغ 100 مليون ريال لتطوير وبناء مستوصفات ومراكز طبية في المملكة تابعة لوزارة الصحة. طبعا هناك مبادرات سابقة سواء لشركة الاتصالات نفسها أو لشركات أخري منها سابك وبعض البنوك. ولكن طبيعة المبادرة وكذلك حجمها يعتبران مميزين والأولين من نوعهما.
والمسؤولية الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال في تصوري موضوع مغيب تماماً رغم أن الدولة ولعقود كانت البقرة الحلوب لرجال الأعمال السعوديين وغير السعوديين، ولكن بعض رجال الأعمال هم رجال أعمال للأخذ فقط ومن جانب واحد. وحتى عندما حاولت الدولة العمل على بعض الإصلاحات الهيكلية قامت ثورة وظَف لها رجال الأعمال كل الأدوات الممكنة لوقف تلك الإصلاحات التي لا بد منها وليست خيارا حتى للدولة نفسها.
والذي يجب أن يعلمه رجال الأعمال والشركات والدولة أن القطاعات الاقتصادية لم يعد فيها مجال كبير لحرية التنظيم والتشريع، حيث العنصر الأجنبي أصبح فاعلا بشكل واضح ويزداد نفوذه تدريجيا مع مرور الوقت بسبب التزامات منظمة التجارة العالمية، وبالتالي سوف نضطر لأن نكون في مستوى المسؤولية، ليس بروح النظام ولكن بروح المصالح الدولية التي تزيد تداخلا وتعقيداً يوما بعد يوم.
وعودة لموضوع المسؤولية الاجتماعية، نقول وهنا نعمم ولا نخصص، بمعنى أن التعميم يعني الأغلبية وليس الجميع، لأنه وبكل أمانة هناك من رجال الأعمال الذين خدموا الوطن والمجتمع بكل مسؤولية ومنذ عقود. لقد تغيبت الشركات ورجال الأعمال الذي أثروا من تراب الوطن بدون ضرائب وبدون التزامات عليهم لعقود طويلة، وحان الوقت لهذه الشركات ورجال الأعمال لأن يبدأوا في التفكير بشكل مختلف عن السابق، وليعلموا أن هناك مسؤولية اجتماعية عليهم جميعاً، تجاه بلدهم وديارهم. والسبب ليس فقرا في الدولة، ولكن ذلك هو جزء من رد الجميل ونظام الحياة سواء للشركات أو الأفراد.
وفي تصوري أن قضية المسؤولية الاجتماعية مغيبة تماماً من التفكير المحلي لعدد من الأسباب، ولكنها الآن بدأت تصبح أكثر إلحاحا خصوصا مع مبادرات الشركات الضخمة مثل شركة الاتصالات السعودية بإدارتها الجديدة سواء في مجلس الإدارة أو في الإدارة التنفيذية. ومن تلك الأسباب التي ساعدت على تغيب المسؤولية الاجتماعية أن المنظور الاجتماعي كان ينظر لتلك المبادرات على أنها إحسان وتصدق وليست مسؤولية اجتماعية على تلك الشركات وواجب وطني وعلى رجال الأعمال أيضا، وهو الأمر الذي قد يكون فيه بعض الحساسية من قبل القطاعات الحكومية كوزارة الصحة في تقبل مثل تلك المبادرات. كذلك لم يكن هناك دافع مالي لدى الشركات ورجال الأعمال مثل الضرائب حتى يحاولوا تلافيها من خلال المشاركات الاجتماعية في بناء المستشفيات والمدارس والأعمال الخيرية. أيضا قد تكون السياسة العامة غير متحمسة لهذه الفكرة في السابق نتيجة الفلسفة الاقتصادية التي كانت قائمة في السابق والتي تطورت كثيرا مع التطور العام للاقتصاد السعودي. ونقطة أخيرة في أسباب عدم بروز هذه المسؤولية الاجتماعية في السابق، وهي الفكر الإداري الذي يقود الشركات ويقود رجال الأعمال في السابق والذي لم يكن في مستوى العمق الاجتماعي والدور الاجتماعي الذي يمكن أن تلعبه الشركات ويلعبه رجال الأعمال.
لذا نشكر إدارة شركة الاتصالات ومجلس إدارتها على هذه المبادرة الرائعة التي آمل أن تتبعها مبادرات أخرى من شركاتنا الوطنية ورجال أعمالنا والذين كانوا على الدوام في رعاية الدولة وفي حمايتها، وأعتقد أن الوقت حان لأن يرد رجال الأعمال والشركات جزءا من الدين للوطن باختلاف الجهات التي تعمل فيها سواء للقطاع الصحي أو القطاع الاجتماعي أو قطاع التعليم. وبنظرة عامة إلى كافة الأمم المتقدمة نجد أن الحياة العامة تسير وفق هذه المسؤولية الاجتماعية بين أطراف المجتمع وليس في اتجاه واحد وهو الأخذ دون رد. والحياة كما تعلمنا هي أخذ وعطاء وتبادل للمنافع بين أطراف المجتمع سواء أفرادا أو مؤسسات أو شركات. وبدون الوفاء والاعتراف بالجميل فإن هذه المسؤولية الاجتماعية لن تكون محل نظر. ومن التجارب الحديثة، أن بيل جيتس مؤسس وأحد أكبر ملاك شركة مايكروسوفت استقال أخيرا من عمله ليتفرغ لإدارة أكبر مؤسسة خيرية أسسها في العالم، من ماله الشخصي اعترافاً منه بحق المجتمع والأمم عليه، وقبل ذلك كان يتبرع ويساعد في أعمال ومسؤوليات اجتماعية داخل أمريكا وفي أنحاء متفرقة من العالم حتى وصل في بعض السنوات إلى 400 مليون دولار أمريكي. فأين نحن كشركات ورجال أعمال من تعاليم الدين الإسلامي قبل المنطق والعقل وتقليد الآخرين، وهل يمكن أن تكون مبادرة شركة الاتصالات بداية الاعتراف بالتقصير من قبل باقي الشركات ورجال الأعمال والبدء في المبادرات الإنسانية والاجتماعية بعيداً عن منطق التسويق والمصالح الشخصية. فشكراً لـ "الاتصالات السعودية" وشكراً لإدارتها. إذاً فلنفكر سويا في مجتمع متكافل وعملي ليس بأسلوب الصدقة والإحسان فقط ولكن بأسلوب التنمية للجميع ويتحملها الجميع.