سوق المال العربية
<a href="[email protected]">[email protected]</a>
صدر الأسبوع الماضي بيان صحافي من هيئة سوق المال العربية عن نتائج الاكتتاب في الشركات الجديدة، بعد أن تم الانتهاء من عملية الاكتتاب في أسهم شركة بيروت، المؤسسة الشامخة العصية في قلب سوق الأسهم العربية، ظهرت الأرقام القياسية الجديدة، حيث تجاوز عدد المكتتبين ألف شهيد وأكثر من مليون مهجر, أي أكثر من الاكتتابات التي تمت في شركات جنين وصبرا وشاتيلا وقانا (1) مجتمعة. وتجاهل صناع السوق "الفجوات" التي أحدثتها تعاملات الأسابيع الخمسة الماضية، على الرغم من عدم التأكد من إمكانية تحقق المحفز الذي تنتظره السوق. في 12 تموز (يوليو) الماضي تم إنزال سهم شركة أولمرت لشن الحروب بعلاوة إصدار ماركة "سوبر رايس"، وخلال الأسابيع الخمسة الماضية جرى التداول بكثافة "عنقودية" على أسهم شركة الضاحية الجنوبية بعد الموافقة على زيادة رأسمال الشركة.
يدل هذا التوجه على عدم ثقة المستثمرين العرب بأسواق المال العالمية، خاصة بعد تأكيد سوق المال الأمريكية دعم عملة الشيكل وتشجيع قطاع السياحة في حيفا. لقد كان تعطل أجهزة شركات الضمير العربية والعالمية السبب الرئيسي لفقدان الكثير من الثقة، خاصة فيما يتعلق ببطء تنفيذ أوامر البيع.
لقد هبط سوق الأسهم الأمريكية إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من قرنين وذلك بسبب تداول السوق الأمريكية أسهم الدم العربي، وبهذا انخفضت القيمة السوقية لكل المبادئ والقيم والأعراف الدولية المتحكمة في السوق. ورغم قيام السوق المالية البريطانية بأعمال "الوساطة" لتهدئة حدة التداول، إلا أن المستثمرين العرب فقدوا ثقتهم بمؤسسات الوساطة، رغم المحاولات الحثيثة لرفع سعر الأسهم الأمريكية وتجميل صورة الدولار في المنطقة. طبعا هناك عدة محاور مهمة ساعدت على انعدام هذه الثقة وتشمل تخصيص أسهم شركات صواريخ البنتاجون ودفعها بقوة إلى سوق الأطفال والنساء حسب طلبات اكتتاب الشركات الإسرائيلية، فقد أعدت هذه الشركات جدول حسابي مركزا بحيث يحصل الطفل العربي الفرد على 25 صاروخاً والفردين على 50 قذيفة والثلاثة أفراد على 80 قنبلة عنقودية والأربعة أفراد على 123 قذيفة هاون والخمسة أفراد على 150 قنبلة ذكية.
لقد شهدت عملية الاكتتاب في الشركات العربية أرقاماً قياسيةً جديدة في نسبة المشاركة في تسييل محافظ ودماء المكتتبين العرب. تعتبر هذه الخطوة أيضاً قفزة نوعية للاستثمار بقطاع الأشلاء العربية، حيث قامت الشركات الأمريكية بجني الأرباح بطريقة احترافية والشركات الإسرائيلية بجني الأرواح بمساندة ودائع العملاء الغربيين. وتعمل الشركات الأمريكية على إيجاد سبل استثمارية جديدة لتنشيط السوق العربية، منها تنظيم آلية يتم فيها تصعيد هامش المخاطرة بمصالح هذه الشركات في الأسواق العربية. من أهم الشركات الرابحة شركة بولتون لمنع وقف إطلاق النار وشركة التوابيت الجنوبية. أما الشركات الخاسرة فهي شركة كامب ديفيد للحلول الجزئية وشركة أبو العبد للكرامة الإنسانية.
البيانات الرسمية تؤكد أن سوق المال العربية المتمثلة في 22 شركة مدرجة قد حققت خسائر الشهر الماضي، حيث أغلق المؤشر العام على رقم قياسي 1701 نقطة. الولايات المتحدة الأمريكية استمرت في تقديم تسهيلاتها البنكية لتل أبيب، مما أسهم في زيادة المتاجرة بالأرواح العربية وتعزيز مناخ عدم الثقة بالأسهم المحلية لصالح أسهم "أبو كبوس". وحسب المعطيات الحالية لتعاملات سوق الأسهم العربية، فإن المؤشر العام سيدخل منطقة في منتهى الخطورة وذلك قبل التفكير في إمكانية بلوغ مستويات أعلى في المساومة، لكن كل ذلك لا يلغي ضرورة مراقبة نقاط "الدعم" العربي التي يعتبر كسرها إنذاراً مهماً للمتعاملين في السوق كافة.
إن هبوط سوق المال العربية يعني حدوث تأثير سلبي في الملاءة المفترض أنها قد أعطيت من قبل واشنطن، مما قد يدفع الشركات العربية لوضع ضوابط احترازية لمنع تعاظم المديونية الخاصة أو تنويع الواردات من دول صديقة أخرى. لذلك أعرب مصرفيون عرب عن قلقهم بشأن "الضمانات" التي قدمت لهم بعد أن ضخوا الودائع في "الوول ستريت"، خاصة بعد ازدياد الخسائر في ميزانيات الشركات العربية بسبب تدني أخلاقيات الدولار الأمريكي. تحتاج سوق المال العربية لمواصلة الصعود خلال التعاملات المقبلة لتأكيد كسر المسار الهابط الممتد من 12 حزيران (يونيو) الماضي قبل الذهاب إلى امتحان قدرات "مقاومة" محددة.
لقد حولت سوق المال الأمريكية رسوم عمليات بيع وشراء الدم العربي لتمويل البنية التحتية العسكرية لجيش "الدفاع" الإسرائيلي وتطوير أسهمه الميدانية وحصد المزيد من الأرباح الدموية معتمدة على غياب القوانين واللوائح البشرية والإنسانية الدولية. المصارف الأمريكية نفت أن تكون قد ساعدت في تسييل محافظ ودماء عملائها العرب لأنها - كما قالت - حريصة على استقرار الأمن في المنطقة وهاهي شركة الاستفزاز المالية الأمريكية تستميت في تحقيق أرباح مهما كانت الوسائل وفي كل الظروف.
لقد نجحت أسواق المال الأمريكية في الحصول على موافقة هيئة سوق المال للأمم المتحدة لإدراج شركات الأسلحة المحظورة في السوق المالية العالمية، الأمر الذي جعلها تضيف بعداً حضارياً جديداً لمحاولات تطبيق الديمقراطية الأمريكية المعلبة في الأسواق المالية لكل من أفغانستان، الصومال، فلسطين، العراق، ولبنان. المهم في الأمر هو إضافة أصوات جديدة لأسهم الحملة الانتخابية المقبلة وتطوير تجربة الاكتتابات التي أكدت انخفاض ثروة الجمهوريين في حملة اكتتابات الشركات المطروحة.
على الرغم من المحاولات العديدة لإدراج أسهم السلام الأمريكي بأسلوب الإقحام بالقوة والخالي من الدسم في أسواق المال العربية، لم تستطع سوق الأسهم الأمريكية تحقيق نجاح يواكب الطفرة الديمقراطية التي تمر بها السوق العربية. وعلى الرغم من أن سوق المال الأمريكية تمتلك من الخبرات العسكرية المتقدمة و"الذكية" معززة بخبراء السوق من المخططين والمحللين العسكريين من المحاربين القدماء والمحافظين الهوامير الجدد المعروفين بولائهم لإسرائيل ولهم باع في السوق العربية بشكل خاص وحول العالم بشكل عام، إلا أن السوق لا تزال تعاني من انعدام الشفافية والمصداقية. السبب واضح طبعاً وهو تلاعب الشركات الأمريكية بالسوق ومحاولة ضخ معايير ومفاهيم رديئة التصنيع في حضارة تعدت ثقافاتها وتاريخها آلاف السنين.
إن غالبية الاستشارات الأمريكية المقدمة لسوق المال العربية خلال نصف القرن الماضي تمحورت حول المساهمات العدائية وتجميع الأقساط لسلع معينة في قسط واحد في المنطقة وضعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية كل بيضها ودجاجها وثيرانها.
إن هذه الودائع لا تنسجم مع واقع أوضاع سوق المال العربية، لأنها تفتقر إلى الأساليب الحضارية الحديثة في ابتكار تسويق مفاهيم حوار الشركات. إلا أن السيولة العالية التي تتمتع بها الأسواق العربية نتيجة الطفرة الاقتصادية الحالية جذبت اهتمام صناع السوق الأجانب فتضافرت الجهود وسال لعابها لتقديم الخدمات لهذه المنطقة بأسعار خيالية. الهدف واضح وهو "شفط" ما تبقى من السيولة العربية بحجة تمويل الشرق الأسود الجديد.