رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


إذا كانت أمريكا قلقة بشأن أسعار النفط فلترفع الدولار

<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>

سمعنا خُطباً رنانة من الرئيس الأمريكي جورج بوش ومن أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ يشكون فيها من ارتفاع أسعار النفط. المضحك في الأمر أن الدول العربية لا علاقة لها بالارتفاع الأخير، لأنه نتج في البداية عن الأعاصير التي دمّرت منصات الإنتاج في خليج المكسيك، ودمّرت المصافي في تكساس ولويزيانا. وما إن بدأ الإنتاج بالانتعاش حتى قامت حكومة بوش بتمرير مشروع قانون الطاقة الذي ألزم الشركات بمزج البنزين بالإيثانول بدلا من مادة إم تي بي إي، الأمر الذي خلق اختناقات عديدة في خطوط الإنتاج. ولكن كان هناك أمر آخر أسهم في رفع أسعار النفط، وهو استمرار انخفاض قيمة الدولار في أسواق العملات العالمية. إذا كانت أمريكا قلقة فعلاً بشأن ارتفاع أسعار النفط فإن كل ما عليها هو التخلي عن سياسة الدولار المنخفض ورفع قيمته مقابل العملات الأخرى. هذه السياسة تكفل وحدها تخفيض أسعار النفط في الولايات المتحدة.

يؤثر انخفاض الدولار على أسواق النفط لأن النفط يُسعّر ويباع بالدولار. تشير الدراسات الإحصائية إلى أن نحو 38 في المائة من التغيرات في أسعار النفط يمكن تفسيرها بتغير سعر صرف الدولار. بعبارة أخرى، 38 في المائة من الارتفاع في متوسط أسعار النفط في الفترات الأخيرة يعود إلى انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى. لذلك فإن تحقق نبوءات الخبراء باستمرار الدولار بالانخفاض يعني استمرار أسعار النفط بالارتفاع. قد يفرح البعض لهذه النتيجة، ولكن فرحتهم لن تطول عندما يعرفون أن انخفاض الدولار يعني انخفاض القيمة الشرائية لصادرات النفط من جهة، وارتفاع مستويات التضخم في الدول المنتجة للنفط من جهة أخرى. وكلتا الحالتين تعني انخفاض القيمة الشرائية للدخل في الدول المنتجة.

أثر انخفاض الدولار في إنتاج النفط
إذا افترضنا ثبات أسعار النفط فإن انخفاض الدولار يؤدي إلى انخفاض إنتاج النفط، الأمر الذي يجبر أسعار النفط على الارتفاع. أما إذا افترضنا ارتفاعها كما حصل في السنوات الأخيرة، فإن زيادة إنتاج النفط لن تتناسب مع ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يسهم أيضاً في إبقاء الأسعار على مستوياتها المرتفعة. بعبارة أخرى، لو لم يتغير سعر الدولار في السنوات الأخيرة لكانت الزيادة في الإنتاج أكبر مما هي عليه الآن، وكانت الأسعار أقل مما عليه الآن.
يعود هذا الانخفاض في الإنتاج إلى أمرين، انخفاض القيمة الشرائية لإيرادات النفط، وارتفاع تكاليف الإنتاج في بعض المناطق، خاصة في الدول التي ارتفعت عملتها مقابل الدولار. الأمر الأول ينطبق على الدول المنتجة بما في ذلك دول الخليج. الأمر الثاني ينطبق غالباً على شركات النفط، خاصة شركات النفط العاملة في حقول بحر الشمال.

أثر انخفاض الدولار في الطلب على النفط
تشير الدراسات إلى أن انخفاض الدولار يزيد الطلب على النفط لأسباب عدة، أهمها أن سعر النفط في الدول التي ترتفع عملتها مقابل الدولار أقل مما هي عليه الحال لو لم يتغير سعر الدولار. فإذا افترضنا أن الدولار يساوي اليورو، وأن سعر برميل النفط يساوي 70 دولاراً للبرميل، فإن الشخص الأوروبي يدفع 70 يورو ثمناً لبرميل النفط. ولكن إذا انخفض سعر الدولار مقابل اليورو بمقدار 30 في المائة، فإن سعر النفط سيكون 70 دولاراً للبرميل، ولكن المستهلك الأوروبي يدفع بحدود 50 يورو فقط. لهذا فإن الكمية المطلوبة من النفط تزيد في أوروبا بسبب انخفاض الدولار. وبالرغم من أن المثال السابق لا يعكس الواقع بسبب الارتفاع المستمر بالأسعار، إلا أنه رغم ارتفاع الأسعار إلا أن المستهلك الأوروبي لم يتأثر كثيراً بهذا الارتفاع مقارنة بالمستهلك الأمريكي، كما هو موضح في الشكل البياني المرفق. يُبيّن الشكل أسعار النفط في الولايات المتحدة مُقدّرة بالدولار وأسعار النفط في أوروبا مُقدّرة باليورو. كما يبيّن أنه كلما انخفضت قيمة الدولار انخفض سعر النفط نسبياً في أوروبا.
المفروض أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى انخفاض الكمية المطلوبة منه في الولايات المتحدة لأنها أكثر الدول تأثراً بانخفاض الدولار. لكن هناك العديد من الأمور التي أسهمت في زيادة الطلب على النفط مثل زيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع مستوى الدخل. أما أثر انخفاض الدولار فإنه يتمثل في قضاء الأمريكيين إجازاتهم في الولايات المتحدة بدلاً من أوروبا بسبب انخفاض قيمة الدولار مقابل اليورو، الأمر الذي يزيد من الطلب على البنزين خلال موسم الإجازات الصيفي.

المؤامرة: تسعير النفط بغير الدولار
روّج البعض، خاصة بعض الكتاب الفرنسيين، لفكرة مفادها أن الولايات المتحدة احتلت العراق لأن الرئيس المخلوع صدام حسين تمكّن من إجبار الولايات المتحدة على تسعير النفط العراقي باليورو بدلاً من الدولار. وسوغ هؤلاء هذه الفكرة بأن هذا التسعير سيقضي على الدولار وسيحطم الدولار الأمريكي، الأمر الذي أجبر إدارة الرئيس بوش على احتلال العراق. ومنذ حزيران (يونيو) الماضي بدأت بعض وسائل الإعلام، خاصة على الإنترنت، بالترويج لنظرية تآمرية أخرى مفادها أن الولايات المتحدة ستوجه ضربة عسكرية لإيران، ليس لمحاولة امتلاكها بعض التكنولوجيا النووية فقط، وإنما لمحاولة إيران إنشاء سوق مستقبلية للنفط يتم فيها تسعير النفط باليورو.
ما مدى صحة النظريات السابقة؟ الواقع أن الذين يروّجون لهذه النظريات لا يفقهون شيئاً سواء في مجال النفط أو الاقتصاد، كما أنهم يقلبون الحقائق إلى أوهام. هذه بعض الحقائق:
النظام العراقي السابق لم يقم بتسعير النفط بالدولار كما يتوهّم البعض. كل ما هنالك أن النظام السابق طلب تحويل عائدات النفط التي تحتفظ بها الأمم المتحدة في البنوك الأجنبية باسم العراق من دولار إلى يورو. هذه العائدات كانت قليلة نسبياً لدرجة أنها أقل من أرباح شركة أمريكية كبيرة.
إنشاء إيران لسوق مستقبلية يتم فيها تسعير النفط باليورو لن يؤثر في أسعار النفط، لأن كل ما سيحصل أن التجار سيسعرون النفط في هذه السوق عن طريق تحويل سعر النفط المقدّر بالدولار في الأسواق العالمية وتحويله إلى يورو حسب سعر الصرف السائد في ذلك اليوم.
حتى لو تم تسعير النفط بغير الدولار، فإن أثر ذلك على الولايات المتحدة بسيط جداً. فكل إيرادات دول "أوبك" في العام الماضي تمثل أقل من 4 في المائة من الناتج المحلي الأمريكي. فإذا قامت إيران وحدها بتسعير النفط باليورو، فإن أثر ذلك يمثل أقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الأمريكي. وهنا لا بد أن نذكر أن صافي أرباح أكبر أربع شركات نفطية أمريكية في العام الماضي أكبر من عوائد إيران النفطية.
إن مشاكل التسعير بالدولار تتمثل في أن التسعير يتم بعملة واحدة فقط، لذلك فإنه ليس من صالح الدول النفطية استبدال عملة بعملة أخرى في التسعير لأن مشاكل التسعير بعملة واحدة تبقى نفسها مهما كانت هذه العملة.

الشكل البياني رقم (1)
أسعار النفط باليورو والدولار ما بين 1999 والآن
انخفاض الدولار يخفض أسعار النفط نسبياً في أوروبا
المصدر: وزارة الطاقة الأمريكية والبنك المركزي الأمريكي وحسابات المؤلف

<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/ccc.jpg" width="499" height="300" align="center">

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي