استقرار الطلب ونمو الإنتاج يضغطان على أسعار النفط

استقرار الطلب ونمو الإنتاج يضغطان على أسعار النفط

تشير تقديرات اقتصادية إلى أن استقرار الطلب على النفط مع تزايد إنتاجه في عدة دول, سيمثل ضغطا في المرحلة المقبلة على أسعار النفط لتراجع إلى مستويات ملموسة. ومنذ قرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، بدأت الأسعار في التراجع وواصلت تراجعها مع كل يوم يحقق فيه القرار صمودا. وحتى الإعلان البريطاني بالكشف عن مؤامرة تستهدف طائرات متجهة إلى الولايات المتحدة لتفجيرها وهي في الجو أسهم في تراجع سعر البرميل بنحو دولارين، لما رآه العاملون في تجارة النفط من احتمال تراجع حجم عمليات النقل بالجو بالنسبة إلى المسافرين.

وفي مايلي مزيداً من التفاصيل

يصف دانييل يرجن الخبير النفطي المعروف ومؤلف كتاب الجائزة الذي يلخص فيه نحو قرن ونصف القرن من تاريخ الصناعة النفطية وضع الأسعار بأنه يماثل مقياس ريختر بالنسبة للتقلبات الجيوسياسية التي تلقي بظلالها على الصناعة ويعبر عنها مستوى الأسعار ارتفاعا وانخفاضا.
فعند بدء الحرب الإسرائيلية على حزب الله اللبناني وحدوث التسرب من خط الأنابيب الذي ينقل النفط من حقل برودو باي في الأسكا ارتفع سعر برميل النفط إلى قرابة 80 دولارا، وذلك بسبب الخوف من اتساع حجم المواجهات العسكرية لتغطي دولا منتجة، الأمر الذي قد يؤدي إلى قطع للإمدادات عن السوق.
وبعد إجازة قرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، بدأت الأسعار في التراجع وواصلت تراجعها مع كل يوم يحقق فيه القرار صمودا، وحتى الإعلان البريطاني بالكشف عن مؤامرة تستهدف طائرات متجهة إلى الولايات المتحدة لتفجيرها وهي في الجو أسهم في تراجع سعر البرميل بنحو دولارين، لما رآه العاملون في تجارة النفط من احتمال تراجع حجم عمليات النقل بالجو بالنسبة للمسافرين.
التقديرات المتفاوتة تضع رقما يتراوح بين 10 و15 دولارا من سعر البرميل الحالي وإرجاعه إلى أسباب سياسية أو أمنية ليست لها علاقة بوضع العرض والطلب، وهو العامل الأساسي في تحديد سعر البرميل، وهذا ما يعطي النفط تلك الخاصية التي تجعل من اليسير وصفه بأنه سلعة استراتيجية.
لكن رغم ذلك يظل النفط سلعة تخضع وإلى حد كبير إلى قوانين السوق، ولم تنجح لا صفته الاستراتيجية ولا جهود منظمة الإطار المصدرة للنفط "أوبك" في الإبقاء على الأسعار مرتفعة في الأوقات التي تميزت بوجود وفرة في العرض، الأمر الذي يدفعها إلى التحرك إلى أسفل رغم الجهود الاصطناعية لإبقائها مرتفعة من خلال التحكم في العملية الإنتاجية ووضع سقف معين وحصصا إنتاجية للدول الأعضاء.
سعر برميل النفط ظل ثابتا وإلى فترة طويلة منذ نهاية فترة الحرب العالمية الثانية وإلى العام 1973 حيث كان يباع بأقل من ثلاثة دولارات وذلك لسببين رئيسيين قيام الولايات المتحدة بتقييد وضع الأسعار من ناحية ولأنها ظلت تنتج معظم ما تستهلكه من نفط وتكامل الصناعة فيها أفقيا ورأسيا، الأمر الذي جعلها أقل حاجة إلى السوق الخارجية لتوفير احتياجاتها.
ولهذا ظلت "أوبك" جسما مهملا ليس له تأثير يذكر، بل إن قيامها نفسه لم يحظ بأي اهتمام سواء في وسائل الإعلام المهتمة بالنفط أو حتى في التقارير الديبلوماسية التي يفترض أن تكون أكثر يقظة لتسجيل أي تطور يمكن أن تكون له انعكاسات مستقبلية.
السنوات التي سبقت عقد السبعينيات تميزت بالنمو الاقتصادي الكبير الذي انعكس في شكل طلب إضافي على النفط لم تستطع السوق المحلية الأمريكية تلبيته كله فبدأت تمد رأسها إلى الخارج. وصاحب هذا التطور تحول آخر في الميدان الجيوسياسي إذ انفجرت الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة في تشرين الأول (أكتوبر) 1973، التي يعرفها الإسرائيليون بحرب يوم كيبور أو عيد الغفران، التي لجأ فيها المنتجون العرب إلى استخدام سلاح النفط من خلال تقليص الإنتاج ومنعه كليا عن الولايات المتحدة وهولندا، وهو ما أدى إلى سحب نحو خمسة ملايين برميل من السوق تمكن بقية المنتجين من التعويض عن مليون منها بزيادة إنتاجهم، لكن بقية فجوة في حدود أربعة ملايين برميل يوميا، أدت بصورة رئيسية إلى رفع سعر البرميل بنحو 400 في المائة إلى 12 دولارا خلال هذه الفترة.
