رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إحياء المجلس الأعلى للتخطيط حلقة مفقودة في النظام الوطني المتكامل

<a href="mailto:[email protected]">Alfaizdr2@yahoo.com</a>

نعيش هذه الأيام بشرى الخير, خاصة المشاريع العملاقة في المناطق: الشرقية, حائل والقصيم, والبقية تأتي. وهي مشاريع كبيرة وفوجئنا بها لعدم وجود التخطيط المسبق وقد تتعارض مع الخطط الحالية ويصعب علينا في الوضع الحالي وأمام التعقيدات والبيروقراطيات أن نحصل على النتائج المرجوة منها. فقد دأبت قيادتنا الحكيمة على وضع سياسات التخطيط الوطني ضمن الخطط الخمسية للتنمية, وهي خطوات لا غبار عليها وأدت إلى معظم النتائج والأهداف المنشودة منها. إلا أن هذه الخطط كانت تنوء بثقل الأجهزة الإدارية المترهلة وغير المؤهلة للتنفيذ والتمشي مع تلك الخطط وأصبحت بعض المجهودات والنتائج مركونة على الأرفف يأكلها التلف. وإحساساً من الدولة بهذه المعضلة وعدم قدرة هذه الوزارات على مجابهة التحدي العالمي بدأت الدولة في خطوات بناءة وبدوافع قيادية مخلصة للتخلص من البيروقراطية وتقليص تكاليف بعض الأجهزة الحكومية المتكاهلة والمترهلة, التي تثقل كاهلها للتحول إلى نوع جديد من إعادة التشكيل الحكومي Re-shapeing Government, وذلك بالتوجه إلى إيجاد بديل عن الوزارات, وذلك بالتركيز على الهيئات والمجالس والأمانات العليا, وهي أجهزة مرنة تتميز بوجود كوادر وطنية مشهود لها بالخبرة والتميز مهنياً، يديرها جهاز وظيفي وتشغيلي أصغر بمراحل مما تزخر به الوزارات والمؤسسات الحكومية الجامدة تحت تأثير مركزية القرار والروتين والوراثة بالأقدمية أو التبعية بدلا من الأحقية الإنتاجية أو العملية والعلمية.

ومن منحى آخر نجد أننا نفتقد تطبيق أهم مبادئ التخطيط الوطني السليم بمستوياته الثلاثة: الوطن, الإقليمي (المناطق), والمحلي, والمترابط مع المجتمع والسياسة وتطبيق مبادئه وأساليبه المعروفة مثلا, على سبيل المثال, تطبيق نظام INPUT OUTPUT MODEL الصناعات الأساسيةBasic& Service Economies وما تدره من فرص عمل من خلال الصناعات الخدمية والمساندة التي تتبعها. وما توفره تلك الصناعات من فرص عمل تلقائية تساعد على تشجيع السعودة Multiplier Effect. وكذلك تجاهلنا أهم القطاعات الاقتصادية التي تكون البنية التحتية لأي اقتصاد وطني وهي قطاع تنمية مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة SMALL BUSINESS DEVELOPMENT بدلاً من الاحتكار وسيطرة الشركات الكبيرة, التي تعتبر من أنجح الوسائل المطبقة عالمياً لتوسيع الطبقة المتوسطة من المجتمع وبذلك يسود الاستقرار الاقتصادي وتكافؤ فرص الكسب على شريحة واسعة من المجتمع بدلاً من تركزها على مجموعة معينة من أفراده.
يكثر اللوم على الدولة ولكن مشاكلنا وتعطيل مصالحنا يأتيان منا كمواطنين في عدم احترامنا بعضنا البعض. فنحن نراجع موظفين ومسؤولين, هم مواطنون مثلنا ولكنهم لا يعبروننا بل يعطلوننا (ما أدري، راجعنا بكرة، راح بجيب أولاده، طلع يشيش..), غير عابئين بتوجيهات ولاة الأمر بعدم تأخير مصالح الموطنين واحتياجاتهم, التي لن تنجز على أيدي من هم متسيبون أو غير أكفاء لهذا العمل. فكيف يمكننا أن نتقدم وننافس في الوقت الذي نجد فيه أن معظم الوظائف, خاصة القيادية ما زال ينام عليها ومنذ أعوام بعض المسؤولين الذين يورثونها لأبنائهم أو أقاربهم غير الأكفاء, الذين ليس لديهم الوطنية والإخلاص الكافيان لترك ذلك المنصب لمن هم أجدر وأكفأ منهم.
وجاء تأكيد خادم الحرمين الشريفين لدعوة الاستثمار الأجنبي وما بينه من إصلاحات وتعديلات هيكلية على أنظمة الاستثمار والضرائب والقضاء وما يتبعه من تنظيم السوق المالية وغيرها من الإصلاحات ليفرض علينا إعادة النظر في مدى قابلية نظام الدولة ككل ومدى وعينا كمواطنين لتفعيل هذه القرارات. وهي جزء من مسؤولية المجلس الأعلى للتخطيط, وقد يكون عدم نجاح تلك المجالس لعدم وجود التنسيق والتخطيط المسبق الذي عادة يقوم به المجلس الأعلى للتخطيط. وهو مجلس كان موجوداَ قبل 40 عاما وتم إلغاؤه. وقد يكون السبب عدم وجود القدرات التخطيطية الوطنية أو عدم نضوج المجتمع ووعيه حينها بأهمية المجلس.
فالمجلس الأعلى للتخطيط يقوم بالتخطيط الاستراتيجي والتنسيق لوضع نظام وطني شامل متكامل الحلقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تكون العمود الفقري لجميع الأنظمة والقرارات والذي يضمن ترابط تلك الأنظمة وردها على بعضها بعضا هي إحدى السمات المفقودة لدينا. وقد أوضحت ذلك في عدة مقالات سابقة وحاولت شرحه في أكثر من موقع أو اجتماع ولكني لم أجد الوعي المطلوب لفهم تلك المعضلة. واليوم سأحاول طرح أمثلة لشرح ذلك المفهوم وأهميته في تشخيص المشكلة ومدى التوفير المتضاعف والمتشعب للدولة والمواطنين. فالتخطيط لإيجاد النظام الشامل هو سلسلة من الأنشطة والخطوات التي تسير وفق برامج زمنية اقتصادية واجتماعية وسياسية مترابطة بهدف الحصول على تكامل اقتصادي مربوط بشقيقتيه الأخريين الاجتماعية والسياسية بهدف بناء مجتمع حضاري متناسب مع المعطيات الوطنية وتقاليد المجتمع وطموحاته السياسية. وهو علم متشعب ومترابط ويزعم كل أنه يعرفه بينما لا يفهمه إلا القليل.
والتخطيط الشامل والمتكامل, إضافة إلى دوره وأهميته كنظام للدولة فهو أداة لتحديد نقاط الضعف والعيوب وكشف بعض المشاكل الظاهرة التي تقبع وتختبئ في مواقع لا نراها. فعلى سبيل المثال مشكلة الاختناقات المرورية نعتقد أنها مشكلة المرور أو وزارة النقل أو الأمانة, بينما قد يكون الحل وبكل غرابة لدى وزارة التربية والتعليم, فمن يصدق ذلك؟! وهذا ما يعنيه النظام المترابط والشامل. فمعظم مشاكلنا عندما نحاول حلها فإننا نولد مشاكل لجهات أخرى والعكس.
إن ما يعانيه الجميع من مشاكل ازدحامات المرور, إضافة إلى إرهاقه وتكلفته للعديد من الجهات الحكومية مثل إدارة المرور ووزارة المواصلات ووزارة النقل والأمانة كما تعاني من حوادثه وزارة الصحة والكثير من الأسر بسبب الحوادث والتلوث البيئي (الهيئة العليا للتلوث البيئي) وتخصص كل منها ميزانيات ضخمة لذلك, فلو جمعنا ما يتم تخصيصه من كل جهة حكومية كميزانية لمعالجة الازدحامات من خسائر في الأرواح وإصابات ورواتب ضباط في المرور والشرطة وسيارات ومصروفات وقود وإدارة وأسرة وغرف إسعاف وأطباء للحوادث وأدوية وعلاج وأعمال صيانة للطرق وتكبير رقعة المدينة بالورش من كثرة الحوادث, وصرفنا جزءا منها على المشكلة الحقيقية وهي تقاعس وزارة التربية والتعليم في العقود الماضية في التوفير غير المصيب لميزانيات التعليم بدلاَ من الرفع من مستوى المعلمين ومباني المدارس الحكومية العامة داخل الأحياء كماً وكيفاً. وبحيث يمكنها منافسة المدارس الخاصة أو على الأقل أن يكون هناك مستوى مغر يشجع سكان الحي لتسجيل أبنائهم في مدارس الحي. وبذلك سيقوم الطلاب بالمشي إلى المدارس القريبة من منازلهم داخل الحي بدلاً من مزاحمة الآخرين في ساعات الذروة صباحاً وظهراً لتوصيل أبنائهم إلى مدارس خاصة في أحياء بعيدة لخف جزء كبير من الازدحامات والحوادث المرورية, التي أيضاً تكبد المرور ووزارة الصحة تجهيزات مكلفة لمعالجة المصابين ومشاكل التلوث البيئي. إضافة إلى أن هذا الحل له تبعات إيجابية لا تحصر أهمها التوفير في الإنفاق القومي بتقليص الاعتماد على السائقين ومشاكل تلك العمالة ومصروفاتها وأمراضها على المجتمع, وتقليل استيراد السيارات وتخيف نسبة الحوادث والوفيات والتلوث. كما أن الإنفاق في التعليم والصحة له فوائده غير المرئية حالياَ ولكنها مثمرة مستقبلياَ لبناء جيل المستقبل وهما أهم جانبين لا يمكن لأي دولة أن تستخسر الإنفاق أو المساومة فيهما.
لذلك فإن وجود نظام شامل سيساعد على كشف تلك الثغرات وهي كثيرة وتشمل ازدواجية تقديم الخدمات الطبية بين وزارة الدفاع ووزارة الصحة أو ازدواجية تقديم الدراسات الجامعية بين وزارة التعليم العالي ووزارة العمل ممثلة في التعليم الفني الذي أصبح جامعة أخطبوط داخل وزارة, وقد يأتي اليوم الذي تنخرط فيه وزارة التعليم العالي تحت مظلة التعليم الفني, ناهيك عن منافستها استثمار القطاع الخاص في هذا المجال.
وإيجاد مثل هذا النظام يكون مربوطا بأحد الأنظمة المتكاملة التي تربط حلقاته مثل نظام الضرائب (نظام إسلامي مركب من الزكاة والأوقاف والخراج والرسوم) الذي يشكل أهم الأنظمة التي توفر معظم المعلومات عن المواطن والشركات والدخل العام ومنها تشتق جميع الموشرات الاقتصادية والاجتماعية.
وقد يكون العائق لمثل هذه الحلول مركزية وزارة المالية, والتي حتما سيعالجها النظام الشامل, فنحن مقبلون على توقيع اتفاقية التجارة العالمية التي ستجبرنا على ذلك شئنا أم أبينا. فلماذا لا نهيئ أنفسنا لذلك؟ وندرك أن التخطيط هو أساس الحل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي