5 أسباب تدفع العالم إلى زيادة الاستثمارات في الصناعة النفطية
تحدثنا في المقال السابق عن تضاؤل الطلب على زيت الوقود وتصاعد أسعار كلٍ من الجازولين والديزل ووقود الطائرات، حيث وصل الفرق بين سعر برميل زيت الوقود ومتوسط برميل الجازولين في حزيران (يونيو) 2006م إلى نحو 40 دولارا. في ضوء التغير الكبير في الطلب العالمي على المشتقات البترولية فقد أصبح لزاماً أن تتغير أيضاً الصناعات التكريرية، فظهرت المصافي الحديثة ذات القدرة التحويلية للمشتقات الكبيرة إلى مشتقات أصغر وأكثر أهمية, فالمصافي في العالم تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هو المصافي الأولية التي تحتوي على أبراج تقطير فقط تقوم على فصل المكونات المختلفة لبرميل الخام دون إحداث تغيير في المكونات الكيماوية لهذه الجزيئات. وهذا القسم من المصافي ينتج الكثير من زيت الوقود، إذ إن هذا الأخير جزء رئيس من مكونات الخام (وخصوصاً الخام غير الخفيف). وهذا النوع من المصافي موجود في إفريقيا وبعض دول آسيا.
القسم الثاني: هو المصافي الحديثة وهي مصاف تكميلية وتحويلية، حيث تحتوي على أبراج تقطير وعلى أجزاء أخرى تقوم بتحويل منتج زيت الوقود والمنتجات الثقيلة الأخرى إلى مشتقات أصغر، وأيضاً تقوم بتنظيف هذه المشتقات من الكبريت والنيتروجين ومن المكونات الأخرى الضارة للبيئة.
وتعتمد عمليات تحويل زيت الوقود أساساً على عمليات التكسير، وهي ببساطة تكسير الجزيئات الكبيرة ذات القيمة البسيطة إلى مكونات أصغر ذات قيمة أعلى. ويكون هذا التكسير إما حراريا فقط وإما حفزيا وإما هيدروجينيا (يعتمد على المواد الحفازة بوجود مادة الهيدروجين)، وكل تقنية من هذه التقنيات لها مميزاتها وأسباب بقائها. فيعتمد اختيار أي تقنية على نوعية اللقيم وعلى نوعية المنتج المراد إنتاجه، فمثلاً التكسير الحفزي يُعرف عنه إنتاج جازولين عالي الجودة، بينما التكسير الحفزي الهيدروجيني شهير بإنتاج الديزل. وأما التكسير الحراري فعادةً يستعمل في تكسير المواد الثقيلة جدا، وينتج عنه كربون صلب يستخدم في صناعة الألمنيوم والفولاذ، وأيضاً ينتج عنه غازات ومشتقات خفيفة مثل النافثا.
إذاً اختيار أي تقنية تكسير يجب أن تتم بعناية فائقة وذلك بدراسة اللقيم والسوق والمنتج، فمثلاً نظراً لحاجة الولايات المتحدة للجازولين نجدها قد تميزت بوجود تقنيات التكسير الحفزي، ويجب أن نذكر هنا أن الصناعات التكريرية التحويلية هي ليست بالصناعات المزدهرة في الشرق الأوسط، حيث إن الشرق الأوسط يحبذ تصدير الخام بدلاً من تصدير مشتقاته، وأيضاً كما أسلفنا سابقاً أن إنشاء المصافي الحديثة هو عملية باهظة التكلفة وتخضع لمستقبل وسوق متقلبين يتطلبان وجود بعض المخاطر في الاستثمار.
خلاصة هذه المقالات أنه توجد أسباب عدة تستدعي زيادة الاستثمارات في الصناعات النفطية وخصوصاً للدول المصدرة للخام وهي:
1) تردد الشركات النفطية في البلدان الصناعية الكبرى في الاستثمار في هذه الصناعة.
2) ازدياد الطلب العالمي على المشتقات البترولية بأنواعها ولا سيما الجازولين والديزل ووقود الطائرات.
3) اتساع الفوهة بين أسعار المشتقات الخفيفة والمتوسطة كالجازولين ووقود الطائرات والمشتقات الثقيلة مثل زيت الوقود لتصل إلى أكثر من 40 دولارا للبرميل.
4) النمو في إنتاج الخام، وهذا النمو قد يكون بالخام الأعلى كثافة ما يستدعي إلى عمليات تحويلية أخرى.
5) ازدياد القلق العالمي من الملوثات الناتجة عن النفط ومشتقاته وازدياد المعايير في تحديدها وتحجيمها.
في واقع الأمر نجد أن سياسة صناعة تكرير النفط في المملكة تمضي قدماً في هذا المضمار، فهناك الكثير من المشاريع القادمة لإنتاج المشتقات الخفيفة، وهذه المشاريع قد اُعلن عنها في مناسبات مختلفة مثل المصافي المزمع إقامتها مع شركة توتال الفرنسية في مدينة الجبيل بسعة 400 ألف برميل يومياً وكونوكو فيليبس الأمريكية في مدينة ينبع أيضاً بسعة 400 ألف برميل يومياً, هذا بالإضافة إلى التوسعات المقبلة للمصافي السعودية.
* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات
[email protected]