الحريات والليبراليون والإسلاميون وعقبة الحوار الوطني
<p> <a href="mailto:[email protected]">alfaizdr2@yahoo.com</a></p>
غريب هم أمر النزاع والحوار الذي نسمع به ونشاهده في الإعلام من الصحافة والقنوات الفضائية بين الليبراليين والإسلاميين وإن اختلفت تسمياتهم وتعددت فهو حوار واختلاف لا صحة له، فجميعهم متفقون على أمر واحد وهو الحريات وهو اتفاق أساسه الإسلام. فالإسلام هو الذي يكفل الحريات. ولكن عدم تفهمنا ووعينا للحدود الحريات وكذلك لمعاني القرآن الكريم وتفسيرنا السطحي له وفهمنا المتطرف للإسلام هو الذي يخلق تلك الحزازات. فإذا اختلف الاثنان على مبدأ حقوق المرأة فالدين الإسلامي هو الذي أعطاها حقوقها. فلم يمنعها من العمل ولا من قيادة السيارات وإنما اجتهادنا لاحقاً هو الذي أدى إلى ذلك. ومن جهة أخرى فإن التدخل في الحريات قد نهى عنه الإسلام عندما قال "ولا تجسسوا". وفي احترام الأديان "والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك". و"كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله".
وهذا الخلاف يزول عندما يعرف كل منهم حدود حرياته. حيث إن فهمنا المتطرف للحريات هو الذي يزيد من تلك الفجوة والنزاع، فالحريات كلمة يتفوه بها البعض وينادي بها دون أن يعرف أن التعامل مع الحرية أصعب من التعامل من دونها. فالحريات هي تقيد أكبر لتصرفات الإنسان تفرضها حدود حرياته وقيم وأخلاقيات الإسلام والمجتمع. وهي خطوة سابقة لمرحلة الديموقراطية وأساس الحوار الوطني التي يطالب بها البعض دون أن يعرف أن لها أساسيات وآداباً وقواعد تنظم طريقة الحوار. وأن الديموقراطية أساسها معرفة حدود الحريات وإن حرية كل مواطن تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. فالحرية لا تعني أن تزعج الناس بصوت المذياع بحجة أنك حر في تصرفك بينما هذا الإزعاج يمس حرية الآخرين وحقوقهم. أو أن تفتح الجوال وأنت تبتسم بغباء في الطائرة قبل وصول البوابة مما قد يشوش على قائد الطائرة فيغير مسارها وتصطدم ويموت الركاب. فأنت سرقت حقهم وحريتهم في الحياة بتصرفك الأحمق. أو أن تقود سيارتك وبسرعة وطيشان تراوغ سيارات الآخرين في الطرق السريعة والذي قد يسبب فقدان عائلة كاملة، فأنت لست حرأَ. وحتى لو ظننت أنك ستموت وحدك فأنت لست حراَ فالدين يمنعك قبل ان تمنعك أساسيات الحريات؟. حتى اختيارك لاسم طفلك لست حراَ وهناك ما يقيدك شرعاَ.
ومن دون وعينا لهذه المصطلحات الحضارية فإننا لا يحق لنا المطالبة بأي منها. فالحرية تحتاج إلى مجتمع متعلم ومثقف وواع. فعلى الرغم من الاهتمام بالإنسان وحقوقه وحرياته تأتي كأهم ما توليه الدولة اهتمامها وهي أحد أولويات الخطط التنموية التي تنفق عليها مبالغ طائلة وخاصة التعليم! والذي تأخر بسبب مواطن مثلنا، إلا أن اهتمام الدولة بحقوق الإنسان المواطن يقابله أحيانا رفض من المجتمع وبعض المنافقين الذين تراهم يدعون إلى الحريات وقيادة المرأة وحقوقها في المجالس ولكنهم في قرارة أنفسهم أو عند الجد يصبحون أول المعارضين.
إن أفضل نعمة نمن بها على المواطن هي توعيته إلى حدود وأخلاقيات الحريات عن طريق التوعية الحضارية وتقديه وإحساسه بالمسؤولية الاجتماعية والثقافة وهي تختلف عن التعليم والانطباع الخاطئ بأن كل متعلم أو حاصل على شهادات علمية عليا (مثلي كحامل للدكتوراة) يعتبر واعياً في سلوكياته مع إخوانه وأبناء فطرته ومجتمعه. لقد مررنا بفترة الطفرة التي عانى منها المواطن لعقود طويلة سلب منه كل شيء حتى الأخلاقيات التعاملية الحضارية بينه وبين إخوانه وعائلته وأصبح بقايا إنسان لم ينفعه حتى تحصيله العلمي سواء في عدم احترام صلة الرحم أو الآخرين وحقوقهم أو أنظمة المرور والتهور الذي يسبب خسائر بشرية هائلة أو عدم التعاون في خلق روح التكامل الاجتماعي. وما زالت بعض العصبيات والقبليات مخدوعة في أمرها. فكل مجموعة بيئية أو قبيلة أو منطقة مهما بلغت من التخلف أو الجهل تعتقد أنها أفضل وأسمى من جيرانها وهذا هو عين التخلف الحضاري والديني. فمتى يعي المواطن تقدير النعم التي حباه الله إياها بدلاً من النفاق الاجتماعي والإسراف والبذخ الذي يخالف تعاليم ديننا الحنيف. هذه الخصائص هي أساس الدين المعاملة فماذا تركنا لإخواننا المسلمين في أنحاء العالم الذين نعتقد أننا أفضل منهم. وماذا أعددنا لتوعية المواطن للتحول من الحضارة الأسمنتية إلى المدنية وأسلوب التعامل الحضري مع البناء والمدينة والنسيج العمراني والاجتماعي للمدينة وللمساهمة في عملية التخطيط وإحساس بالمسؤولية في العملية الإحصائية. تهاون من بعض المواطنين أنفسهم وبعض المسؤولين الذين هم أصلا جزء من المواطنين الذين تريد بهم الدولة خيرا. فيتهاون أو يتقاعس بعض المسؤولين في تنفيذ الرسالة الملقاة على عاتقهم ويستهينون بقيمة إخوانهم المواطنين وهو ما لا يرضى به ولاة الأمر. أو ينتهزون الفرص لاحتلال مناصب تنفيذية أو قيادية ليسوا أهلا لها وبكل أنانية واستهتار بالمنفعة العامة بينما هم يعلمون أن هناك من هو أجدر وأحق بتحقيق المنفعة العامة للمجتمع. إن أساسيات الحريات هي قوانين حقوق الإنسان التي تعني بتوفير الأنظمة للبيئة القانونية والاجتماعية لحفظ المعيشة المناسبة لاحتياجات المواطن في البيئة المحيطة به سواء في المنزل أو في الفراغات العامة و بتوفير الراحة والأمان والهدوء والطمأنينة والرقي الحضاري في ظل وجود الخدمات الأساسية للحياة الحضرية. وهو هدف لن يتحقق إلا بتضافر جهود المواطن والدولة كل بأداء واجباته.
وهذه في مجمعها انتهاكات للحريات والحقوق التي فرضها ديننا الإسلامي وهي أساس الدين وليست من اختراع الغرب. فهل هؤلاء مسلمون؟ نصلي خمس مرات في اليوم الواحد ونقرأ سورة الفلق وشر الحسد والنميمة ونتلو آيات الله التي تحثنا على احترام حقوق البعض وننسى ذلك حال خروجنا من المسجد! أين الدين المعاملة وأين المؤمن العالم خير من المؤمن الجاهل. وقد وضعت الدولة قوانين وأنظمة لذلك ولكنني لست أبرئ الدولة من مسؤوليتها في عدم الضرب بيد من حديد على من ينتهك حقوقنا من بني جلدتنا.
وأن نعي أننا لسنا أحراراً في ترك حقوق أبنائنا وعدم التخطيط لمستقبلهم فهم يعيشون ازدواجية تربوية تحت توجيهات أب شوهته سموم الطفرة. أو ما يواجه خارج المنزل من عالم آخر به منعطفات خطيرة تجعله يقف مشدوهاً ومشتت التفكير كطفل غير قادر على تصور ما سيؤول إليه مستقبله بعد حرب العولمة وتأثيرها عليه كعماد للمستقبل. والله وحده أعلم بمتطلبات هذا النشء ومنقلبهم الحضري وما يخبئه المستقبل الغامض لهم.
وما هي حدود حريات من يتدخل في حياتنا ويجبرنا على قبول الحلول الأصعب والأمر هل نحن أحرار في تعريض أبنائنا لسموم العمالة الأجنبية والخدم في منازلنا ومحنة السائق الأجنبي الذي غزى بيوتنا وأصبح يستحل خصوصياتنا وينشر أوباءه الخبيثة وما تسببه من أمراض اجتماعية وتعذيب لنفسيات أطفالنا ستترك ترسباتها وعقده النفسية لأبنائنا جيل المستقبل وإلى متى نقف ساكتين أمام هذه الظاهرة كحل لموضوع قيادة المرأة الذي وإن لم يكن مقبولاً فإن مشاكله بلا شك أقل بكثير من هذا البديل المريض. فمتى نحاول أن نفهم هذه الظاهرة ونوليها العناية اللازمة؟ ومن يحفظ حقوق المواطنين الذين يعانون وسيعانون أكثر مستقبلاً من هذه المشاكل التي تقاعسنا في معالجتها.
إن موضوع التوعية يجب أن يسير في خط متوازٍ مع المجهودات الأخرى التي تقوم بها الدولة والمنزل والمدرسة لتوعية المواطن بحرياته وحدودها. وإنه من الأولى أن نحترم حريات وحقوق بعضنا البعض قبل أن نطلب من الدولة أو الدول الأخرى احترام حقوقنا.
مخطط حضاري