رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


خزن النفط السعودي خارجيا .. غير مجد ولا مبرر

<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>

اقترحت الصين على السعودية إقامة خزن استراتيجي للنفط السعودي في الصين تحسبا لأي ظروف طارئة. ونقلت "الاقتصادية" الإثنين الماضي عن مصدر في شركة أرامكو أن الشركة ستبحث الجدوى الاقتصادية من إقامة مثل هذا المشروع في الصين أو في أي مكان في العالم، مشيرا إلى أن لدى "أرامكو" عدة عروض لإقامة مشاريع للخزن النفطي في عدد من بلدان العالم، ولا سيما في شرق آسيا وأوروبا وأمريكا.
والحقيقة أن فكرة إقامة خزن استراتيجي للنفط السعودي خارجيا ليست مجدية ولا تخدم المصالح السعودية على الإطلاق، ولا يستدعي الأمر حتى إجراء دراسة جدوى اقتصادية، لعوامل أهمها التالي:
1- أن السعودية ليس من مصلحتها تقليل اهتمام المستهلكين الرئيسيين بأمنها وسلامة طرق ملاحتها البحرية، من خلال تكوين احتياطيات استراتيجية خارجية تفي باحتياجات تلك الدول لفترة طويلة، ولو وصل تدهور الأوضاع إلى الحد الذي لا تستطيع معه السعودية تصدير نفطها، فإن معضلتها ستكون أكبر من أن يسهم في تخفيفها خزنها كمية من نفطها، مهما كان حجمها، في مكان آخر في العالم.
2- أن الصين كونها ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، وبمعدل نمو في الاستهلاك هو الأعلى في العالم، وتعتمد حاليا بنسبة 60 في المائة على النفط المستورد وهي نسبة في تزايد مستمر، فإنه قد يكون من مصلحتها الاحتفاظ بمخزون استراتيجي نفطي، إلا أن ذلك شأن صيني بحت تحدده أولوياتها الاقتصادية، ولا يمكن أن يكون لأي دولة منتجة للنفط سواء السعودية أو غيرها مصلحة أو ضرر من مثل هذا الإجراء الصيني، ويجعل إقامة هذا المشروع ودراسة جدواه الاقتصادية مسألة تحددها المصالح الصينية وحدها، ومن غير المبرر توقع الصين مشاركة السعودية في تحمل تكلفته أو تأمين نفط له.
3 - أن الأوضاع القائمة حاليا في السوق النفطية، في ظل عدم وجود طاقة إنتاجية فائضة لدى الدول المنتجة، تجعل بناء مخزون استراتيجي نفطي عملية شبه مستحيلة، وقد استغرقت الولايات المتحدة ما يزيد على 30 عاما لبناء مخزونها الاستراتيجي في ظل ظروف أكثر ملاءمة في السوق النفطية. والصين بالكاد تستطيع حاليا تأمين حاجتها الاستهلاكية من النفط، وقلقة بشكل واضح على قدرتها على تأمين احتياجاتها النفطية مستقبلا، ما يجعل من المستحيل تخصيصها كميات كافية من وارداتها النفطية لملء خزن استراتيجي نفطي ذي أهمية.
4- أن الجدوى الاقتصادية من مشاريع الخزن النفطي الاستراتيجي محل تساؤل حاليا، وهناك شكوك في حقيقة نجاحها في تحقيق هدف إنشائها. فقد أشارت دراسة تم إجراؤها أخيرا حول أشهر وأكبر مشاريع الخزن النفطي الاستراتيجي في العالم، والمقام في الولايات المتحدة منذ عام 1975 بهدف حماية الولايات المتحدة من صدمات العرض النفطي، إلى أن التقديرات المتحفظة تقدر تكلفة المشروع، حتى الآن، بنحو 50 مليار دولار بالأسعار الثابتة لعام 2004، أو ما يعادل 79 دولارا للبرميل، وهو ما يزيد على تكلفة برميل النفط في السوق العالمية، حتى مع الزيادة الكبيرة التي شهدتها أسعار النفط الخام أخيرا. وأشارت الدراسة إلى أن تكلفة شراء النفط بلغت 18 مليار دولار فقط، ما يعني أن متوسط تكلفة شراء برميل النفط لم تتجاوز 29 دولارا، أو 36 في المائة فقط من التكلفة الفعلية لبرميل النفط المخزن، ما يؤكد ارتفاع تكلفة إقامة مثل هذا المشروع على المدى الطويل بشكل باهظ، رغم أن الولايات المتحدة تتمتع بميزة نسبية تتمثل باحتفاظها باحتياطياتها الاستراتيجية النفطية في تكوينات طبيعية تحت الأرض تسهم في الحد كثيرا من تكلفة التخزين. وتوصلت الدراسة إلى أن فاعلية هذا المشروع المكلف جداً في حماية الولايات المتحدة من صدمات العرض النفطي، مع كل ذلك، تظل محدودة. فالطاقة الاستخراجية لهذا المشروع، الذي يخزن فيه حاليا نحو 700 مليون برميل من النفط الخام، لا تتجاوز 4.3 مليون برميل يوميا، أو نحو 20 في المائة فقط من استهلاك الولايات المتحدة من النفط يوميا، وكامل مخزونه رغم تكلفته الباهظة يعادل استهلاك الولايات المتحدة لمدة 29 يوما فقط. بينما المخزون التجاري في الولايات المتحدة يكفي لضعف هذه المدة تقريبا، ويمكن استخدامه بكفاءة أعلى وأسرع. وأشارت الدراسة إلى أنه تم اللجوء إلى هذا المخزون الاستراتيجي ثلاث مرات خلال 30 سنة الماضية، جميعها جاءت بنتائج محدودة، ولا يتوقع أن يكون الحال أفضل مستقبلا، بسبب أن الحكومة الأمريكية ستؤخر دوما قرار استخدام هذا الاحتياطي تحسبا لما هو أسوأ، ما يقلل من دوره في تحقيق هدف إنشائه. وخلصت الدراسة إلى أن محدودية فاعلية المشروع وتكلفته الباهظة، تجعل الحل الأمثل لحكومة الولايات المتحدة هو في بيع هذا المخزون وإغلاق المشروع.
في ضوء كل ذلك، فإن أفضل وأرخص وسيلة أمام السعودية لتخزين نفطها استراتيجيا هو في إبقائه في حقولها النفطية، لا في استخراجه ثم تحمل تكاليف باهظة لخزنه لعقود عديدة في أي مكان كان في العالم، ومن المستغرب أن تتوقع الصين أو أي دولة أخرى في العالم أنه يمكن إيهام السعودية بأن لها أي مصلحة من إقامة مشروع كهذا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي