الهند وباكستان .. المفاجأة الحقيقية في زيادة الطلب المستقبلي على النفط
لا شك أن النفط يعتبر العمود الفقري لاقتصاد دول الخليج العربي، ومعظم خطط التنمية في هذه البلدان تعتمد بالضرورة على أسعار هذه المادة الاستراتيجية، إذ إن النهوض بهذه الدول يعتمد على ميزانيات يتم تحديد معظمها على أساس تقدير أسعار النفط في فترات زمنية مختلفة.
إذاً فالدراسات العلمية المبنية على أسس صلبة والتي تحاول قراءة أسعار النفط المستقبلية ولو بشكل تقريبي هي حجر أساس في نهضة هذه البلدان، وركن أساسي من أركان التنمية. فمثلاً عندما سقطت أسعار النفط عام 1998م إلى أقل من 12 دولارا للبرميل نرى أن خطط التنمية في هذه البلدان تأثرت تأثراً كبيراً بهذا السقوط، وعلى النقيض من ذلك في عام 2004م معظم هذه البلدان قدّرت ميزانياتها على أساس 18 إلى 20 دولارا للبرميل، وحدث في هذه السنة أن زاد سعر البرميل إلى أكثر من 36 دولارا.
التقدير المعقول لهذه الأسعار المستقبلية يساعد هذه الدول كثيراً على التخطيط السليم وتبني المشاريع الملائمة لفترتها الزمنية، وقد يحدد معرفة الطلب العالمي المستقبلي للنفط وجود مشاريع زيادة إنتاج الخام الباهظة التكلفة من عدمها. وكما هو معلوم فإن الأسعار العالمية للخام ترتبط مباشرةً بالعرض والطلب، إضافة إلى عامل رئيسي وهو الاستقرار العالمي والإقليمي الذي يؤمن تدفق هذه المادة الاستراتيجية بسلام لجميع أنحاء العالم.
جميع المؤشرات والدراسات الاقتصادية تدل على أن الطلب العالمي على الطاقة في ازدياد سنة بعد سنة، وذلك بداعي النمو الاقتصادي العالمي، ويبقى النفط هو العنصر الأهم في تأمين الكمية الأكبر من الطاقة العالمية.
وبناءً عليه فإن الزيادة في الطلب على الطاقة يعني زيادة الطلب على النفط الخام، والذي ترافقه بالضرورة زيادة كبيرة في أسعار الخام العالمي. ففي عام 2004م مثلاً سجل الخام (سلة أوبك) سعر 36 دولارا للبرميل، وبحلول 2006م نجد أن هذا السعر قد قفز إلى 60 دولارا بسبب الطفرة الاقتصادية العالمية والتي لم ير العالم مثلها منذ ثلاثة عقود وتعتبر الصين أحد أبطالها، حيث تعد المحرك للنمو الاقتصادي العالمي في ظل نمو اقتصادي قياسي.
فمن عام 2003م إلى عام 2005م حققت الصين نمواً قياسياً بلغ أكثر من 9 في المائة، ما يجعل اقتصادها الأسرع نمواً في العالم، حيث تزود العديد من بقاع العالم بالمواد الاستهلاكية والبضائع المختلفة المعروفة، وتستورد وتستهلك الكثير من الطاقة النفطية. ويبدو على الأرجح أن المارد الصيني لن يتعب على المدى المتوسط، فسوف يضاعف طلبه الحالي على النفط والبالغ سبعة ملايين برميل يومياً بحلول 2025م.
وقد تكون المفاجأة الحقيقية في زيادة الطلب المستقبلي على النفط من بلدان جنوب آسيا، ممثلة في الهند وباكستان، حيث إنه من المتوقع أن يزداد استهلاكهما للنفط بأكثر من 165 في المائة عما هو عليه عام 2006 مقارنةً بزيادة قدرها 10 في المائة فقط للدول الصناعية الكبرى في الفترة الزمنية نفسها.
وبحسب مصادر "أوبك"، فإن الطلب العالمي على النفط الخام سيزداد بثلاثين مليون برميل يومياً في الـ 19 عاما المقبلة ليصل إلى 113 مليون برميل يومياً بحلول 2025م، أي بزيادة قدرها 36 في المائة من الإنتاج الحالي.
وتعتبَر زيادة سكان العالم من الأسباب الرئيسية لزيادة الطلب العالمي على النفط، فمن المتوقع أن ينمو سكان العالم بنحو 1.4 مليار نسمة بحلول 2025م ليصل إلى ثمانية مليارات نسمة، ما يستوجب نموا كبيرا في خطط التنمية المختلفة.
والجدير ذكره أن النمو في إنتاج النفط سيأتي من الدول النامية، إلا أن نحو نصف الإنتاج العالمي للنفط ستستهلكه الدول الصناعية الكبرى، وهي دول الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، كندا، اليابان، وكوريا الجنوبية، حيث إن متوسط استهلاك الفرد من الطاقة في هذه الدول يساوي خمسة أضعاف ما يستهلكه الفرد في الدول النامية. ويعتبر قطاع المواصلات هو المستهلك الأكبر للنفط في هذه الدول، ويشكل في المحصلة سببا رئيسيا في ازدياد نمو الطلب العالمي على النفط.
وفي دراسة حديثة لـ "أوبك" أُشير إلى أن كل عشرة أشخاص يملكون ست سيارات في الدول الصناعية الكبرى، بينما في الدول النامية كل عشرة أشخاص يملكون نصف سيارة، وهذا بالإضافة إلى بنيتهم الصناعية الكبرى يفسر نمو الطلب العالي لهذه الدول على النفط.
<p><a href="mailto:[email protected]">skhattaf@hotmail.com</a></p>
* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات.