تطورات التعامل بالصكوك (1 من 2)
ازدادت الصكوك انتشاراً منذ بدأ العمل بها لأول مرة قبل عدة سنوات. بلال عقيل يتابع تطورات إصدار الصكوك ويناقش كيفية انتشار استعمالها في الخليج.
تمر أسواق المال الإسلامية بمرحلة من الازدهار- تدلل عليها الزيادة في استخدام الصكوك. وتبلغ قيمة الصكوك التي يتم إصدارها حالياً نحو عشرة مليارات دولار أمريكي، وينمو إصدار الصكوك بمعدل غير مسبوق. وتمت تغطية إصدارات الصكوك في الآونة الأخيرة في بعض الحالات بنسبة 150 في المائة، الأمر الذي يوضح ما تنطوي عليه هذه الأداة من إمكانات.
وتوصف الصكوك عموماً بأنها "سندات إسلامية". إلا أن هذا تعريف عام وفضفاض، ومن الأفضل أن تعرف بأنها شهادات استثمار إسلامية، (شهادة الصكوك) تمثل ملكية نفعية غير مجزأة لأحد الأصول الأساسية. ومن المهم الإشارة إلى هذا التمييز لأن الصكوك ليست بديلاً عن السندات التي تقوم على مبدأ الفائدة.
ويمكن للمؤسسات الإسلامية أن تستثمر عبر الصكوك بما يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية (القانون الإسلامي)، وهذا يعني تجنب دفع وتلقي فائدة ربوية (الفائدة أو مضاعفة المبلغ المستثمر دون وجه حق)، ويعني كذلك تجنب الغرر GHARAR (المقامرة أو تخمين النتائج المستقبلية)، ويعني أيضاً عدم الاستثمار في الأعمال المحرمة (المحظورة). إن أحكام الشريعة الإسلامية تشجع التجارة والحصول على عائد يجيزه القانون على رأس المال إذا كان الممول على استعداد لتقاسم المخاطر المترتبة على المغامرة التجارية.
وتحظر الشريعة الإسلامية كذلك المتاجرة بعقود الدين المبنية على حسم معين، كما تحظر عمليات تبديل العملات المباشرة (التي تنطوي على المخاطر والتخمين). وينبغي أن تتم إجازة هيكل كل معاملة من قبل مجلس من علماء الشريعة، وأن تكون المعاملة متمشية مع مبادئ التمويل الإسلامي.
المجلس الفقهي
فيما يتعلق بالصكوك، أصدر المجلس الفقهي في السعودية حكماً (بموجب القرار رقم 5 لعام 1988) يقضي بأن أي اقتناء للموجودات يمكن أن يكون على شكل كمبيالة أو شهادة خطية يمكن بيعها بسعر السوق، ولكن مجموعة الموجودات، الممثلة في السندات، تتألف في جزء كبير منها من أصول مادية وحقوق مالية، مع نسبة مئوية صغيرة فقط من الأموال النقدية والديون بين الأشخاص. ورغم أن هذا القرار غير ملزم، إلا أنه مهد الطريق لنمو الصكوك.
ولجأت إلى إصدار الصكوك في الآونة الأخيرة بعض الحكومات والشركات في منطقة الخليج العربي، باكستان، ماليزيا، وألمانيا. وقامت الحكومة القطرية بعملية كبيرة في عام 2003، حيث تم إصدار صكوك بقيمة 700 مليون دولار أمريكي، فكان ذلك أكبر إصدار للصكوك الحكومية، والأول من نوعه في بلد يطبق القانون المدني. ولم يتم أي إصدار أكبر من هذا إلا في عام 2004 حين أصدرت سلطة الطيران المدني في دبي صكوكاً قيمتها مليار دولار أمريكي.
وتلا ذلك سيل من التعاملات الكبيرة بالصكوك في عام 2004، حيث أصدرت شركة تبريد الإماراتية التي تتعامل بمعدات التبريد صكوكاً بقيمة 100 مليون دولار أمريكي، كما أصدرت ولاية ساكسوني - أنهالت الألمانية صكوكاً حكومية بالقيمة نفسها، وهذه أول معاملة تتفق مع أحكام الشريعة بالنسبة لمقترض أوروبي. وتنشط حكومة البحرين في إصدار الصكوك الحكومية، حيث بلغت القيمة التراكمية الإجمالية لما أصدرته من صكوك 1.13 مليار دولار أمريكي.
