سباق عالمي على نفط العراق وسط أزمة وقود خانقة

سباق عالمي على نفط العراق وسط أزمة وقود خانقة

تناور كبرى شركات النفط في العالم بحرص شديد للفوز بحصة في حقول النفط التي تفضلها عندما يفتح العراق في نهاية الأمر
الباب أمام استثمارات بمليارات الدولارات. وتعكف الشركات العالمية من مسافة آمنة على دراسة البيانات عن حقول النفط العراقية الواعدة وبعض حقوله المنتجة الأقدم للتفوق على منافساتها عندما يبدأ تقديم العروض. ولمح حسين الشهرستاني وزير النفط العراقي إلى أن السباق على امتيازات حقول نفطية بقيمة 20 مليار دولار قد يبدأ الخريف المقبل.
ويتزامن ذلك مع حدوث أزمة خانقة للوقود في العراق هي الأولى من نوعها منذ اكتشاف أول حقل نفطي في مدينة كركوك عام 1925.

وفي مايلي مزيداً من التفاصيل

ليس بوسع أي شخص في العالم أن يتخيل أن بلدا مثل العراق يطفو على بحر من النفط يعيش اليوم أزمة خانقة للوقود هي الأولى من نوعها منذ اكتشاف أول حقل نفطي في مدينة كركوك عام 1925، في الوقت نفسه تناور شركات النفط العالمية للفوز بحصة في حقول النفط عندما يفتح الباب أمام الاستثمارات.
وتشير تقارير وزارة النفط العراقية إلى أن العراق يملك احتياطيا معلنا من النفط الخام يبلغ 115 مليار برميل وآخر في طور الاستكشاف يبلغ 240 مليارا، فضلا عن وجود عشرات الحقول النفطية المكتشفة والمقيمة وتنتظر البدء بعمليات الإنتاج أبرزها حقول مجنون، غربي القرنة، نهران عمر، الصبة، اللحيس، الحلفاية، شرق بغداد، الناصرية، الأحدب، البزركان،
وأخرى عديدة.
كما تشير الدراسات الأولية إلى إمكانية وجود كميات كبيرة من النفط الخام والغاز الطبيعي في الصحراء الغربية. ويملك العراق أيضا مصافي كبيرة لتكرير النفط الخام في بيجي، البصرة، والدورة وأخرى صغيرة متنقلة وموزعة على جميع المدن العراقية لتأمين متطلبات الاستهلاك الداخلي لكن الحروب المتكررة التي خاضها العراق منذ عقد الثمانينيات أثرت بشكل واضح في معدلات إنتاج تلك المصافي.
وتقول الحكومة العرقية إن معدلات إنتاج النفط الخام في العراق ستصل إلى 2.5 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العام الحالي وإن العراق سيتحول بحلول 2010 إلى مصدر للوقود بعد استكمال إنشاء مصاف عملاقة مخطط لها في مدن الناصرية، الفرات الأوسط، وكردستان.
وأمام كل هذه الحقائق تعيش المدن العراقية منذ أشهر أزمة وقود خانقة لم تشهدها لها البلاد مثيلا مطلقا لجميع أنواع المحروقات والتي تشمل وقود الطبخ ووقود السيارات والمركبات "البنزين والديزل" حتى ارتفعت أسعارها بشكل أثقل كاهل الأهالي واضطر بعضهم إلى العودة إلى استخدام وسائل بدائية انقرضت لتأمين مستلزمات الطبخ.
واعترف حسين الشهرستاني وزير النفط العراقي أمام مجموعة من النواب العراقيين بأن مسؤولية تفاقم أزمة الوقود في البلاد "تعود للأعمال الإرهابية التي تستهدف الأنابيب وسيطرة المليشيا المسلحة على بعض محطات تعبئة الوقود والعناصر الفاسدة في وزارة النفط".
وتابع: هناك نقص في معدلات إنتاج البنزين في المصافي ولدينا مشاكل في استيراده من بلدان الجوار.
وتعهد الشهرستاني بإنهاء أزمة الوقود "في حال شجعت الحكومة القطاع الخاص على استيراد المشتقات النفطية".
وأوضح عاصم جهاد المتحدث باسم وزارة النفط العراقية أن العراق يحتاج إلى ما بين 22 و25 مليون لتر يوميا من البنزين لتأمين الاستهلاك المحلي وهذا يمكن الحصول عليه من خلال إنتاج 11 مليون لتر في المصافي العراقية واستيراد من ستة إلى سبعة ملايين لتر من الخارج، مشيرا إلى أن هناك عجزا في حدود ثمانية ملايين لتر يوميا.
وقال جهاد إن الحكومة العراقية "ضاعفت مبلغ استيراد البنزين والوقود البالغ 213 مليون دولار لمواجهة الأزمة الحالية".
وتشاهد عشرات آلاف السيارات يوميا وهي تقف في طوابير تصل إلى أربعة كيلومترات أو أكثر بانتظار الحصول على الوقود في ظل ظروف أمنية غاية في الصعوبة، فيما يضطر العشرات منها إلى تحدي حالة حظر المركبات ليلا ليقف في الطابور ويقضي الليل نائما في سيارته.
وذكر فراس هادي (34 عاما) أن تفاقم الأزمة يعكس ضعف الحكومة وعدم قدرتها على ردع المليشيا المسلحة التي تسيطر على المحطات وتتلاعب بمصير أصحاب السيارات بطرق استفزازية هدفها خلق المشاكل وبالتالي إغلاق المحطة بدعوى عدم وجود البنزين.
وأبان آخر أن "طوابير السيارات والتوزيع تنتظم في المحطات في حال تدخل الجيش الأمريكي، والأمر يصبح فوضى كلما تدخلت الشرطة والجيش العراقيان في عملية تنظيم انسيابية التوزيع".
وأكد آخرون أنه رغم ظروف العراق الصعبة خلال حقبة النظام السابق إلا أن الحال لم يصل إلى ما هو عليه الآن، فالوقود كان متوافرا وبأسعار رخيصة لا يمكن مقارنتها بالأسعار الحالية مطلقا.
وانعكست تداعيات أزمة الوقود على مختلف مجالات الحياة فأغلقت عشرات المخابز والأفران أبوابها بسبب عدم توافر النفط الأبيض ورفعت سيارات النقل الخاص أجورها كما ارتفعت أسعار الخضراوات في الأسواق لارتفاع أسعار النقل في ظل وضع اقتصادي وأمني صعب.
في الوقت نفسه، تناور كبرى شركات النفط في العالم بحرص شديد للفوز بحصة في حقول النفط التي تفضلها عندما يفتح العراق في نهاية الأمر
الباب أمام استثمارات بمليارات الدولارات.
وتعكف الشركات العالمية من مسافة آمنة على دراسة البيانات من حقول النفط العراقية الواعدة وبعض حقوله المنتجة الأقدم للتفوق على منافساتها عندما يبدأ تقديم العروض.
ولمح الشهرستاني إلى أن السباق على امتيازات حقول نفطية بقيمة 20 مليار دولار قد يبدأ الخريف المقبل. لكن رجال النفط يشيرون إلى الافتقار إلى الأمن وقانون للاستثمار ولا تراودهم أي أوهام بأن أعمال الحفر وشيكة.
وقال مسؤول تنفيذي بارز في شركة نفط غربية "قمنا بعمل الكثير خلف الستار ومستعدون للتحرك بسرعة.. لكن في ظل الظروف المناسبة."
وأضاف "في هذه المرحلة هناك قائمة مختصرة بالحقول النفطية واللاعبين الرئيسيين. كان اختيارا طبيعيا".
ويصر مسؤولو النفط العراقيون على أن الحقول النفطية في بلادهم حيث ثالث أكبر احتياطيات في العالم بعد السعودية وإيران لم تخصص بشكل مسبق.
وهم يريدون عملية تتسم بالشفافية بحيث تفوز أفضل العروض ويدركون تماما نهم شركات النفط الكبرى مثل شل، إكسون موبيل، توتال، وشيفرون إلى نفط العراق الرخيص وسهل الإنتاج.
وأوضح مسؤول كبير في قطاع النفط العراقي "بالطبع نعلم أنهم مهتمون، والمشكلة هي متى يمكن أن يحدث ذلك".
وخلال السنوات الثلاث الماضية تقدمت عشرات الشركات لتنفيذ دراسات فنية وبرامج تدريب تمنحها اتصالا منتظما بمسؤولي وزارة النفط خارج العراق الذي يقف على شفا حرب أهلية.
ويستغل المسؤولون العراقيون التجربة لتحديد شركاء محتملين. والبعض لم ينجح في الاختبار. وأوضح المسؤول العراقي أن أولئك الذين تعاملوا معنا سيكونون في مركز أفضل بكثير عندما نفتح الباب.
وتمحص شركات النفط الكبرى بيانات بعض أكبر الحقول المتميزة في الجنوب الحيوي لمستقبل الثروة النفطية في العراق وقدمت توصيات بشأن سياسة الإنتاج لبعض الحقول.
وأعمال التخريب المستمرة بلا هوادة وسوء الإدارة إثر عقود من الحروب والعقوبات جعلت العراق يجاهد لضخ مليوني برميل يوميا بعد أن اقترب من ثلاثة ملايين برميل في اليوم قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في آذار (مارس) 2003.
وقال مسؤول في شركة نفط كبرى "السنوات الثلاث الماضية لم تذهب سدى، لكننا لن نضع أموالنا على الطاولة ورجالنا على الأرض قبل أن نرى وضوحا أكبر بشأن الاستثمار وتحسنا هائلا في الأمن".
لكن أولئك الذين يقطعون الكرة الأرضية بحثا عن النفط مستعدون للانتظار والتحلي بالصبر من أجل فرصة في العراق حيث 115 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة. وتعمل كل شركة لصالحها الخاص لكن من المتوقع ظهور تحالفات.
وذكر شامخي فرج المدير العام لإدارة التسويق والاقتصاد في وزارة النفط العراقية "من المرجح اختيار مجموعات شركات لتولي أمر الحقول الكبيرة".
ويبدي وزير النفط العراقي تصميما على التحرك بسرعة لجذب السيولة الأجنبية لإعادة بناء اقتصاد البلاد وتنشيطه.
وسيوفر اجتماع منظمة أوبك في فيينا في 11 أيلول (سبتمبر) مجالا لمزيد من المباحثات لكن انفراجة كبيرة غير متوقعة.
وقال خبير عراقي "الشهرستاني قد يوضح موقفنا لكن لا يمكننا القيام بمشاريع جادة، لا يوجد قانون أو نظام ولا نزال نعمل على قانون للاستثمار".
وحدها الشركات الصغيرة مثل "دي.إن.أو" النرويجية أقدمت على المغامرة بدخول العراق. ويبدي مسؤولو شركات النفط الكبرى قلقا حيال الغموض الكبير الذي يكتنف ملكية الموارد الأولية.

الأكثر قراءة