ورغم الضغوط التضخمية التي نجمت عن هذه الوضعية وتآكل القيمة الشرائية للدولار، عملة تجارة النفط الأساسية، إلا أن الحدث السياسي الرئيسي التالي كان اشتعال الثورة الإيرانية في عامي 78/1979، حيث ارتفع سعر البرميل بنحو 15 دولارا ويصل إلى قرابة 40 دولارا للبرميل في بعض الأحيان وذلك رغم أن السوق في واقع الأمر كانت تعاني من تخمة تتمثل في نحو مليونين ونصف المليون برميل تزيد على الطلب الفعلي.
وما أن انقشع الضباب السياسي حتى بدأت حقائق السوق تفرض نفسها وعلى رأسها بروز منتجين جدد لا يتقيدون بقرارات "أوبك" أصبح تأثيرهم أكثر وضوحا بسبب زيادة حصتهم في السوق، الأمر الذي دفع المنظمة إلى زاوية محشورة في المسرح بلغت قمتها باشتعال حرب الأسعار في العام 1986 الناجمة عن رفض السعودية الاستمرار في دور المنتج المرجح بعد أن شهدت حجم إنتاجها يكاد يقل عن مليوني برميل يوميا وتتجاوزه بريطانيا بإنتاجها من بحر الشمال في بعض الأحيان.
لفترة السنوات العشر التالية ركزت "أوبك" جهدها في زيادة حصتها في السوق وهو ما حققت فيه نجاحا بزيادة مليون برميل كل عام إلى نصيبها في السوق ودون أن تشغل نفسها بموضوع الأسعار، الذي لم تلتفت إليه إلا بعد مؤتمر جاكارتا الشهير في أواخر عام 1997، الذي قرر زيادة سقف المنظمة الإنتاجي بنسبة 10 في المائة، أو مليونين ونصف المليون برميل يوميا، ودون انتباه للأزمة المالية التي بدأت تدق أبواب الدول الآسيوية، وهو ما أدى إلى انهيار سعري دفع بالمنظمة إلى العودة إلى سياسة تقليص الإنتاج دفاعا عن الأسعار، وهي السياسة التي نجحت في رفع قيمة ما يحصل عليه المنتجون بأكثر من 300 في المائة مقارنة بما كان عليه سعر البرميل في عام 2000 مثلا.
ومع أن الاقتصاد العالمي نجح في امتصاص هذه الزيادات والتعايش مع سعر 50 دولارا للبرميل وتخطي حواجز 60 و70 دولارا لأسباب تتعلق بحسن القدرة على استخدامات الطاقة، إلا أن لارتفاع الأسعار هذا سيكون له تأثيره على الطلب ومن ثم تجاوزه من قبل العرض خلال السنوات القليلة المقبلة وذلك وفقا لآخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة، التي توقع حدوث فائض في الطاقة الإنتاجية الفائضة بين هذا العام ونهاية العقد الأول من هذا القرن لتصل إلى ما بين أربعة إلى ستة ملايين برميل، أو 7 في المائة من حجم الطلب العالمي الذي يتوقع له أن يكون في حدود 93.7 مليون برميل وقتها، وهو وضع مريح للغاية، وذلك رغم النمو في الطلب وفي إمدادات المنتجين من خارج "أوبك" بنحو 2 في المائة سنويا إلى 56.7 مليون برميل يوميا في العام 2011 من 51.3 مليونا هذا العام. فأحد أسباب الارتفاع الحالي في الأسعار والخوف الشائع من انقطاع الإمدادات يعود إلى أن حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة يقل عن 5 في المائة من حجم الطلب العالمي. ويعبر عن هذا الوضع النشاط التنقيبي الضخم المتمثل في زيادة عدد الحفارات العاملة لدى الدول المنتجة خارج "أوبك" وبلغت 2.876 حفار في الشهر الماضي، بزيادة 160 حفارا عن الشهر الذي سبقه، إلى جانب 327 حفارا لدى الدول الأعضاء في "أوبك" في الشهر نفسه وبزيادة 15 حفارا عن العدد الذي كان عاملا في حزيران (يونيو)، وهو نشاط تقوده السعودية، الجزائر وفنزويلا.
هذه الطاقة الفائضة وكيفية إدارتها هي التي ستشكل التحدي الأساسي أمام منظمة أوبك خلال السنوات القليلة المقبلة مثلما كانت تحديا في الماضي. فوجود طاقة إنتاجية فائضة يشكل إغراء بحد ذاته للتغاضي عن الحصص الرسمية، خاصة والدول المنتجة صارت أكثر اعتمادا على العائدات المالية من بيع النفط، وبصورة ما فإن أي دولة ليست راضية تماما عن حجم الحصة الإنتاجية المخصص لها، الأمر الذي يوفر أساسا نفسيا لتجاوز الحصص.

<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/hghrm.jpg" width="499" height="300" align="center">
<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/hghrm1.jpg" width="499" height="300" align="center">

الأكثر قراءة