التطوير الزراعي وأنظار العلماء لمواجهة النقص
<a href="mailto:[email protected] ">[email protected] </a>
أحد المسببات التي وجهت أنظار العلماء للتطوير الزراعي لمواجهة النقص الغذائي المحتمل في دول آسيا وأمريكا اللاتينية هي الحرائق. فهي امتحان وابتلاء من الله عز وجل لمخلوقاته في الأرض, والإنسان لا يستطيع سوى الصبر والتأقلم مع الظروف الطبيعية في سبيل استمرار عطائه في حياته لنفسه وللناس إن منح الوسيلة والقدرة على بذل ما ينفعهم. وكمثل على نتائج الحرائق الوخيمة فقد حصدت في إندونيسيا, عشر ملايين هيكتار من المساحة الخضراء وأدخلت لعالم الفقر نحو سبعة ملايين نسمة, وكلفت لإيقافها نحو خمسة مليارات دولار على امتداد ثلاث سنوات متواصلة تقريبا. ولكن هل المحصلة النهائية لتبني التقنية الحيوية أسهمت في التخفيف من وطأة هذه الكارثة وترجمت الهدف النبيل من تبنيها؟ إن ما حصل في العالم واستمرار صدور التقارير السلبية القاتمة يؤكد أن المشروع تحول إلى استثمار وتجارة ولم يعد بمكاسبه المادية على المستهلك برفع وتحسين الوضع الصحي لهذه الأمم المتضررة. وأصبح مكشوفا في بعض الممارسات أن نقص الغذاء قد لا يكون السبب في الفقر والجوع فقد يكون الغذاء متوافرا إلا أن الرغبة في السيطرة على الموارد وسوء توزيعها هما من أهم الأسباب المبطنة لتوجه الدول الصناعية والغنية في العالم. وقد ثبت أنه بتجاهل الأيدي العاملة التي يمكن أن تنمي هذه المكاسب تحول المشروع إلى استثمار أحادي العوائد, وتاهت أمم في زحمة الاهتمام بالتطوير فلم تحظ بمساعدة فعلية للجائع أو الفقير. كما استُخدِمت الدول الفقيرة في ردم المخلفات فيها كيفما اتفق, وبالتالي استبدل الماء الصالح بآسن, والهواء النقي بملوث, والتربة العذراء الغنية بمعادنها بأخرى فقيرة وفاسدة, والأعداء الحيوية أصبحت آفات حشرية. ولم يقدم للمزارع والمستثمر الزراعي الأمين ما يجعله يستفيد منه في مستقبل التنمية التي نسعى إلى تحقيقها واستدامتها خلال السنوات العشر القادمة.
من ناحية الأغذية العضوية قد تكون باهظة الثمن نوعا ما وذلك لأنها نقية المنشأ وجيدة النمو ومحافظ عليها بأسلوب مقنن كما سلف ذكره. ولكن لو كثفنا الاستثمار فيها فقد نوفرها غذاء صحيا بأسعار في متناول شريحة كبيرة جدا من الناس. أما من ناحية الأغذية المعدلة وراثيا, ففي السابق تم ترجيح أقوال وآراء من هم مع التقنية الحيوية على من هم ضدها, لأن التقارير الإيجابية كانت أكثر من السلبية. إلا أن السلبية منها نشرت مؤخرا وأصبحت تدين الشروع في هذه الحلول البيولوجية المتطورة لما يشوب بعضها من غموض وعدم وضوح في فهم تأثيراتها على المستوى البعيد ونتائجها غير المباشرة. وبما أن هذه التقنية يمكن إساءة استخدامها فعلينا تحديد من نصدق من الفريقين؟ ومن نتبع؟ وما هو التأثير البيئي؟ بناء على ما تعلنه وتقره الجهات المسؤولة وأولها وزارة الزراعة, نحن لا نريد أن نقع في المشكلة بعد وقوعها كما حدث في أوروبا عام 1996م حين أعلن أن هناك ارتباطا مبنيا على دلائل علمية بين ظهور مرض اختلال بعض الخلايا الدماغية CJD كمرض مصاحب لمرض جنون البقر عند أكل لحوم البقر المصابة به. فخلص الاتحاد الأوروبي إلى قرار فسح المنتجات المحورة وراثيا بعد أن تستكمل التجارب والفحوصات على كل منتج يراد طرحه للاستخدام الآدمي. كما خلص إلى ضرورة اتباع أصحاب الحقول الزراعية للتعليمات والمعايير المتعلقة بهذا النوع من الزراعة وتربية المواشي والاهتمام بما جاورها من حقول لا تزرع محاصيلها بهذه التقنية.
لذلك لابد من التعاون مستهلكا ومستثمرا, مواطنا ومسؤولا على أن نهتم من الآن بالشأن الزراعي ونعي أننا أمام قضية تتطلب منا بادئ ذي بدء تحديد أهداف اقتصاديات الزراعة في أسلوب دعم الزراعة والمزارعين. فهل مثلا الدعم بشراء الأراضي هدفه زراعتها وزيادة المحاصيل أم لزيادة مكاسب المنتفعين؟ ثم هل نستطيع استمالة القطاع الخاص في نقل الخبرة العالمية والتقنيات المتوافرة لوضع برامج تطبيقية مقننة لاستهلاك المياه، واستخدام محسنات التربة, والاستثمار في إنشاء مشاريع إكثار الأعداء الحيوية لتقليل الاعتماد على المبيدات الكيماوية في سبيل المحافظة على سلامة البيئة؟
من منظور بيئي لا بد من مواجهة أنفسنا وتوجيه اللوم للعمومية التي تعاملنا بها مع مقدرات الأرض والبيئة بصفة عامة. فهناك استخدام جائر للماء وللغطاء الخضري والنباتات أدى إلى خلخلة في نسب العناصر المعدنية والكيميائية المهمة للتربة والماء وحتى نقاء الهواء. كما أن رمي المخلفات الطبية ودفن الحيوانات النافقة يحتاجان إلى متابعة ورقابة مشددة, لأنها أضحت ظواهر بيئية سلبية تحتاج إلى اهتمام المسؤولين أكثر. ما يهمنا في هذا المقام هو زيادة رقعة التصحر في المملكة, فأصبحنا نقرأ من حين لآخر تقريرا في هذه الصحيفة أو أخرى عن تصحر بعض المناطق التي كانت مخضرة, مما يحتم إعادة الإشراف الزراعي المتخصص والمقنن وتنظيم توزيع الأدوار بين أجهزة الدولة المعنية والمستثمرين, والمتابعة اللصيقة لتنفيذ المشاريع أيا كانت. وقد يقترح مبدئيا التركيز على المشاريع الصغيرة في الإنتاج الزراعي والتقليل من الكبيرة مع الاهتمام ببرامج الري المطور. ولنجاح ذي إبعاد اقتصادية واجتماعية صحية لابد من خفض حجم تكاليف المستلزمات والإجراءات الأخرى, مع محاولة استغلال كل ما من شانه أن يحقق طفرة صحية مع الاستثمار في الزراعة والأغذية النباتية. من الضروري جدا الالتزام بالمعايير التي وضعناها لحماية البيئة والمبنية على المعايير الدولية ومتابعة الالتزام بتنفيذها فيما يتعلق بالتجارب على الكائنات الحية عموما. ومن الواجب التأكيد على ألا تخرج هذه التجارب من تحت مظلة الدولة على الأقل إشرافا من قبل المعنيين من الجهات المختصة. فلا تعني القدرة على تغطية تكاليف الأبحاث, إمكانية البحث فيما نريد وعلى ما نريد وبأي أسلوب نريد.
لذلك أعتقد ونحن في بداية النقلة النوعية في مجال التنمية الزراعية, أن أمام وزارة الزراعة والشؤون البلدية والقروية وبعض الهيئات المتخصصة والغرف التجارية مهام ثقيلة لرعاية الزراعة والمزارعين. فلدينا موارد لا بد أن يُحافظ عليها, ومزارعون نحتاج إلى احتضانهم لتطويرهم فكرا وأسلوبا وعملاً, وإمكانيات ووسائل زراعية تحتاج إلى تطوير مع التدريب على الاستخدام الأمثل لها. كما أننا نطالب الوزارة بالتدخل الحاسم في كثير من المناطق والمواقع لتنظيم التنمية الزراعية فيها ووقف التصحر الناتج عن الاستثمار غير المدروس أو غير المخطط له ضمن استراتيجية وطنية عامة. والله من وراء القصد.