الاقتصاد الروسي مهدد بسبب تعزز العملة الوطنية

الاقتصاد الروسي مهدد بسبب تعزز العملة الوطنية

بدأ الكرملين يعرب عن مخاوفه من تعرض البلاد إلى أزمات مرتبطة أساسا بوضع العملة المحلية "الروبل"، ويطالب في الوقت نفسه بتشديد الرقابة على عملية تعزيزها في ظل الازدهار العام الذي يعيشه الاقتصاد الروسي حاليا على حساب العوائد النفطية بالدرجة الأولى.
وخلال اجتماع عقده مع وزير المالية لبحث ميزانية عام 2007، طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعضاء الحكومة بتقليص عمليات دعم الروبل فى أسواق المال، وتحجيم ارتفاع أسعاره فى سلة العملات. واعتبر بوتين أن زيادة حجم الاستيراد مؤشر سلبي يؤثر في تحسن أوضاع الاقتصاد.
ويعتقد الرئيس الروسي أن المعطيات الخاصة بوضع الاقتصاد تشير إلى وجود إمكانية لتدعيم مواقع الروبل فى أسواق المال العالمية، ليصبح من العملات الحرة المستقرة، دون تدخل من البنك المركزي أو اللجوء إلى إجراءات استثنائية، ما يفسح المجال لتعويم الروبل كما وعد بوتين منذ عدة أشهر.
في الوقت نفسه، أكد تقرير حول التنمية الاجتماعية الاقتصادية خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى تموز (يوليو) من العام الجاري، أن الروبل تعزز فعليا نسبة إلى الدولار خلال سبعة أشهر بنسبة 10.5 في المائة، وإلى اليورو بنسبة 5.3 في المائة، أي بـ 7.9 في المائة نسبة إلى سلة العملات.
وفي ظل هذا الوضع دعا بوتين وزير المالية ألكسي كودرين إلى ضرورة مراقبة عمليات تعزز الروبل بشكل مشدد. وقال إن الإحصائيات ووضع الاقتصاد الفعلي يظهران أنه بوسع تعزيز الروبل أن يكون محرجا لاقتصاد البلاد. وأضاف أنه ناقش هذه القضية بالتحديد مع قادة الشركات الوطنية الكبرى، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه لا يزال يوجد لديهم احتياطي ولكن إذا استمر الأمر على هذا الوضع فستكون هناك مشكلة ضخمة بالنسبة إلى هذه الشركات.
واعترف كودرين من جانبه بأن تعزيز الروبل يقلل من قدرات الصناعة التنافسية الروسية من وجهة نظر ضعفها أمام الاستيراد، ووعد وزير بألا تزيد عمليات دعم نفوذ الروبل فى أسواق المال خلال العام المقبل على 5 في المائة، وأن يتم تقليص معدلات التضخم بحيث لا تتجاوز 8 في المائة، دون أن يشير إلى سبل تحقيق ذلك، واكتفى بالحديث عن ضرورة تقليص النفقات الحكومية كخطوة أولى. وشكك مراقبون فى إمكانية تخفيض النفقات الحكومية باعتبار أن العام المقبل سيشهد انتخابات البرلمان والتحضير لانتخابات الرئاسة.
ويضيف المراقبون أن تحجيم ارتفاع أسعار الروبل فى سلة العملات أمر صعب التحقيق فى ظل تدفق عائدات النفط والغاز على الخزانة الحكومية، ما سيؤثر في بقية المؤشرات الاقتصادية، إضافة إلى أن ازدياد حجم الاستيراد بنسبة تقدر بثلث حجم الاستيراد العام الماضي يحدث نتيجة زيادة أسعار الروبل وعدم تحديث القاعدة الإنتاجية لمختلف القطاعات الصناعية.
ويسود اعتقاد فى الأوساط الروسية أن الروبل اكتسب قوة مالية واقعية في الأسواق العالمية يخفيها ارتفاع أسعاره الناجم عن تدفق عائدات تصدير الطاقة، دون الإشارة إلى العوامل التي أدت إلى تحسين موقف الروبل في الأسواق المالية.
وفي الوقت نفسه ذكرت معطيات رسمية أن الاستيراد في 2007 سيزداد بنسبة 27 في المائة، بينما يرى الخبراء أن خطر تعزيز العملة في روسيا بصفتها بلدا مصدرا للنفط أكبر مما في الدول الأخرى. وبالتالي دعوا وزارة المالية إلى إعداد جملة من المقترحات لكبح تعزيز الروبل بسرعة مفرطة والذي تشكل أسعار النفط العالية أحد أسبابه.
ومن الواضح أن الحكومة الروسية ستوجه الاهتمام بدرجة ملموسة إلى الإجراءات غير المتعلقة بالميزان النفطي- الغازي، اعتقادا منها بأن هذا سيكون أحد الإجراءات الأساسية للكبح، إضافة إلى أن رصيد الاستقرار يحل هذه المهمة بنسبة 80 في المائة. أما الـ 20 في المائة الباقية فستكون من آليات البنك المركزي الروسي. ولا يشك الخبراء في أنه بمجرد أن تزيد الحكومة نفقاتها بواسطة إيرادات النفط والغاز سيحدث تعزيز إضافي، وذلك في إشارة واضحة إلى أن اقتصاد روسيا أصبح مرتبطا بشكل جذري بعوائد النفط والغاز، ومن الصعب الإفلات من هذه المشكلة المعقدة بدون اتخاذ إجراءات عقلانية تخص فروع الاقتصاد الأخرى. ولم يستبعدوا أن يتعزز الروبل في العام المقبل بنسبة 4.7 في المائة.
إلى ذلك، يشكك مراقبون في أن تتراجع الحكومة عن تقوية الروبل عبر تدعيم نفوذه في أسواق المال، باعتبار أن هذا الوضع يوفر إمكانات لتنشيط أعمال البنوك، وزيادة حجم القروض، وهو ما دفع بنك الادخار الحكومي لزيادة فوائد القروض الدولارية التي يمنحها في ظل زيادة أسعار الروبل، باعتبار أن أغلبية العملاء أصبحت تفضل الحصول على قروض بالدولار، بسبب انخفاض قيمتها الفعلية الناجم عن استمرار ارتفاع أسعار الروبل.

الأكثر قراءة