رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التطوير الزراعي: زراعة غذاء أم زراعة صحة؟

<a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a>

بداية لا بد من معرفة أن المنتوجات الزراعية العضوية هي محاصيل زراعية غذائية تنمو في بيئة خاصة جدا ابتداء من التربة ومكوناتها المحددة والمعروفة, ومرورا بكمية ونوع المواد الكيميائية اللازمة لنمو النبات, وكمية الرطوبة والضوء, وانتهاء بأسلوب الحصاد والنقل المقننين. وهي باعتراف كل الدول إذا تمت في حدود المعايير والأنظمة المحددة لها فهي أفضل الأغذية النباتية على الإطلاق لخلوها من أي مسببات مرضية سواء للنبات أو الإنسان أو الحيوان أو أي تأثير على البيئة. أما المحاصيل المحورة أو المعدلة وراثيا فهذه أنواع من المحاصيل الزراعية الغذائية اختصت بإجراء بعض التجارب عليها لتقاوم الآفات الحشرية والمبيدات الكيميائية ونقص الماء أو ملوحته وتلوثه وتساعد أصحاب المزارع على التعامل مع محاصيلهم بطريقة تعود عليهم بفائدة أكبر وأرباح كانوا يحلمون بها. إلا أن التفصيل في الحديث عن النوع الأخير يحتاج إلى هذه المقدمة التعريفية:
إن أصل توريث الصفات من الوالدين للأبناء في كل الكائنات الحية هو المادة الوراثية التي تم اكتشافها في عام 1953م. منذ ذلك الوقت والدراسات تحاول كشف معلومات أكثر تجعلنا نفهم كيفية توريث الصفة وأي الصفات هي التي تورث. هذه المادة الوراثية عبارة عن خيط من 4 أحرف توجد في الخلية الحيوانية أو النباتية أو الحيوية الدقيقة. كلما تتكاثر هذه الخلية تنسخ منه نسخة أخرى وأخرى وهكذا. بالطبع كلما ازدادت الحروف فهي تكوِن كلمات وجمل, اعتبرت فيما بعد أوامر وتعليمات لنشاط وعمل الخلية. هذه الجمل نوعان: الأول يعطي التعليمات بتكوين البروتين وهو المادة المهمة في تكوين وبناء الخلية, والثاني يحدد في أوامره متى؟ وكيف؟ وأين يتم تكوين البروتين؟ بفضل الأبحاث المستمرة تم التعرف على مجموعة الجمل التي تكون مقاطعا في مجملها. كل مقطع فيها سمي بالجين Gene الذي يتشابه كل كائن على وجه الأرض مع الآخر في تكوين هذا المقطع. وبالتالي عرف الجين بأنه المسؤول عن تكوين المواد أو الهرمونات أو إفرازها في الجسم. ولقد كانت أول مادة عرف الجين المكون لها هي مادة الأنسولين. فقد تم نقل الجين إلى كائن آخر فأنتج نفس المادة ومن هناك كانت بداية رسم خريطة الجينات الوراثية أي مجموعة الجينات المتحكمة في صفات الكائن الشكلية والوظيفية. ولأن كل جين عبارة عن مقطع من عدة جمل مخصص لفعل أمر فلا بد من وجود مقطع آخر لوقف هذا الفعل لتنظيم تكوين المواد دون زيادة أو نقصان أو إحداث خلل. وهذا ما يحدث في عملية الوراثة للصفات. ولتبسيط وتقريب المعلومة نذكر الأمثلة التالية:
من المعروف أن الأرز يعتبر أهم منتج غذائي في آسيا, ولأنه لا يحتوي على فيتامين (A) في حين أنه الوجبة الرئيسة في طعام معظم دول آسيا, فقد ازدادت نسبة تفشي مرض العمى حتى وصل الأمر أن الأطفال يولدون عميا وبنسبة كبيرة بسبب نقص فيتامين (A) الذي لا يتناولونه في غذائهم. بنقل جين الفيتامين من حبة الأرز الغنية به إلى حبة الأرز من النوع ناقص الفيتامين وزراعته وجد أنه أنتج كميات كبيرة من الأرز الحاوي على فيتامين (A). هذه العملية مكنت من توفير 15 % من الاحتياج للأرز المحتوي على الفيتامين (A) في آسيا, وبأسلوب التلقيح بين النوعين والتهجين المتكرر وجد أن الكميات الموفرة أصبحت (نظريا وحسابياً) تغطي الاحتياج من الأرز المحتوي على الفيتامين (A). ولكن ليتحقق ذلك عمليا كان لا بد من القيام بعدة محاولات ليكون على مستوى إنتاج تجاري. لذلك قام معهد سويسري بهذه المهمة وأشاع براءة الاختراع كنوع من التعاون الدولي والمساهمة في رفع مستوى بعض الدول الصحي والغذائي, وبُدئ فعلا العمل به وأنتج الأرز بكميات كبيرة جدا. وبذلك يتوقع أن يختفي العمى في السنوات الخمس القادمة في آسيا, وتعود الأجنة لطبيعتها كما هو مفترض لها أن تكون عند الولادة. أما في الصين فالأبحاث مستمرة في محاولة لترخيص أحد أو كل الأنواع المعدة للغذاء بعد أن تجتاز فحص المقاومة للحشرات والمبيدات والفيروسات والبكتيريا حيث إذا تم ذلك فستكون الصين أول دولة تتمتع بتصريح أربعة أنواع من الأرز لصلاحيتها للاستخدام الآدمي في آسيا. وبالرغم من توظيف أكثر من 2000 عالم في هذا المجال فما زال الكثير يصرون على استكمال التجارب والمعلومات المؤكدة على عدم تسبب هذه المحاصيل في مشاكل صحية للإنسان فيما بعد.
في مثل آخر فالجميع يعرف أن المزارعين يعانون من الحشائش (Weeds) التي تنمو بجانب النبات أو المحاصيل فتسبب له ضعفا بمنافسته العناصر الغذائية له في التربة أو قد تؤدي إلى هلاكه من دون أن تتأثر هي خلال العملية. لم يكن أمام المزارعين والعاملين في الحقول سابقا سوى أن يقلعوها يدويا أو يرشوها بمواد تمنع نموها, وفي كلتا الحالتين لم تكن هذه الآليات ناجعة تماما، بل استمر تدهور الوضع مما جعل عملية التخلص منها حلما يحتاج إلى تحقيق. لقد تم إحداث نبتات تقاوم المبيدات الحشرية ومبيدات الآفات النباتية بحيث قبل بذرها في التربة تغمر في هذا السائل المبيد الذي لا يؤثر في البذور أو النبات وإذا ما نما النبات وأراد الطفيلي التطفل على النبات تسمم بواسطة هذه المادة ونما النبات طبيعيا دون أي تأثير. ولقد جربت هذه الطريقة مع العديد من الحبوب والمحاصيل وتمكن العلماء من الحصول على محاصيل زراعية مقاومة للمبيدات الحشرية بتكاثرها فيما بعد.
وكمثل آخر, يعلم البعض أن عمر الفواكه عادة بعد قطافها يكون قصيرا جدا ولا يمكن بالطبع تناولها في غير موسمها إلا إذا تم تجفيفها أو تجميدها أو طبخها وفي كل هذه الحالات ليست نفس المنتج الخضري اللذيذ الذي قطف من على الشجر. بهذه التقنية والأسلوب العلمي السابق ذكره سيكون ممكنا تناول الفاكهة على مدار العام ويمكن للمزارع الذي لا يملك سوى عدد بسيط من العمال أن يتمكن من جني ثماره على مدار العام وحصاد محاصيله خلال فترة أطول. كل ذلك من شأنه أن ييسر ويسهل للدول الفقيرة أساليب ناجعة في حل ما يمكن أن تكون مشاكل كانت تؤرقهم. أما الدول التي تعاني من شح المياه أو التصحر فهناك تجارب أجريت على بعض البذور وراثيا لتتلاءم وكميات المياه المتوافرة, مع الاعتماد على عملية الري الليلية فلا تستهلك كمية كبيرة مثلما تكون في النهار وبالتالي يتحقق النمو في أوقات مغايرة للطبيعة. وقد طبقت هذه التقنية على نباتات غير غذائية لاستمرار نموها ولتحافظ على البيئة والوجه الخضري للأرض, لإبقاء رطوبة الجو أو تلطيف الجو باستمرار الأمطار.
هذه باختصار شديد الفروقات بين استخدام التقنيتين فهل سنلجأ إلى زراعة غذاء أم زراعة صحة؟ فيما بقي من حديث سيتم التركيز على تفعيل دور المواطن والمسؤول ليكونا عونا لبعضهما في مسيرة التنمية المستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي