توفير المناخ الإنتاجي في مراحل تطوير التعليم العالي المهني
<a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a>
في المقالة السابقة حاولت استعراض بعض معوقات تقدمنا في مراحل الجودة في التعليم العالي المهني وبالذات في مرحلة استيعاب مفهومها. ومهما يكن فالوضع يحتم انتقالنا للمرحلة التالية بكل ثبات والسير على أرض صلبة، فأهم خطوة هي التفاف كافة المؤسسات والجهات الحكومية والأهلية, ممن يتميزون بإشرافهم على معاهد أو كليات للتعليم العالي المهني, والاهتمام بتوحيد الرؤى في رسم استراتيجية لمسار التعليم المهني العالي. قد يكون طريق القطاع الحكومي وعرا لأسباب عدة معروفة ولكنها ليست ممهدة للقطاع الخاص فالأخير تحت مجهر الأول, في حين أن الأول يحتاج إلى إعادة نظر في رقابته على مرافقه ومخرجاتها. وهذا ما يستدعي أن يبدأ القطاعان معا عبر جهة معينة تمثل القطاعين العام والخاص يناط بها مراقبة ومتابعة تنفيذ السياسات والإجراءات وتطويرها بما يضمن ثقة المسؤول والمستفيد على السواء, وللحكم على الأحقية في المِنح والمعونات أو الدعم ومنح التراخيص.. إلخ, فلا بد أيضا أن نفكر من نواح اقتصادية في هذا المجال الحيوي.
إن كوننا في عام المعلومات يقضي بأن نستهل المرحلة التالية باستغلال التقنية في إعداد بيانات واضحة ودقيقة لكل عناصر العمل وإجراءاته دون تخصيص أو تحديد, وبالاهتمام بموقع القطاع على الإنترنت وتسريع الإفادة منه والاهتمام بتحديثه الدوري, قد يقود ذلك إلى إنشاء بوابة متخصصة تفيد جميع الأطراف ومن رغب في الانضمام إلى هذه المسيرة, وعبر هذه البوابة يمكن إصدار أدلة عامة ومتخصصة تحتوي على الاستراتيجية والسياسات العامة والخطوات الإجرائية لكافة التخصصات في كافة القطاعات. من المهم الآن إشراك أعضاء هيئة التدريس والعاملين في الجهاز التنفيذي في المؤسسة في التقييم والتخطيط كالعمداء والمديرين من الجنسين لإجادة وضع آلية التنفيذ من كافة مستويات الهرم. ولأهمية ذلك, فمن الضروري استمرار تطوير أهداف التحسين الذاتي والحث على الرقي بتحقيق الحد الأدنى من المعايير في التخصصات المهنية نظريا وعمليا وعلى الأخص ذات القيمة المضافة العالية مثل التخصصات الصحية والهندسية. وتمهيدا للتسويق المستقبلي للكوادر والبرامج فلا بد من وضع تقييم خاص بالقيادات الإشرافية والإدارية لتكون في مستوى يتفق ومتطلبات التأهيل الدولية لنقل برامج التخصيص النوعية نوعية مع أن وتائر الإنجازات فيها تدعو للقلق, فالمحافظة على البقاء في دائرة الضوء باتت مشروطة بمن يعي بأن البقاء للأصلح. من ناحية أخرى من الضروري مساعدة الطلبة المستجدين على تسويق أنفسهم فيما بعد, بإعانتهم وترغيبهم على الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي المهنية (سواء من القطاع العام أو الخاص) في تخصصات يمكن أن تحقق مخرجاتها التوازن المنشود في تغطية احتياج كافة المهن الحيوية. وهنا لا بد من التركيز على اقتصاديات التعليم المهني العالي لتحقيق العائد الفردي والعام على السواء للوفاء بالتزامات تنمية الموارد البشرية في هذا المجال آنيا وعلى مدى السنوات العشر المقبلة. أما من ناحية الارتقاء بنوعية الأداء ووضع معايير أكثر دقة وتخصصية فمن المهم أن يكون من مهام الجهة المقترح تشكيلها - كما سبق ذكره - القيام بالدراسات المتخصصة وإعداد الأدلة اللازمة في خطة ومنهج افتتاح التخصصات أو بناء المنشآت التعليمية والتدريبية مع الأخذ في الحسبان تقدير القيمة المضافة لإنتاجية المنظومة بكاملها كالمنشأة والموارد البشرية العاملة والدراسة فيها، إضافة إلى البرنامج المقر فيها. هذا يجعلنا نتلمس تنفيذ المشاريع والبرامج بمهنية عالية تفاديا لإحداث أي فوارق منهجية مع خريجي نفس المستوى والتخصص المهني في مؤسسة أو منشأة أخرى, لئلا تنشأ فجوات مهنية تتحول إلى قضايا قانونية كما هي الحال في التخصصات الصحية, حيث يصعب معها التكهن بنتائجها الوخيمة.
قد أرجئ الحديث عن اقتصاديات التعليم العالي المهني, وأركز هنا على مبادرات المؤسسات العلمية المهنية في الدول المتقدمة التي قامت باتخاذ عدة خطوات إدارية وتعليمية إيجابية كان من أهمها:
1 ـ توفير وسائل التعليم وسهولة الحصول على المعلومات باستخدام الوسائط الحديثة والتقنيات المعاصرة بكل يسر وسهولة.
2 ـ وضوح علاقة البرامج والتخصصات بالواقع العملي, ونقل الخبرات وتبادلها بين المراكز المهنية المختلفة في التخصصات المتشابهة من خلال آلية معتمدة كلائحة تنظيمية لا تترك لأي مستوى إداري أو إشرافي الاجتهاد فيها.
3 ـ تقييم وتقويم الطلبة قبل وخلال وبعد الانخراط في الدراسة للالتزام بمخطط دراسي مقنن وموجه لكل فئة وتوجيههم بالاهتمام بحفظ الاتصال والتواصل مع المؤسسة.
4 ـ تعويد الطالب على الفهم العميق والواضح للعلاقة بين النظرية والتطبيق, وتمكينه من ممارسة ما اكتسبه من معارف ومهارات على أرض الواقع وجعله يحتك مع عاملين تعددت أصولهم ومستويات تعليمهم وتنوعت خلفياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية من خلال تجربة التعليم التعاوني العالمي. الهدف هو الوصول بالطالب لفهم بيئة الأعمال العالمية في منظومتها الواقعية وتطوير مهارات الاتصال مع الآخرين, وحل المشاكل واتخاذ القرار في هذا المجتمع الدولي. وكأمثلة فالتأمين الصحي, والجودة النوعية تخصصان يمكن استثمار الموارد البشرية فيهما ليغطيا الحاجة المحلية وهما متمتعان بنظرة دولية.
5 ـ وضع وتنفيذ الخطط التي تلبي في وقت لاحق احتياجات الموظف والمرفق أو المؤسسة من الحصول على درجات علمية أعلى (كالدبلومات العليا ودرجات الماجستير والدكتوراة) لتطوير أساليب المهنة ورفع مستوى الأداء بناء على أسس منهجية.
6 ـ تسهيل إيجاد قانون عضوية بين الجهات المختلفة لاستقطاب الدارسين والمدرسين من كافة القطاعات وتبادل الخبرات والإمكانات والتجهيزات سواء على مستوى القطاع الخاص أو العام وترك المجال للتنافس بين بعضهم البعض.
في وقتنا الحاضر نتطلع إلى إيجاد كوادر تتعامل مع الظروف المستجدة بكفاءة عالية وعلى مدى أطول مستخدمة في ذلك أفضل الوسائل والتقنيات محققة أفضل استغلال للموارد. فلا نريد أن نخسر الإنسان فهو لا يقدر بمال, ولا أن نفقد المال فنحن مسؤولون عنه أمام أجيالنا المقبلة, كما يصعب تقبل هدر الجهود لاستحالة إيجاد فرصة بهذه المعطيات التي ننعم بها الآن ولله الحمد والمِنة, وبالطبع لن نسمح بإضاعة الوقت فهيهات لنا أن نعيد عقارب الساعة للوراء. لذلك ننتظر تتويج كل الجهود بعدم إهدار أي فرصة تتيح لنا الاستفادة من تجارب الغير سواء كان هذا الغير خصوصاً تلك التي ثبت نجاحها عند من سبقونا ويمكن تبنيها لتجعلنا ذوي الخبرة والمرجعية لإقراننا على مستوى المنطقة العربية والعالم الإسلامي بأكمله.