اختبارات القبول في الجامعات قد تنتشل التعليم من كبوته

<a href="mailto: [email protected]"> [email protected]</a>

المنافسة الشديدة على فرص القبول في الجامعات السعودية رفعت مستوى معدل الثانوية العامة المطلوب للحصول على قبول في الجامعة. وهذه النسبة في ارتفاع مستمر مع ازدياد الطلب على التعليم الجامعي بما يفوق كثيرا معدل النمو في المقاعد المتاحة، ما شكل ضغطا هائلا على طلاب المدارس الثانوية للحصول على أعلى درجات ممكنة دون اعتبار لحقيقة التحصيل العلمي، فالمتوسط الحالي لمعدلات خريجي الثانوية العامة مرتفع جدا مقارنة بمستوياته قبل 20 عاما، إلا أن كل قريب من العملية التعليمية يدرك أن المستوى التعليمي للطلاب خلال هذه السنوات كان في تراجع، ما يؤكد عدم مصداقية قياس مستوى الطالب من خلال معدله في شهادة الثانوية العامة، وأن هذه المعدلات أصبحت متضخمة بصورة لا تعكس بأي مستوى مقبول حقيقة حصيلته التعليمية، وأنه على خلاف ما قد يكون متوقعا لم ينتج عن شدة المنافسة أي تحسن في مستوى مخرجات النظام التعليمي في بلادنا.
فاعتماد معدل الثانوية العامة في معظم الجامعات السعودية معيارا أساسا في القبول، جعل معظم اهتمام المدارس الثانوية منصبا على رفع معدلات خريجيها كي لا يكون انخفاضها سببا في تضييق فرص القبول الجامعي أمامهم. لذا تتعمد معظم المدارس، والأهلية منها بشكل خاص، رفع مستوى درجات طلابها في الفصل الدراسي الأول وأعمال السنة من الفصل الدراسي الثاني لتقليل الأثر السلبي لأي أداء متدن يحققه الطالب في الامتحان النهائي للفصل الدراسي الثاني، بل يتداول أحيانا معلومات عن عمليات "تغشيش" متعمد للطلاب تنتشر بشكل خاص في القرى والبلدات النائية.
التنظيم الحالي لاختبارات الثانوية العامة، المتضمن إعداد وإدارة الاختبار مركزيا على مستوى السعودية، تم إقراره في وقت كانت أعداد المدارس الثانوية لا تتعدى العشرات على مستوى السعودية، بينما الآن توجد آلاف المدارس الثانوية التي تغطي كل قرية وهجرة. وفي ظل الدافع القوي لرفع درجات الطلاب، فإن إدارة هذه العملية بأي مستوى مقبول من الكفاءة أصبحت في منتهى الصعوبة، ما يجعل الخيار الوحيد المتاح هو التعامل مع شهادة الثانوية العامة كغيرها من مراحل التعليم العام الأخرى، بحيث تتحمل المدرسة نفسها مسؤولية اختبار طلابها، وهو ما سيكون ضروريا مع تطبيق أسلوب التقييم الشامل غير المعتمد على نتيجة السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية فقط، الذي بدأ تطبيقه هذا العام في بعض المدارس الثانوية، ويتوق تعميمه على جميع المدارس الثانوية بدءا من العام المقبل.
ما يخشى منه أن يكون كل ما يترتب على هذا التغيير هو مجرد تضخيم إضافي في درجات الطلاب لا أكثر، ولتفادي ذلك فإن الجامعات مطالبة فوراً بتخفيف الوزن الذي تعطيه لمستوى الطالب في الثانوية العامة، ووضع وزن أكبر لاختبارات القياس والاختبارات المتخصصة التي يجب على كل جامعة إجراؤها للمتقدمين لها. وأن تكون هذه الاختبارات متطورة وتعكس بدقة شديدة مستوى التحصيل العلمي والقدرة التحليلية للطالب المتقدم للجامعة، بحيث لا يستطيع الطالب أن يحقق مستوى عاليا فيها ما لم تكن حصيلته العلمية في مراحل التعليم العام مرتفعة. مثل هذا التعديل، يجعل تضخيم درجات الطلاب عملية غير ذات جدوى ما لم تكن مدعومة بمستوى تحصيل علمي حقيقي، وبقدر ما يفشل طلاب مدرسة معينة في تحقيق مستوى مقبول في اختبارات الجامعات بقدر ما يتضح المستوى الحقيقي لطلابها، ما يزيد من حدة المنافسة بين المدارس الثانوية لرفع المستوى التعليمي الحقيقي وبناء القدرات الفكرية والتحليلية لطلابها، فهو سلاحهم الوحيد لتحقيق مستويات أعلى في اختبار القبول في الجامعات، أما مجرد تضخيم الدرجات فقط فسيكون فضيحة أكثر من كونه ميزة تستقطب بها الطلاب.
مكاسب العملية التعليمية في بلادنا من ذلك ستكون كبيرة. فمن جانب، ستكون هناك عدالة أكبر في عملية القبول في الجامعات وستكون الجامعات مسؤولة مباشرة عن ضمان رفع مستوى مدخلاتها، ونجاحها في كل ذلك سيعتمد على دقة اختبارات القبول التي تضعها. ومن جانب آخر، ستضطر المدارس الثانوية إلى اتخاذ كل ما من شأنه رفع مستوى مخرجاتها التعليمية، فحقيقة هذا المستوى ستكون مكشوفة تماما من خلال اختبارات القبول في الجامعات، ما سيكون له بالغ الأثر في وقف التردي المستمر في مستوى مخرجات النظام التعليمي في السعودية. ولتفعيل هذا الأثر يمكن تكوين هيئة علمية على مستوى وزارة التعليم العالي تقارن معدلات خريجي كل مدرسة ثانوية بمستوى تحصيلهم في اختبارات القبول في الجامعات كل عام، يصدر على أساسه تصنيف سنوي للمدارس الثانوية في السعودية، يسترشد به ولي الأمر في اختيار المدرسة المناسبة لابنه أو ابنته، وتستفيد منه إدارات التعليم في تصحيح أي خلل يظهر، ويشكل ضغطا إضافياً على المدارس الثانوية لرفع مستوى أدائها وتحسين مستوى مخرجاتها، ويمكن زيادة حدة المنافسة بينها وتشجيعها على التميز من خلال جوائز تمنح سنويا للمدارس المتفوقة في كل منطقة تعليمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي