ابنك غبي
<a href="mailto:[email protected]">salehshahwan@hotmail.com</a>
لو أن معلما قال لك "ابنك غبي" فقد يفور الدم في رأسك وتحدثك نفسك بصفع هذا المعلم الوقح. أو قد تستسلم، وتعتبر قوله قدراً مقدرا على ابنك، غير هذا وذاك فعلته سيدة أمريكية في أوائل القرن العشرين هي أم توماس أديسون التي يعرف معظمنا قصتها مع المعلم الذي اتهم ابنها بالغباء والبلادة فقد واجهته بحزم قائلة: "سنرى من الغبي!" ثم عكفت على تدريسه بنفسها وبقية القصة معروفة عن هذا الابن العبقري الذي هزم الظلام وأضاء طرقات العالم وبيوته وحوانيته وظل معنا ومع من سيأتون بعدنا حتى وهو في قبره.
ألبرت اينشتاين صاحب النظرية النسبية، أكبر دماغ بشري عرفته الإنسانية، رائد عصر الفضاء وعلوم ما بعد الحداثة، بلغ الرابعة من العمر وهو لم يتكلم، غادر المدرسة مبكرا، وربما لولا عمه الذي كان يدرسه الرياضيات بطريقة إبداعية لخسرت البشرية تفوقه فيها وتفوقه العلمي على كل الجنس البشري.
إن بإمكاننا أن نمضي في سرد أمثلة أخرى عن الخالدين، لكن ليست الأمثلة على أهميتها هي ما يهمنا إنما موقفنا منها، فنحن حين نسمع أو نقرأ عن هؤلاء تعقد الدهشه ألسنتنا، ويغمرنا الذهول، نظل غير ميالين لإطالة أمد الاعتبار بهم وتفحص أبنائنا في ضوئهم، بل الشيء المثير أننا لا نكاد نرى في أولادنا غير أنهم أذكياء، وعباقرة حتى لو كانوا غير مجدين في دروسهم وغير بارزين بين أقرانهم لمجرد أنهم أولادنا ولمجرد أننا نحبهم. هل ضبط الواحد منكم نفسه وهو يمتدح ذكاء ابنه لأنه فعل كذا وكذا واعتبر ذلك أمرا خارقا مع أنه من عفويات الطفولة؟!
لماذا نحن هكذا؟ لأن مناهجنا الدراسية لم تأخذ بأيدينا وتدلنا على كيف نصبح آباء وأمهات قادرين على تربية أولادنا واكتشاف ما فيهم من نبوغ وذكاء أو ما فيهم من مواهب وحواس إبداعية أو ما قد يعانونه من قصور في الفهم أو الاستيعاب وعدم التواؤم مع البيئة وعدم القدرة على التعامل مع الناس والأشياء بثقة.
كنت وما زلت أدرك هذا بشكل مبهم غامض مشوش، أعرف أو يخيل لي أنني على صواب أو أجتهد في أن هذا ما يجب وذاك ما لا يجب. غير أن قدرا من هذا التشوش زال حين أطلعتني زوجتي على كتاب "الإبداع في توليد الأفكار" من إعداد الدكتور ناصر خطاب ليس بشأن الصغار فحسب وإنما بشأن الكبار. فرغم أن في الكتاب إشارات لماحة عديدة إلا أن ما شدني فيه هو ما ذكره الدكتور خطاب عن "طرق مساعدة الأطفال في التعبير عن الإبداع" وهي:
1- ساعد الأطفال على قبول التغيير.
2- ساعد الطفل على إدراك أن بعض المشاكل لها حلول سهلة.
3- ساعد الطفل على إدراك أن بعض المشاكل لها أكثر من حل ممكن.
4- ساعد الأطفال على قبول مشاعر الآخرين.
5- كافئ الأطفال على كونهم مبدعين.
6- اجعل الأطفال يستمتعون بإنتاجاتهم الإبداعية وعملهم مع المشاكل.
7- ساعد الأطفال على تقدير أنفسهم ليكونوا مميزين.
8- ساعد الأطفال على تطوير المثابرة.
ومع إقراري للدكتور خطاب، بأن هذه الطرق مهمة كأدوات تربوية لمساعدة الآباء والمعلمين للأخذ بها لتوجيه أطفالنا وأولادنا ومساعدتهم على الإبداع، إلا أنني رأيت فيها ما ينقصنا معشر الكبار فنحن بأمس الحاجة أيضا إلى أن يعامل بعضنا بعضا في ضوء هذه الطرق: فقبول التغيير وقبول الآخرين والموقف من المشاكل وتحسيسنا بإنتاجنا ومكافأتنا على إبداعاتنا إن وجدت وعلى تقدير أنفسنا وتطوير مثابراتنا.. توصيات وتعليمات رائعة تنقصنا نحن الكبار في حياتنا العامة والعملية، فنحن نقابل بعضنا بالجحود أو الإهمال، ونفتعل اللامبالاة أو تعمينا الغيرة ونعمد إلى إنكار ما لدى الآخرين من اختلاف أو تميز بل نعمى عما يميزنا أو نفرضه بغشامة واستعلاء على الآخرين، كما أننا قد لا نكافئ أنفسنا أو لا نقدرها حق قدرها، أما الموقف من المشاكل فما زلنا نناطحها عنوة لكسرها أو ننكسر عنها حين لا تروق لنا حلولها الأخرى.
ولأن الأمر على هذا النحو، ولأن أحداً لم يأخذ بأيدينا لنصبح آباء وأمهات على غرار أم أديسون أو عم اينشتاين فما أحوجنا إلى أن نتتلمذ ولو في الكبر على مثل هذه الإرشادات والتوجيهات التربوية وما أحوج مناهجنا إلى تعليم أبنائنا وتحفيزهم لكي يكونوا بروعة أم أديسون وعم اينشتاين عندما يكبرون ويصبحون آباء وأمهات!..فهل ستبقى "ما أحوجنا" مجرد صرخة في وادٍ؟ اللهم خيب ظني في بقائها كذلك!