سطحية صناع الرأي وآثارها على رفع كفاء السيولة
<a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a>
يتميز أسلوب الحكم السعودي بسياسة الباب المفتوح حيث يستطيع كل مواطن أن يصل إلى أكبر مسؤول في الدولة ليوصل رأيه أو همومه أو شكواه، كما يتميز ولاة الأمر ـ أيدهم الله ـ بمتابعة كل ما تنشره أو تبثه وسائل الإعلام المتعددة ليتعرفوا على آراء وتطلعات وهموم ومشاكل المواطنين ومن ثم اتخاذ المناسب من الإجراءات والقرارات التي تعالج كل ذلك، بمعنى أن ولاة الأمر أعطوا الرأي العام أهمية عظيمة في صناعة واتخاذ القرارات وتطبيقها وتقويمها، وهذا ما نلمسه جميعا.
وحيث إن الناس على دين ملوكهم فقد انتقل هذا الأسلوب لجميع المسؤولين في الدولة حيث يقومون برصد وتحليل كل ما تطرحه وسائل الإعلام المختلفة إضافة إلى توفيرهم جميع وسائل الاتصال المباشر وغير المباشر التي تمكن المواطن من التواصل معهم، وهذا بطبيعة الحال أدى إلى تعاظم أهمية الرأي العام في المجتمع السعودي.
وحيث إن الأمر كذلك فقد أصبح من الأهمية بمكان لكل مؤسسة عامة كسب ثقة المواطن وتأييده لخططها وسياساتها وقراراتها من خلال خلق تفاهم متبادل بين المؤسسة والشرائح ذات الصلة بنشاطها بما يزيد التعاون المشترك الذي يعمل على إيجاد الثقة المتبادلة لمعرفة الاحتياجات والتطلعات ومواجهة المشكلات واقتراح الحلول بشيء من المكاشفة المنضبطة التي تزيد من فاعلية عمل المؤسسة العامة.
ولكن من يصنع الرأي العام إزاء المؤسسات العامة؟ لا شك أنه من يزوده بالمعلومات والمعارف الجمعية التي تمكنه من بناء صورة ذهنية إيجابية أو سلبية تجعله يتخذ موقفا معززا أو معوقا لأعمال تلك المؤسسة العامة، وبالطبع فإن الإعلام هو الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تقوم بالاتصال الجمعي (التواصل مع أعداد كبيرة جدا من الناس)، بمعنى أن الإعلام هو من يصنع الرأي العام ، لذا ما انفكت المؤسسات العامة والخاصة التي أدركت هذه الحقيقة من التواصل مع الإعلام للسيطرة على ما ينشر أو يبث فيما يتعلق بأعمالها وأنشطتها وسياساتها وأنظمتها وقراراتها، والسيطرة هنا لا تعني بالضرورة المنع أو القمع بقدر ما تعني التواصل الإيجابي مع الإعلام أفرادا ومؤسسات لتكون صورة المؤسسة واضحة كل الوضوح أمامهم ليكونوا عناصر بناء بعلم لا معاول هدم بدون علم وإن حسنت النيات.
ولكن وللأسف الشديد القليل القليل من مؤسساتنا العامة يدرك ماهية وأهمية ذلك الأمر وخطورة التهاون فيه، مما أدى إلى جفوة كبيرة بين القائمين على تلك المؤسسات والقائمين على المؤسسات الإعلامية، هذه الجفوة أدت إلى فجوة كبيرة في درجة معرفة الطرفين، مما جعل كلا منهما يعتز بظنه الصحيح أو الموهوم مما أفضى لتشكل رأي عام مخالف لما ترغبه المؤسسات العامة يشكل عائقا لها للقيام بمهامها وتحقيق أهدافها.
هذه الفجوة نتجت بسب تعرض صناع الرأي من الكتاب والمحللين للقضايا التي تهم الرأي العام بسطحية، ذلك أن المؤسسات العامة لم تبذل الجهد والمال والوقت اللازم لتتواصل مع صناع الرأي لإيضاح أعماق القضية بالنسبة لهم من ناحية، إضافة لكون صناع الرأي اكتفوا بالانطباعات الشخصية التي تتكون لديهم نتيجة ما يسمعونه من هنا وهناك من معلومات مغلفة بالعواطف لكتابة مقالاتهم وتحليلاتهم وانتقاداتهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن المعلومات الكاملة من الأطراف كافة لبناء صورة حقيقية متكاملة عن القضية التي يريدون التطرق إليها، مما يجعلهم بحقيقة صناع رأي ضرره يغلب على منافعه، وهنا مكمن الخطورة.
ولعلني أجد أن أكثر المؤسسات العامة التي تعاني من الطرح السطحي الصانع لرأي عام معيق أكثر من كونه محفزا هي المؤسسات الاقتصادية مثل وزارة التجارة ووزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية ومجلس الاقتصاد الأعلى والهيئة العليا للاستثمار، بمعنى أن المجال الاقتصادي ومؤسساته هو الأكثر معاناة، ولعلي هنا أشير إلى مقولة الاقتصادي الكبير بول سامويلسون حول السطحية، حيث يقول: إن الاقتصادي السطحي الذي يزور الهند لأول مرة ويلاحظ الأعداد الكبيرة من الأبقار تسرح بحريه تامة في شوارع المدن طلبا للغذاء، فيتبادر إلى ذهنه أن حل مشكلتهم الغذائية سهلة جدا وذلك يذبح الأبقار والاستفادة بلحومها وهو بسطحيته تناسى التعقيدات الدينية والاجتماعية الهندية.
نعم إن الشأن الاقتصادي لدينا يعاني من العديد من الأطروحات السطحية وأكبر مثال على ذلك ما يكتبه أو يقوله أو ينادي به بعض صناع الرأي السطحيين بخصوص الشأن المالي في المملكة العربية السعودية سواء ما يتعلق بالأوراق النقدية ( السيولة ) والأوراق المالية (الأسهم، السندات، وحدات الصناديق الاستثمارية ...الخ ) والأوراق التجارية (شيكات، كمبيالات ..الخ)، حيث تجد أنهم يكتبون بسطحية لا مثيل لها إذ يتعرض بعضهم لكل قضية وكأنها قضية حدية بين متغيرين اثنين لا ثالث لهما دون معرفته بأن كل قضية تتكون من متغيرات عديدة مترابطة بطريقة لا يمكن فكها إلا من خلال متخصصين يحيطون علما بتلك المتغيرات وأثر كل منها على المتغيرات الأخرى.
ولأوضح ذلك أكثر وأكثر، لنأخذ مثال كيفية رفع كفاءة السيولة المتاحة في البلاد، حيث كثيرا ما نقرأ عن ربط الاكتتابات الأولية "التي تمتص السيولة" بوضع السوق الثانوية للأسهم فقط، دون الالتفات إلى مؤشر السيولة ومؤشرات التضخم، معدل الفائدة، واتجاه أسعار النفط وإجمالي الناتج المحلي ومؤشرات البطالة وغير ذلك من المتغيرات المهمة التي تؤثر في الرفع من وتيرة الاكتتابات أو تخفيضها ومدى التساهل أو التشدد في الترخيص لطرح الأسهم والسندات ووحدات الصناديق الاستثمارية.
وهذا بطبيعة الحال يشير إلى سطحية تضع صناع القرار المدروس في هيئة السوق المالية ومؤسسة النقد وغيرها من المؤسسات في حرج أمام الرأي العام الذي بنى مواقفه الخاطئة المعوقة صناع رأي سطحيون، مما يؤثر سلبا في النمو الاقتصادي، نعم نحن دولة تنعم بسيولة تتجاوز 600 مليار ريال وأصول عقارية تتجاوز 2.5 ترليون ريال ويعاني مجتمع الأعمال فيها من شح مصادر التمويل بما يعوقهم عن تأسيس شركات جديدة أو توسيع شركاتهم أو أنشطتهم القائمة ، إضافة إلى معاناته من التشويه والانتقاص من قبل صناع الرأي -رغم قوته المؤثرة في النمو الاقتصادي- بدلا من المناداة بدعمه وتعزيز قدراته التنافسية والإنتاجية بمعالجة قضاياه ومشاكله، فواعجبي من صناع رأي يعملون على تطفيش مجتمع الأعمال السعودي بحرمانهم من الاستفادة من السيولة المتاحة في حين يبذل الآخر الغالي والنفيس لاستقطابهم بتقديم المميزات والتسهيلات وجميع أشكال الدعم.