صناديق التحوط الإسلامية يمكن أن تقدم بديلا شرعيا عن مثيلتها التقليدية
يناقش هيمايون دار، وهو مصرفي أمريكي مهتم بالمؤسسات المالية الإسلامية موضوع صناديق التحوط، وكيف يمكن جعلها مقبولة ومستساغة من جانب المستثمرين الإسلاميين.
ويقول دار: إن صناديق التحوط الإسلامية أثارت زوبعة في الأسواق المالية الإسلامية، وامتدت إلى دوائر أوسع من ذلك، وذلك باجتذابها انتقادات من منطلقات متعلقة بالشريعة، ودعوة لإعادة التفكير في قضية إدارة الأخطار في الهياكل المالية الإسلامية المركبة. ويهاجم الأستاذ محمود الجمل، المعروف بانتقاداته للاقتصادات والأمور المالية الإسلامية، صناديق التحوط الإسلامية من منطلق أنها تحاول تحقيق عوائد مرتفعة بالاستعانة بالإفراط في نسب الديون إلى رأس المال.
ويمضي المصرفي الأمريكي بالقول: بصرف النظر عن هذه الانتقادات، فإن علامة الاستفهام الأولية حول التحوط للقضاء على الأخطار، أو لتقليلها في الهياكل الاستثمارية الإسلامية، تخلي السبيل الآن أمام قبول استراتيجيات تخفيف الأخطار. وبدأ الفقهاء الذين هم من المتشكلين أساساً في التحوط ضد الأخطار بتأييد الإدارة الفعالة للأخطار في الهياكل الاستثمارية الإسلامية والصفقات. لاحظ أن من المعقول تماماً من الناحية الاقتصادية أن يكون بمقدور مدير الصندوق وضع استراتيجية تتفق مع الأحكام الشرعية لتقديم عوائد معينة حتى على المساهمات القائمة على المشاركة في الربح والخسارة. وبالتالي فإنه ليس بالضرورة أن يتناقض منطق الشريعة على الدوام مع المنطق الاقتصادي.
وفي إطار مبسط يمكن القول إن من المعقول تماماً من الناحية الاقتصادية أن يقوم مدير الصندوق مثلاً بإصدار شهادات المشاركة في الربح والخسارة للاستثمار في صكوك الإجارة لتقديم عوائد (ثابتة) إلى حاملي تلك الشهادات. ونجد بالمثل أنه إذا اختار مدير صندوق الاستثمار في بعض أشكال شهادات المرابحة فإن العائد المتوقع ثابت بشكل أو بآخر. ومن الطبيعي أنه لا يمكن تجاهل الأخطارة في ذلك بصورة مطلقة، حتى في حالة التعاملات القائمة على الفائدة الربوية، ولكن من الصحيح كذلك أن الأخطار في التعاملات القائمة على المرابحة (أو الفائدة)، أقل بكثير من الاستثمارات القائمة على الأسهم.
مخالفة ظاهرية
يفسر هيمايون دار عدم رفضه صناديق التحوط الإسلامية واعتقاده أنها يمكن أن تقدم بديلا شرعيا عن صناديق التحوط التقليدية بالشرح التالي:
إن مبدأ خراج الضمان (أي أن العائد يجب أن يكون متناسباً مع الأخطار المفترضة) يبدو وكأنه تعرض للمخالفة في هذه الحالة. والواقع أن تقليص الأخطار إنما يكون نتيجة اتباع استراتيجية حصيفة لإدارة الأخطار لا تضمن فحسب تقليص درجة تقلب العوائد (أي تحقيق معدل صفري من الأخطار)، وإنما تضمن كذلك زيادة في متوسط العوائد المتراكمة للمستثمرين. جدير بالذكر أن مديري الصناديق يسعون لفعل الشيء نفسه من خلال الإدارة الحصيفة للاستثمارات في عدد مختار من فئات الموجودات لتحقيق عوائد معدلة للتعامل بشكل أفضل مع الأخطار.
لاحظ أن مدير صندوق التحوط لديه نحو 20 استراتيجية، بما في ذلك الاستثمار في الأوراق المالية طويلة الأجل وقصيرة الأجل، والاستثمارات القائمة على حركة الاقتصاد العالمي، وتزامن البيع والشراء للأوراق المالية في الأسواق المختلفة، وشراء أسهم الشركات المأزومة، والاستثمار الجريء المغامر والاستثمار القائم على اقتناص الفرص، وغيرها كثير. إلا أن الإحصائيات المتوافرة تشير إلى الصناديق التي تتعامل بالعقود قصيرة الأجل وطويلة الأجل تمثل أعلى نسبة بين صناديق التحوط الحالية (نحو 30 في المائة). وهذا الوضع هو الذي يغلب على صناديق التحوط الإسلامية العمل على منواله ولكن بشكل يتماشى مع أحكام الشريعة. وفي العادة تسعى الاستراتيجيات طويلة الأجل وقصيرة الأجل (التي تعرف باسم الاستراتيجيات المحايدة سوقياً) لتقديم عوائد إيجابية مطلقة للمستثمرين من خلال الجمع بين استراتيجية قصيرة المدى للموجودات المقيمة بأعلى من قيمتها الحقيقية واستراتيجية طويلة المدى للموجودات المقيمة بأدنى من قيمتها الحقيقية. وفي حين أن التعاملات طويلة الأجل لا تثير صعوبات شرعية جدية، إلا أن هناك قيوداً شرعية على التعاملات قصيرة الأجل. إن صناديق التحوط الإسلامية من حيث المردود تشبه في عملها الأسلوب التقليدي المتبع من خلال استخدام عقود السَّلَم والعربون المقبولة من الناحية الشرعية.
إن استخدام السَّلَم والعربون، مع اشتراط الدخول في عقدين متوازيين للسَّلَم والعربون، هو بحد ذاته استراتيجية لتخفيف الأخطار. وحين يقترن ذلك باستراتيجية تشبه على سبيل المثال استراتيجية "العائد النقدي على رأس المال المستثمر"، التي يتبعها دويتشه بانك، فإنه يفترض أن يؤمن ذلك عوائد أفضل مقارنة بالاقتصار على استخدام استراتيجية الأجل الطويل أو القصير بشكل مستقل.
أما موضوع نسب الديون إلى رأس المال، وهو من المحاور المهمة التي تناولها الدكتور الجمل في انتقاداته، فإنه يجدر بنا أن نذكر أن هذا الموضوع هو موضوع تنظيمي بالدرجة الأولى، ذلك أن عقود السَّلَم والعربون تدخل مفهوم نسب الديون إلى رأس المال في هيكل يتماشى مع أحكام الشريعة، إذ إن هذه العقود تسمح بالاقتراض استناداً إلى رأس المال، ولكنها تفعل ذلك بالتأكيد بصورة أكثر حذراً من أساليب الاقتراض التقليدية.
ونحن في دار الاستثمار نعمل على تطوير استراتيجية تقوم على الاستجرار بالنسبة للاستثمارات قصيرة الأجل، وهي استراتيجية يمكن استخدامها بشكل أكثر كفاءة وأكثر مرونة من عقود السَّلَم والعربون. ولو طبقت هذه الاستراتيجية على النحو السليم، فإن العقود الإسلامية قصيرة الأجل تقدم حوافز مماثلة بشكل لا باس به للأطراف المتعاقدة. فإذا قبلنا بمفهوم التعاملات قصيرة الأجل، فليس هناك من سبب يدعونا إلى رفض صناديق التحوط الإسلامية التي يمكن أن تقدم بديلاً شرعياً عن صناديق التحوط التقليدية.