الطلب العالمي في ازدياد على كل المشتقات النفطية باستثناء زيت الوقود
<a href="mailto:[email protected]">skhattaf@hotmail.com</a>
في ظل التطورات الحديثة في صناعة تكرير النفط وفي ظل التباين الكبير بين إنتاج بعض المشتقات النفطية والطلب العالمي عليها فإن هذه الصناعة تقف عند مفترق طرق لا سيما وأن نظرة العالم أجمع وخصوصاً الصناعي إلى الأمور البيئية المرتبطة بالمنتوجات النفطية قد أصبح أكثر صرامة وحدَّة.
ومن الجدير ذكره أن صناعة تكرير النفط مكلفة جداً وفي الوقت نفسه ليست بالصناعة عالية الربحية كما هو الحال في الصناعات البتروكيماوية والصناعات الكيميائية الأخرى والأكيد أن الاستثمار في هذه الصناعة يخضع لعملية معقدة ولا يأتي إلا بعد دراسات مستفيضة على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية والبيئية.
وبناءً على ذلك نجد أن أعداد المصافي في الولايات المتحدة في تناقص مستمر, وكذلك أوروبا الغربية لا تشهد ارتفاعا ملحوظاً في أعداد تلك المصافي على الرغم من الطلب العالمي المتزايد على المشتقات البترولية الخفيفة والمتوسطة.
أما بالنسبة لنوعية هذه المشتقات فمن المعلوم أنه إذا عولج البرميل الخام في برج التقطير العادي فإنه ينفصل إلى غازات وجازولين ونافثا وتعتبر مشتقات خفيفة نوعاً ما, أما الديزل والكيروسين ووقود الطائرات فتعتبر مشتقات متوسطة ويعتبر زيت الوقود Fuel Oil من المشتقات الثقيلة والطلب العالمي هو الأعلى على الجازولين والديزل ثم الكيروسين ثم وقود الطائرات وأخيراً زيت الوقود الذي هو أقلها سعراً وطلباً ويستخدم زيت الوقود في توليد الطاقة وكوقود للناقلات البحرية العملاقة والكبيرة وهو شديد اللزوجة وغالباً ما يحتوي على بعض المواد غير المرغوب فيها كمادتي الكبريت والنيتروجين وبعض المعادن.
ويجب التنويه هنا بأن الكميات المفصولة من المشتقات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة هي بالضرورة تعتمد اعتماداً مباشراً على نوعية الخام المستخدم في برج التقطير فمثلاً تقطير الخام من نوع العربي الخفيف ينتج 50 في المائة زيت وقود و20 في المائة جازولين وبينما تقطير الخام من نوع العربي الثقيل ينتج عنه نحو 70 في المائة زيت وقود ونحو 20 في المائة جازولين إذاً من الواضح أن منتج زيت الوقود ذا القيمة غير العالية يزداد إنتاجه مع ازدياد كثافة الخام المستعمل ومن المتفق عليه أن أغلب النمو في إنتاج الخام العالمي وخصوصاً الخام المنتج من منطقة الخليج العربي هو من فصيلة العربي المتوسط وليس الخفيف مما يدل على أن كميات زيت الوقود المنتجة من أبراج التقطير سوف تزداد مع الأيام.
وتكمن المعضلة هنا في أن الطلب العالمي في ازدياد على كل المشتقات النفطية باستثناء زيت الوقود حيث تضاءل الطلب عليه بشكل لافت في السنوات الأخيرة.
فمثلاً في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مثَّل زيت الوقود نحو 20 في المائة من استهلاك الولايات المتحدة للمشتقات النفطية ولكن هذه النسبة قد تضاءلت بشكل حاد بحلول 1997م إذ إن هذه النسبة قد وصلت إلى 4 في المائة واستمرت عليها إلى الآن ويرجع تناقص الطلب على زيت الوقود لسببين رئيسين هما:
1. ظهور الغاز الطبيعي كمنافس اقتصادي وبيئي لزيت الوقود في توليد الطاقة.
2. ازدياد الاعتبارات البيئية ولا سيما تلك المرتبطة بمادة الكبريت.
ومع انخفاض الطلب الأمريكي على زيت الوقود نجد أن مصافي الولايات المتحدة قد استجابت لهذا التغير في الاستهلاك فكانت تنتج عام 1980م نحو 2 مليون برميل يومياً من زيت الوقود وهذا الإنتاج تناقص إلى نحو نصف مليون برميل يومياً من زيت الوقود في عام 2004م والغريب في هذا الأمر أن الشرق الأوسط قد زاد إنتاجه من زيت الوقود ففي عام 1980م كان ينتج نحو 800.000 برميل يومياً وزاد هذا الإنتاج إلى نحو 1.5 مليون يومياً من زيت الوقود في عام 2004م. فيستطيع القارئ الكريم أن يرى أن المصافي الأمريكية قد تجاوبت مع اتجاهات أسواق تكرير النفط لكن مصافي الشرق الأوسط كانت أقل تجاوباً وذلك بازدياد إنتاجها لزيت الوقود.
ونستطيع عمل مقارنة بسيطة بين الاستهلاك العالمي لكل من زيت الوقود والجازولين ففي عام 1980م كان الاستهلاك العالمي لزيت الوقود نحو 17 مليون برميل يومياً بينما كان الاستهلاك العالمي لمادة الجازولين 15 مليون برميل يومياً وفي عام 2004م تضاءل الاستهلاك العالمي لزيت الوقود ليصل إلى عشرة ملايين برميل يومياً وزاد استهلاك مادة الجازولين ليصل إلى 22 مليون برميل يومياً و30 مليون برميل يومياً للمشتقات المتوسطة (مثل الديزل والكيروسين ووقود الطائرات).
إذاً من الطبيعي والمنطقي تحويل زيت الوقود ذي القيمة غير العالية إلى جازولين ومشتقات أخرى أخف وأثمن وذلك عن طريق عمليات التكسير المختلفة حيث يتم تكسير الجزيئات الكبيرة لمادة زيت الوقود والمواد الثقيلة الأخرى إلى جزيئات أصغر تكوّن غازات وجازولين وديزل وغيره من المشتقات الأثمن من زيت الوقود وعندئذٍ تصبح صناعة تكرير النفط مربحة خاصة إذا عُلم أن كثيرا من الغازات المنتجة تستخدم في الصناعات البتروكيماوية وأن الجازولين والديزل المنتجان من عمليات التكسير هما في أقصى أسعارهما العالمية. ففي تاريخ 22/6/2006م وفي البورصة الأمريكية لبيع مشتقات البترول (خليج المكسيك) وصل سعر برميل WTI إلى 69.63 دولار للبرميل بينما وصل برميل وقود الطائرات إلى 85.35 والجازولين الخالي من الرصاص إلى 88.39 دولار للبرميل ووصل سعر برميل زيت الوقود (كبريت 3 في المائة) إلى 48 دولارا للبرميل.