المليك في القصيم:لا للتصنيف الفكري !
<a href="mailto:[email protected]">M_saif02@hotmail.com</a>
مرّ على الناس حينٌ من الدهر مازال جاثماً، كان فيه البعض وما زالوا يتراشقون بألفاظٍ وينعتون بعضهم البعض بألقابٍ تصنيفية فكرية، فأشغلوا أنفسهم وأشغلوا غيرهم في البحث عن معانيها ومضامينها، فانشغل المواطن في البحث عن معانٍ لألقاب ونعوت جديدة يسمعها ولم يكن له بها سابق عهد، من مثل: "ليبرالي" و"علماني" و"أصولي متطرف" وغيرها.
والراصد لتاريخ هذه "الألقاب" و "النعوت" الفكرية التصنيفية، يعلم أن المجتمع لم يكن له بها صلة أو معرفة، ولم ينشغل بها إلا بعد أن هيمنت وطغت على المجتمع الحركة التي اُصطلح على تسميتها بـ"الصحوة الإسلامية" وتمكنت من مفاصل التعليم والنشاط الاجتماعي والثقافي فيه، فعَمَد بعضٌ من قادتها وفاعليها إلى مثل هذه التصنيفات، ناعتين بها من لم ينضوِ تحت لوائها، ممن كان له نفوذ وظيفي يُخشى منه على الصحوة والصحويين أو نشاط ثقافي مضاد!
وكان من أوائل المفردات التي دخلت إلى "القاموس المحلي" وُنعت بها بعضُ المسؤولين أو المثقفين، ممن لم يكونوا على وفاق مع طوفان المدّ الصحوي، هي مفردة "ماسوني" التي شاعت وانتشرت في أواخر السبعينات والثمانينات، ورافقها في الفترة ذاتها، مفردة "حداثي" التي وسِمَ بها أغلب المنشغلين بقضايا الأدب والثقافة، ممن لم يكونوا من دعاة أو أنصار الأدب الإسلامي!
ومع أزمة الخليج، التي أطلّت برأسها عام 1990 هُجرت أو تكاد مفردة "الماسونية" وحلّت محلها مفردة أخرى، شاعت وانتشرت انتشار النار في الهشيم، وهي مفردة "علماني" لاسيما بعد أن خالف رموز الصحوة إجماع العلماء الحقيقيين حيال الكيفية التي تمّ من خلالها التصدي لرد العدوان! فهبّ آنذاك الغيورُ على وطنه الدكتور غازي القصيبي للرد على بعض قيادات ورموز الصحوة، فكانت حرباً سجالاً روِّج فيها لمصطلح "العلمانية" بشكل واسع، واتهم بها- أي بالعلمانية- كلُ من وقف ضد رموز الصحوة آنذاك. ومما ساعد في رواج هذا المصطلح الجديد تداول كتاب الدكتور سفر الحوالي، الموسوم بـ(العلمانية.. نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة) ثم محاضرته الإلحاقية المعنونة بـ(العلمانية في طورها الجديد)، حتى أن مؤلفاً سعودياً وهو الدكتور وليد الطويرقي ألّف كتاباً بعنوان (العلمانية في العراء) وهو كتاب تضمّن رداً على سلسلة (حتى لاتكون فتنة) التي طرحها القصيبي رداً على قيادات الصحوة. وإن مجرد قراءة عنوان الكتاب (العلمانية في العراء) كافية لمعرفة ما الذي يريده الطويرقي من كتابه!
غير أن الصحوة نفسها، لم تسلم! إذ حدثت فيها انقلابات وانحرافات، فتراشق الصحويون التُهم والنعوت، فجادوا بعدد من المفردات الجديدة، التي أُضيفت إلى القاموس المحلي، من مثل: "جامي" و "سروري" و "قطبي" و "مدخلي" وغيرها. ثم جاءت أحداث سبتمبر الشهيرة، المُنفذة من قبل "القاعدة" الصحوية، فكان أن أسهمت في غليان السنوات التي تلت أحداث نيويورك، مابين الصحويين أنفسهم، وما بين الصحويين ومخالفيهم، فكثر "العزل" الفكري وراجت التُهم، التي تُزجى بالمجان لعدد من المثقفين والمسؤولين، مرةً بتهمة العلمانية وأخرى بالتغريب والعمالة للغرب والتآمر على الوطن! مما جاء واضحاً وصريحاً في بيان الـ(61) الشهير.
ولأن الوطن لا يحتمل مثل هذه التصنيفات "غير المسؤولة"، ولأن المواطنين أجمعهم، مسلمون مؤمنون موحدون، فقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في حفل أهالي القصيم، شافيةً ووافيةً، تحمل مضامين سامية، مبيناً- رعاه الله- أن ما يحدث وما يمارسه البعض إزاء هذه التصنيفات، لا يتناسب مع تعاليم شريعتنا السمحة ولا مع متطلبات الوحدة الوطنية، ولم يفُت الوالد الحاني، وهو يعمل على ردم الهوّة بين المواطنين بمختلف آرائهم وأفكارهم، أن يؤكد إخلاص جميع المواطنين مخلصون لعقيدتهم ووطنهم، وهذا مما يدعو إلى تعميق وتكريس أُسس السلم الاجتماعي والتعايش الوطني، فالوطن يتسع للجميع.