الرياضة والسياسة
<a href="mailto:[email protected]">salehshahwan@hotmail.com</a>
يتعدى مونديال ألمانيا الراهن وما قبله وما سيأتي من مونديالات أخرى كونه مهرجانا دوليا لكرة قدم تتفا فرق الشعوب هذا مقابل ذاك، إلى كونه صناعة استثمارية ضخمة تدر مليارات الدولارات على مستوى العالم ويحالف الحظ من تتقرر عنده إقامة هذا المهرجان الكروي الكبير, لأنه من ناحية يسبغ إشادة تلقائية بالبلد وأهله ويطلق أفواه الكون في الدعاية له في كل مرة يتردد فيها اسم البلد المضيف للمونديال, ولأنه يقوم بتشغيل جميع مرافق وفنادق ومطاعم ومراتع وأسواق البلد بطاقاتها القصوى, وقل مثل ذلك في وسائل الاتصال والمواصلات والخدمات المصرفية والسياحة, ما يعني في نهاية المطاف طفرة اقتصادية تتعدى فترة المونديال إلى أثر ممتد في دورات اقتصادية لاحقة.
الإعلام والاقتصاد مظهران بارزان إلى جانب المنافسات الكروية نفسها, لكن هذا الحدث لا يخلو من السياسة. فهي تتسلل إليه عبر مشاحنات الحكام ومديري الفرق ومنسقي اللجان وصولا إلى رئيس السلطة العليا لهذا المونديال, وهو: الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، فاختياره يمر عبر مخاضات المساومات ومناورات الضغط من مراكز قوى متعددة من أجل أن تتسلم رئاسة "الفيفا" هذه الدولة أو تلك أو أن يأخذها ذاك بدلا عن هذا.
إلا أن "الفيفا" يظل حتى بعد الشد والجذب في تنصيب الرئيس المسؤول والأعضاء التنفيذيين المسؤولين عن هذا الاتحاد, تنأى بنفسها عن خلط الرياضة بالسياسة.
وحافظ على تلك النفحة الكونية الإنسانية من أجل جعل المونديال ساحة فن كروي فحسب يتفرج فيه العالم كله على فنون العزف بالأرجل والرؤوس والصدور ويشخصون بأبصارهم للأجساد البرقية الحركة تتنقل كالومضات ما بين طرفة عين وانتباهتها. كل بلد يسحره لون شعار فريقه فيمنحه البصر واليقظة والأمل بأن يكون فريقه سيد الجولة في كل مرة ليحظى بمجد الرياضة "كأس العالم".
هذا ما ينذر مسؤولو "الفيفا" أنفسهم له غير مصغين للغط السياسة ولا سجالاتها ومنابزاتها, لأنهم متفقون مع ما قاله الشيخ الراحل محمد عبده "ما دخلت السياسة شيئا إلا وأفسدته" ولأنهم جعلوا أنفسهم عريفي حفل العرس الكروي الكوني هذا، لذا لا تطرف لهم عين لكيلا يكدر هذا العرس شأن من الشؤون وفي مقدمتها السياسة.
غير أن الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان بدا كمن لا يريد أن يترك المونديال و"الفيفا" والجمهور لحالهم وقد نغص عليهم متعتهم بالبعد عن هموم السياسة وحزازاتها حين أعرب عن رغبته في أن يكون رئيسا لـ "الفيفا" عندما تنتهي فترة بقائه في المنظمة العالمية.
ولو كان عنان مثلا قد أبلى بلاء حسنا في سبيل خدمة السلام العالمي وحماية حقوق الإنسان بنزاهة وحياد, لربما رحب العالم بهذه الرغبة وتمنى له التوفيق في الحصول على منصب رئاسة "الفيفا" أما وقد كان في إدارته الصراع الدولي وتعقيداته رهين الإملاءات الأمريكية, يسير حيث تشير, فقد جانبته الحصافة فيما لو كان طموحه قد سول له أن يسعى لرئاسة "الفيفا", لأن الخيبة لا شك في انتظاره, خصوصا وهو الذي تهافت على البقاء في كرسي الأمين العام للأمم المتحدة, وتجرع مرارات الإهانات الأمريكية في إهماله الدائم له فكم إدارت أمريكا ظهرها لكل صلاحياته وقراراته واستهانت بها.. هذا التهافت الذي وظفته أمريكا لصالحها وجعلته "بصّاما" لما تريده.
بيد أن رؤساء "الفيفا" ليسوا على شاكلة السيد عنان فهم حريصون على تعظيم موارد هذا الاتحاد، وتكفي الإشارة إلى تصريح السيد "جوا فيلانج " رئيس "الفيفا" السابق الذي قال فيه عندما قدم استقالة من المنصب لخليفته بلاتر: "أفتخر بأنني أترك الفيفا وفي خزانته (19) مليار دولار" بينما فضائح الفساد المالي في المؤسسة الدولية التي يرأسها السيد عنان تزكم الأنوف.
لذا .. لا نظن عريفي حفل العرس الكروي العالمي السابقين واللاحقين ولا نحن سنكون ممتنين لهذا السجل غير المبجل للسيد كوفي عنان, وهو إن كان قد ضمن لنفسه كرسي المبنى الزجاجي في نيويورك فرياح "الفيفا" تجري بغير ما يشتهيه السيد عنان، لا لموقف شخصي من الرجل ولكن لأن "الفيفا" تعمل وفق مقولة الشيخ محمد عبده حتى لو لم يقرأها أحد هناك!!