وفي عام 2005، أصدرت الحكومة الباكستانية صكوكاً قيمتها 600 مليون دولار أمريكي لتمويل مشروع طريق لاهور- إسلام أباد عبر إدراج هذا الإصدار في بورصة لوكسمبورج للأسهم، وكان ذلك الإصدار هو الأكبر في بداية العام. وتبع ذلك إصدار كبير آخر للصكوك من قبل الشركات، حيث قام مركز دبي للمعادن والسلع بإصدار صكوك قيمتها 200 مليون دولار أمريكي، مع إعطاء حاملي الصكوك خيار أن يدفع لهم بالسبائك الذهبية.
ويعتبر أحدث إصدار للصكوك في الإمارات أول إصدار من نوعه لخطوط الطيران. كما أن هناك الكثير من إصدارات الصكوك الأخرى في قطاع خطوط الأنابيب من جانب الدول أو الشركات في الخليج العربي، وباكستان، وإيران.
وتوجد أنواع مختلفة من الصكوك اعتماداً على طبيعة هيكل تمويل الموجودات الأساسية المرتبطة بشهادة الصكوك. فعلى سبيل المثال، هناك اختلافات بين صكوك الإجارة (الإيجار والتأجير)، والمضاربة (تقاسم الأرباح)، والمشاركة (المشاركة في الأسهم) وصكوك الاستصناع (البيع المشروط للأشياء التي سيتم تصنيعها). وتستخدم صكوك الإجارة في قطر، باكستان، والبحرين.
ويركز هذا المقال على نماذج صكوك الإجارة، والاستصناع، مع ملخص لأبرز المسائل المتعلقة بالشريعة والقانون التي تنشأ عن هذه التعاملات، كما أنه يلقي الضوء على الإصدارات الأخيرة للصكوك.
صكوك الإجارة
تشبه الإجارة عقد التأجير محدد المدة الذي ينتقل فيه حق الانتفاع بملك معين من صاحبه إلى شخص آخر مقابل مبلغ معين. وبموجب أحكام الشريعة، هناك خطوط إرشادية ينبغي إتباعها حتى يصبح عقد الإجارة ساري المفعول. وعلى سبيل المثال، تقضي أحكام الشريعة أن يكون واجب التأمين على الملك موضوع العقد، وإصلاحه، وصيانته على المؤجر بصفته صاحب الملك، وأن يتحمل المؤجر خطر أية خسارة أو ضرر يلحق بالملك (شريطة ألا يكون ذلك ناتجاً عن إهمال المستأجر أو سوء تصرفه).
وفي حال تأخر المستأجر عن دفع قيمة عقد الإجارة، أجاز علماء الشريعة إدخال نص في عقد الإجارة يلتزم المستأجر بموجبه أن يتصدق بمبلغ غرامة التأخير، وذلك لتعويض الضرر الناجم عن التأخر في دفع أقساط الإيجار. وبموجب عقد الإجارة، يتم دفع قيمة الإيجار إما شهرياً أو كل ثلاثة أشهر، أو سنوياً، وبذلك فإنها توفر سيلاً من الدخل للصكوك.
ولكي تكون هذه الصكوك متمشية مع مبادئ الشريعة، يجب أن يتم ربطها بأحد الأصول أو الموجودات إذا ما أريد لها أن تكون قابلة للتداول. وعلى سبيل المثال، من الشائع أن يتم تدعيم هذه الصكوك بعدد من عقود الإجارة (صكوك الإجارة) تناط بموجبها الملكية النفعية لهذه الأصول بمن يحمل الصكوك.
ولا يمكن أن تربط الصكوك (إذا ما أريد لها أن تكون قابلة للتداول) بعقود إسلامية كعقود بيع المرابحة، لأن ذلك يخالف مبادئ الشريعة الخاصة بتداول الديون، ويدخل عنصر الغرر (عدم اليقين) إلى العملية. ولكن، بما أن صكوك الإجارة تمثل ملكية نفعية للأصل المؤجر، فإنه يمكن تداول شهادات الصكوك في سوق ثانوية بالقيمة الاسمية مقابل علاوة أو خصم.
وفي صك نموذجي للإجارة، يقوم البائع، سواء أكان هيئة حكومية أو شركة، ببيع موجودات معينة (أرض، مبان، آليات) بسعر محدود إلى جهة ذات غرض خاص. ومن أجل جمع التمويل المطلوب للاستحواذ على الموجودات، تقوم هذه الجهة بإصدار شهادات صكوك إلى المستثمرين (حملة الصكوك) بقيمة اسمية بمبلغ مساوٍ لسعر الشراء (متحصلات الصكوك). وبذلك، يحصل حملة الصكوك على حصة نفعية في أصول الجهة ذات الغرض الخاص.
ويتم تعيين هذه الجهة كمؤتمن ووكيل لحملة الصكوك (بمقتضى إعلان ائتمان)، وتحتفظ بالأصول على سبيل الائتمان بالنيابة عن حملة الصكوك. ومن ثم، تقوم الجهة بتأجير الأصول (بموجب عقد للإجارة) إلى الشركة (المستأجرة) التي هي كيان منتسب إلى البائع، أو ربما كانت البائع نفسه. وتقوم الشركة بدفع أقساط إيجارية دورية للجهة ذات الغرض الخاص. وتكون هذه الدفعات عادة وفقاً لـِ LIBOR، بالإضافة إلى هامش ربح.
وتقوم الجهة ذات الغرض الخاص بتحصيل المبالغ الإيجارية وتوزيعها على حملة الصكوك بما يتناسب مع عدد الصكوك التي يحملونها. وفي نهاية مدة صك الإجارة أو تصفية أعمال أحد طرفي الإجارة، تقوم الجهة ذات الغرض الخاص ببيع الأصول إلى البائع بقيمة محددة مسبقاً.
وتم استخدام هذه الهيكلية في الصكوك التي أصدرتها في الآونة الأخيرة ولاية ساكسوني - أنهالت، والبحرين، والباكستان. وأصبحت صكوك الإجارة شائعة الاستعمال تقريباً، ويبحث الخبراء الماليون إيجار هيكليات مختلفة للصكوك، كصكوك الاستصناع والمشاركة.
صكوك الاستصناع
تستخدم هذه الصكوك لتمويل المشاريع، والمعدات الصناعية، وتصنيع مختلف البضائع الرأسمالية. وبموجب هذا التمويل، يتعاقد البنك (عبر جهة ذات عرض خاص في العادة) مع مشتر لتسليم الأشياء المتعاقد عليها في موعد لاحق في المستقبل، ويتحمل مسؤولية اكتمال المشروع (الاستصناع)، ومن ثم يعين مقاولين فرعيين لإنجاز المشروع تحت إشرافه، وذلك من خلال عقد منفصل (الاستصناع الموازي).
وبعد انتهاء المشروع، يتم تسليم موجوداته إلى المشتري الأصلي (أو الجهة ذات الغرض الخاص) الذي يترتب عليه دفع ثمن الشراء المحدد مسبقاً. ويشتمل تمويل هذه العملية على هامش ربح مشمول في ثمن الشراء وعادة ما يكون وفقاً لـِ LIBOR. ويمكن إصدار شهادات الصكوك على أساس التدفق المتوقع للمدفوعات.
وفي هيكلية صكوك الاستصناع/ الإجارة، تبرم الجهة ذات الغرض الخاص عقداً إما مع المقاول أو البائع من أجل المشروع، كما تبرم عقد إيجار مباشر مع البائع. ولذلك، تقوم الجهة ذات الغرض الخاص بإصدار شهادات صكوك لجمع التمويل اللازم للمشروع بموجب عقد الاستصناع.
ويتم استخدام متحصلات إصدار الصكوك التي تقبضها الجهة ذات الغرض الخاص في سداد مستحقات المقاول أو الشركة التي ستصنع وتسلم المعدات أو الآليات في المستقبل (الموجودات) التي ستصبح بعد ذلك ملكاً للجهة ذات الغرض الخاص لتتمكن من تأجيرها إلى الشركة (بموجب عقد الإجارة). وتدفع الشركة أجرة مقدمة حتى نهاية المشروع، وذلك اعتباراً من تاريخ التسليم. وتمثل صكوك الاستصناع/ الإيجارة التزامات دين، ولذلك، فهي غير قابلة للتداول بمبالغ نقدية تقل عن القيمة الاسمية في سوق ثانوية حتى يتم تسليم الموجودات.